آيت أحمد بدأ يمارس السياسة حين كان تلميذا في الإبتدائي قال المجاهد واعمار آيت عيسى، البالغ من العمر 90 سنة وصديق طفولة الراحل حسين آيت أحمد، أن هذا الأخير كان رجلا حديديا عظيما بنشاطه و شجاعته، السياسة كانت شغله منذ صغره بدأ يمارسها وهو لا يزال في المدرسة الإبتدائية، وهو ما كلفه قضاء ليلة كاملة داخل زنزانة جنود فرنسا عندما تفطن مدير المدرسة لنشاطه فأوقفه. كان وطنيا و يتسم بروح التواضع منذ الصغر رغم مقامه ، وكان محبوبا لدى أقرانه من الأطفال، هو رجل مثالي ترك بصمات من ذهب ، يحب الخير لوطنه ، وكان دوما يوصي بالفقراء والمساكين خيرا ويتذكرهم في المساعدات ، وعلى مدار حياته عاش الحسين لغيره لا لنفسه، عمل من أجل الجزائر. وأضاف واعمار آيت عيسى الذي التقت به النصر في قرية آث أحمد، مسقط رأس دا الحسين 70 كلم جنوب شرق تيزي وزو، أنه في نفس سن آيت أحمد تقريبا، و تربطه به أيضا صلة قرابة "ابن عمته" إضافة إلى كونه صديقه منذ الطفولة. كانا في سن الرابعة عندما إلتحقا بمسجد القرية كغيرهما من الأطفال لتعلم القرآن الكريم على يد إمام القرية لمدة سنتين ولم يواصل آيت أحمد تعلم القرآن الكريم بعد ذلك، حيث التحقا سويا بالمدرسة الابتدائية في قرية "تاقة" ببلدية آث يحي و درسا معا في نفس القسم . كان الراحل تلميذا نجيبا وذكيا طيلة رحلته الدراسية إضافة إلى أدبه الرفيع وأخلاقه العالية، فكان محبوبا من معلميه وأصدقائه. عندما بلغ آيت أحمد عشر سنوات من عمره أخذه والده المدعو سي موحند أويحيى إلى المدرسة الفرنسية الواقعة بعين الحمام، لأن التعليم هناك كان أفضل و حتى يكون قريبا من أخواله ويبيت عندهم، وهناك بدأ يعرف معنى السياسة رغم أنه لا يزال في الإبتدائي، كان يتنقل ليلا وحده، و لا أحد يعلم أين يذهب. عندما تفطن له مدير الإبتدائية السيد "جون" بانه كان يمارس السياسة في المدرسة أوقفه وقاده إلى زنزانة أمضى فيها ليلة بكاملها. ويضيف المجاهد واعمار "كنا نلتقي دوما للعب في القرية عند عودته من أخواله في العطل المدرسية، و حديثه معي كان دائما عن السياسة،عندما اكتشف والده أمره قال له ذات مرة "إنك تسلك طريقا لن يجلب لك إلا المشاكل فالأفضل أن تغير مسارك لأنه لا يعجبني " إلا أنّ آيت أحمد لم يأبه لكلام والده، بل تعنّت أكثر، و قال له "إن كررت هذا الكلام فأنا لست إبنك لأنني أعرف ماذا أفعل وأعلم إلى أين أذهب وماذا يجب أن أقوم به" . وقال محدثنا "إفترقنا لفترة بسبب تنقله للجزائر العاصمة، ومواصلته نشاطه السياسي إلا أننا كنا نرى بعضنا البعض في القرية كلما كان يزورها، إلى غاية القبض عليه رفقة بن بلة و الأشرف و خيضر و بوضياف لدى عودتهم من المغرب يوم 20 أكتوبر 1956، حيث زُجّ بهم في السجن، وسافرت أنا إلى فرنسا للعمل، و بعد ثلاثة أشهر من سجنهم بالجزائر تم تحويلهم إلى سجن "لاسونتي "بفرنسا لم أكن أعلم بذلك لأنني كنت حينها مناضلا في فيدرالية فرنسا، و أشتغل في مصنع رونو للسيارات. وذات مرة أرسل آيت أحمد زوج أخته الطاهر آيت تودرث، يطلب مني زيارته في السجن ، سألته عن كيفية الوصول إليه لأنهم لن يسمحوا لي برؤيته وأخبرني بأن أذهب إلى ثكنة تقع بالشارع الرابع وهناك ساجد إجابة لسؤالي". " ذهبت إلى الثكنة يوم السبت بعدما تغيبت عن العمل، ولدى وصولي وجدت حارسا سألني ماذا تريد، أخبرته بأنني أريد رؤية القائد جيرو المسؤول عن الثكنة فأخبرني بأنه لن يدخل الآن، وبعد لحظات في حدود التاسعة والنصف جاء وأخذني إليه، دخلت إلى مكتبه سألني ماذا تريد؟ أخبرته بأنني أريد إذنا بالمرور لرؤية حسين آيت أحمد في السجن، و قال لي من أخبرك بمكانه ؟ فأجبته بأنني سمعت ذلك في الصحف والإذاعة ، وسألني أيضا عن صلتي به؟ فأجبته إنه ابن عمتي ، واصل القائد طرح أسئلته علي حتى وصل إلى السياسة، وسألني إن كنت أمارسها فأجبته بالنفي ولا علاقة لي بها و أنني عامل بسيط في المصنع، وبعد نهاية إستجوابي الطويل منحني حق الزيارة مرة كل أسبوعين، ويواصل محدثنا "منحني جيرو إذنا بالمرور، وذهبت في اليوم الموالي لزيارة آيت أحمد القابع بالسجن رفقة بن بلة وخيضر و الأشرف و بوضياف، رافقني الحارس إلى غاية باب الزنزانة وقال لي أطرق أنت الباب لأنني لا يحق لي ذلك ، طرقت الباب وفتحها آيت أحمد الذي فرح كثيرا لرؤيتي، دخلت معه ،تقدم إلي بن بلة وبدأ يسألني عن السياسة والأوضاع في الجزائر و هل فرح الشعب بالثورة، بقيت معهم لبضع الوقت قبل أن أغادر وكنت أزورهم كل 15 يوما". في أحد الأيام قال لي آيت أحمد " أوصيك بأن لا تكثر المجيء إلي وإلا سيكون مصيرك السجن"، لم أضع كلامه في الحسبان و بقيت مدة عام وأنا أزوره، إلا أن أحد أصدقائي الذي كان معي في فيديرالية فرنسا أصبح حركيا يحمل الأخبار لجنود فرنسا، و قام بالوشاية بي وبعد يومين اعتقلوني، جاءت الشرطة إلى منزلي ليلا ، وقامت بتفتيش الغرفة ظنا منها بأنهم سيعثرون على وثائق خاصة بالثورة أو الأموال، اقتادوني إلى مركز الحركى ببارباس أين مكثت فيه 10 أيام قبل أن يحولوني إلى "لارزاك" الذي بقيت فيه منذ نوفمبر 1960 إلى غاية 26 أفريل 1962 لم أرَ فيها صديقي طيلة تلك المدة. و يضيف محدثنا أن آيت أحمد هو من أعلن الإضراب عن الطعام رفقة بن بلة و الأشرف وخيضر، و أمروا جميع الجزائريين المتواجدين في فرنسا بمن فيهم السجناء أن يضربوا عن الطعام و لكن بعد 15 يوما توقفوا بعد ضغط الفرنسيين عليهم.