فنانون يحافظون على طابع الرحابة ويفتحون الأبواب للدارسين يعبّر الإنسان عن آلامه وآماله، أحزانه وأفراحه بأشكال عدة، ومنها الغناء، وهو ظاهرة فنية، اجتماعية ونفسية، تميّز شعبا ما عن غيره من الشعوب. وهو جزء مهم من ذاكرة وخصوصية الأمة، واهتمام الدولة به اهتمام بشخصيتها، وإهماله محو لجزء معتبر من هذه الشخصية. بقلم: نورالدين برقادي تعدّ منطقة الأوراس من أهم مناطق الجزائر من حيث التنوّع الغنائي سواء العصري أو التقليدي منه، خاصة النوع الثاني الذي يؤدى بشكل فردي أو جماعي، بواسطة الرجال أو النساء أو رجال ونساء. يسمّى الغناء التقليدي الأوراسي الجماعي "الرحابة". والرحابة سنفونية جميلة تجمع بين الغناء وحركات الأرجل في انسجام وتناغم رائعين، وهي متنوعة؛ حيث ذكر الأستاذ محمد الصالح ونيسي في كتابه "جذور الموسيقى الأوراسية" الصادر سنة 2008 بالجزائر عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ثمانية أنواع هي: 1- آسروجي. 2- آصحراوي. 3- آردس. 4- أوجاني (آيث أوجانة). 5- يعقوبي (آيث يعقوب). 6- آعواجي (آيث أعواج). 7- آلموشي (آيث لموش أو النمامشة). 8- آجلس (رحبية نسائية). يعتبر الغناء بالنسبة للإنسان الشاوي وسيلة تعبير عن الذات والتمسك بالأمل للتغلب على الألم الذي يعيشه؛ ألم مصدره صعوبة تضاريس الأوراس من جهة، ومن جهة أخرى تصدّر هذا الإنسان عبر التاريخ الصفوف الأمامية دفاعا عن الوطن وما نتج عن ذلك من خسائر بشرية ومادية معتبرة. ومع ذلك فقد اختار عدة مواعيد للفرح: الحرث، الحصاد، ينار، جمبر، دخول الربيع "ثافسوث"، دخول الخريف"ثيفسوين"، ازدياد المولود، ختان الصبي، الزواج.. وهو لا يفرح لوحده بل يجمع حوله جميع أفراد قريته أو قبيلته ليحوّل الفرح من فرحة خاصة إلى فرحة عامة. تنتشر الفرق الغنائية التي تؤدي طابع الرحابة في مختلف ربوع الأوراس (خنشلة، الشريعة، مروانة، آريس، عين البيضاء..)، ومن أهم الفرق التي تؤدي هذا اللون الغنائي بامتياز، فرقة الأصالة لبلدية طامزة. تأسست فرقة الاصالة على شكل جمعية في شهر أفريل من سنة 1992م ببلدية طامزة، دائرة الحامة (ولاية خنشلة)، بهدف اكتشاف المواهب الشابة والحفاظ على التراث الغنائي الأوراسي. قامت الجمعية في بداياتها بحملات لتزيين المحيط من خلال إنجاز جداريات فنية وتكريم التلاميذ النجباء ثم تدريجيا تخصّصت في الغناء. شاركت الفرقة في عدة تظاهرات فنية وطنية منها: مهرجان عيد الفراولة بولاية سكيكدة (جوان 1998). المهرجان الوطني للأغنية البدوية والشعر الملحون بمستغانم (2000 و2002). الأيام الوطنية للأغنية البدوية بالمسيلة (ماي 2009)..الخ. وكان لها حضور دولي في عدة مناسبات، منها: مهرجان التراث والتقاليد بالقصرين (تونس)، (شهر جويلية 2001). سنة الجزائر بفرنسا (شهر ديسمبر 2003). المهرجان الدولي للواحات بتوزر (تونس)، (2004، 2005، 2006، 2009)..الخ. تحصلت الفرقة على المرتبة الثانية في المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الشاوية بخنشلة (الطبعة الأولى) نوفمبر 2008، وقد سمحت هذه المرتبة بمشاركة الفرقة في مهرجان الأغنية الأمازيغية بتمنراست في نفس السنة (2008)؛ حيث توّج مغني الفرقة الطاهر بورقبة المعروف بالطاهر اليعقوبي كأفضل صوت في هذا المهرجان. تتميز الفرقة عن غيرها من الفرق الناشطة في نفس المجال بأداء عناصر الفرقة المميّز خاصة الصوت البلبلي والكلمات الطويلة "القصائد"، عكس الكلمات التي تؤدى من طرف بعض الفرق، والتي هي عبارة عن جمل قليلة تردد من طرف الفرقة إلى جانب روعة موسيقى فرقة طامزة التي تؤدي أغانيها بأربعة ألحان مختلفة. وحسب رئيس الجمعية، السيد بلقاسم سالمية (الذي يعمل ممرضا بعيادة بلدية طامزة)، فإن طموح الفرقة، هو إيصال التراث الشاوي إلى مختلف ربوع الوطن ولم لا فتح مدرسة لتدريس فن الرحابة (الكلمات، الأداء، الموسيقى..)، وتقف عدة عوائق في سبيل تحقيق ذلك، خاصة شحّ الدعم المادي ونقص اهتمام السلطات المعنية التي لا تهتم بفرقة أثبتت جدارتها في تمثيل الولاية ومنطقة الأوراس أحسن تمثيل. تتشكل الفرقة من: بشير بن عربية (مغني)، لعور سليمان (مغني)، بيبي الجمعي (مغني)، بن عمارة العايش (مغني)، بن عربية علي (عازف على البندير)، محمود بومعزة (عازف على البندير). اشتهرت الفرقة بأغانيها الناجحة: "حدة لالة"، "لهوا امذرار"، "بويا سعفايا"، "يا الله لا لوم عليا"، "عزيزي يا"، "الفارس رقب رقب" ..الخ. ساهمت فرقة الأصالة لأولاد يعقوب (طامزة) في الحفاظ على هذا الطابع الغنائي من خلال إصدار عشرة أشرطة غنائية بطابع الرحابة. بداية الغيث كانت من خلال إصدار أول شريط سنة 1998، إذ احتل هذا الشريط المرتبة الأولى لمدة شهر كامل في برنامج "سباق الأغاني" بإذاعة الأوراس الجهوية. وآخر شريط ظهر للوجود يعود إلى سنة 2008. غناء فرقة الأصالة لقي اهتماما كبيرا من طرف القناة 5 للتلفزيون الفرنسي، التي بثت حصة حول فرقة الأصالة سنة 2005، وقبل ذلك استضاف التلفزيون الجهوي الفرنسي (لاكوت دازور) الفرقة وسجل حصة معها، بثت هذه الحصة لمدة شهر كامل وذلك سنة 2002، عكس التلفزيون الجزائري الذي لم يبث الحصة التي سجلها مع الفرقة سنة 2001 لأسباب تبقى مجهولة. يسعد أعضاء الفرقة استقبال من يرغب من الباحثين في الأغنية التراثية ومساعدته بكل الوسائل المتاحة بغرض إنجاز بحوث ودراسات حول الرحابة ولها مطلب ملحّ يتمثل في غربلة الفرق الغنائية الموجودة في الساحة، حسب المعايير المتعارف عليها؛ خاصة الإنتاج، المشاركات الوطنية والدولية..الخ. إذ كيف تهمّش الفرقة صاحبة الإنتاج المتميّز وتعوّض بفرق تردد أغاني "الأصالة" ؟. فرقة الأصالة، صيحة عذبة ودافئة تنطلق من حناجر شباب قرى آيث يعقوب: عين آنو، عين قيقل، الحويرة، عين ميمون، نوغيس، أولاد سي نجاح، شاند قوما.. ببلدية طامزة للحفاظ على إرث الأجداد الفني. تقاوم فرقة الأصالة على أكثر من جبهة؛ تقاوم لتحافظ على هذا الإرث الحضاري اللامادي كما تقاوم ضد الهيمنة الثقافية الغربية أو ما يعرف بالعولمة التي تسحق كل ثقافة محلية. ومثلما صنّف غناء "أهليل" لمنطقة أدرار من طرف اليونيسكو كتراث عالمي غير مادي سنة 2005، وجب العمل على تصنيف غناء الرحابة كذلك، وهذا هو الرهان. يبقى مدى استمرار هذا اللون الغنائي أي الرحابة مرتبط بتطويره من حيث الكلمات والموسيقى دون المساس بروحه، وهنا نتساءل عن أهمية وجود معاهد الموسيقى المنتشرة في مختلف أنحاء الوطن، فإذا هي لا تهتم بالبحث في الأغنية الجزائرية وخاصة التراثية منها، فما جدواها ؟ وهل الموسيقى الغربية أو الشرقية في حاجة إلى هذه المعاهد ؟.