سرايدي.. حيث حوصرت عصابات "الحراقة" وكُسرت شوكة الإرهاب تعد منطقة سرايدي بولاية عنابة، إحدى الوجهات السياحية الأكثر استقطابا للمصطافين والزوار من مختلف ولايات الوطن، لخصوصيتها الطبيعية الفريدة مقارنة مع باقي المواقع السياحية، فهي تزاوج بين الطبيعة الغابية الخلابة بمرتفع جبال الإيذوغ المطل على المدينة، والشريط الساحلي الممتد إلى حدود ولاية الطارف، وكذا احتضانها لشاطئ جنان الباي المعروف بواد بوقراط المصنف الأول بالولاية لجماله، واستقباله لأعداد هائلة من المصطافين. و تملك بلدية سرايدي عدة مقومات جعلتها منطقة معروفة على المستوى الوطني رغم توقف التنمية بها سنوات العشرية السوداء، فيتواجد بها المستشفى الأول على المستوى الوطني المتخصص في إعادة التأهيل الوظيفي، شيد إبان الحقبة الاستعمارية، وما يزال محافظا على مميزاته وبنيته المعمارية الفائقة الروعة، إلى جانب مركز لتحضيرات المنتخبات الوطنية "الكرابس" سابقا، ينتظر دخوله الخدمة نهاية العام الجاري بعد إعادة تهيئته، ومن بين المعالم السياحية التي يريد الجميع زيارتها بسرايدي فندق المنتزه المطل على سلسلة جبلية تعانق شاطئ البحر، ترسم للواقف على شرفته صورة فتاة منحوتة على صخرة، شعرها يلامس مياه البحر. شاطئ واد بوقراط الجميل محطة "الحراقة" نحو إيطاليا يعتبر شاطئ واد بوقراط أحد الوجهات المفضلة للمصطافين والسياح في فصل الصيف، رغم صعوبة المسلك المؤدي إليه في منحدر تكثر فيه المنعرجات، حيث يتوفر الشاطئ على خصوصية تزاوجه بين زرقة البحر وقربه من الغابة، كما يستقطب العائلات والشباب الباحث عن الهدوء والاستمتاع بالسباحة، هروبا من باقي الشواطئ التي يكثر فيها المنحرفون، وعدم وجود أماكن لركن السيارات، إلى جانب وجود التغطية الأمنية، حيث تخصص المجموعة الإقليمية للدرك الوطني كل موسم فرقة لتأمين الشاطئ، إلى جانب الدوريات الروتينية لفرقة الدرك الوطني بسرايدي، ويحتوي الشاطئ على طول امتداده على مظلات شمسية تقليدية مصنوعة يدويا مغطاة بعشب مجفف ينمو على ضفاف الوديان، ويشق واد صغير طريقه إلى البحر ينخفض مستوى الماء فيه، ينفذ وسط رمال البحر يستغله بعض المواطنين لغسل سياراتهم. وفي جولتنا التي قادتنا نهاية الأسبوع إلى شاطئ واد بوقراط، وجدناه مكتظا عن آخره بالمصطافين مع الارتفاع الكبير لدرجة الحرارة، ومن أهم الخصوصيات التي تميز هذا الشاطئ أن أغلب الذين يقصدونه من الطبقة ميسورة الحال والمغتربين وكذا الأجانب العاملين بالشركات الكبرى، كون التنقل إليه يعتمد على امتلاك سيارة مع صعوبة الطريق، كما تنعدم خطوط نقل جماعي تؤدي إليه. وفي حديثنا لبعض المصطافين عبروا لنا عن ارتياحهم لقدومهم إلى شاطئ واد بوقراط، فعبد العزيز 55 سنة قال " أنا هنا مع عائلتي أجد فيه راحة أكثر بالمقارنة مع باقي الشواطئ، التي يقصدها أشخاص غير محترمين وحتى المنحرفون، أين نجد أنفسنا نتعرض لمضايقات لركن السيارة وغيرها، حتى في الشاطئ تكون السباحة دون تداخل" . من جهته تحدث أمين 26 سنة، عن نظافة الشاطئ وعدم وجود مصبات للمياه القذرة، كونه يقع في منطقة غابية بعيدة عن التجمعات السكنية، كما يتميز بالهدوء، التقينا أيضا بعائلة من ولاية قسنطينة أعجبت بالشاطئ وأكدت بأنها تتردد عليه كل موسم اصطياف لتمتعه بميزات خاصة عن باقي الشواطئ، كما شهدنا زوجين، عرفنا عند التقرب منهما بأنهما من جنسية روسية. في الجهة المقابلة تحول شاطئ واد بوقراط في السنوات الأخيرة، إلى نقطة انطلاق قوافل الحراقة باتجاه جزيرة سردينيا الايطالية، حيث تتخذه عصابات تهريب البشر قاعدة خلفية لتحضير رحلاتها، بعيدا عن التغطية الأمنية، فهم يخبئون قواربهم بالأحراش قبل ضبط الترتيبات اللازمة للانطلاق، يتراجع نشاطهم على مستوى هذا الشاطئ بمجرد قدوم فرقة الدرك الوطني المكلفة بالسهر على تأمين المصطافين. وتجدر الإشارة إلى انطلاق أربع رحلات دفعة واحدة خلال شهر رمضان من واد بوقراط ، تضم 86 حراقا بينهم سيدة رفقة أمها واثنان من أبنائها تم توقيفهم في عرض البحر. المنابع المعدنية مقصد العنابيين صيفا تشتهر منطقة سرايدي بمنابعها الطبيعية العذبة التي يقصدها العنابيون طوال أشهر السنة خاصة في فصل الصيف لكثرة استهلاك المياه الشروب، فأغلب المنابع المعروفة مترامية بمحيط بلدية سرايدي مركز، وأخرى تتواجد بطريق بوزيزي وعين بربر، من أشهر هذه المنابع (عير سمير، الشفا، بوقال، موحكيم) وفي زيارتنا لمنبع سمير وجدنا بعض المواطنين قدموا من وسط المدينة وآخر من بلدية عين البادرة، أكدوا بأنهم يقصدونها تقريبا كل أسبوع للتزود بالمياه الشروب لنوعيتها الجيدة، وتحدث لزهر عن التناول الصحي لهذه المياه، عكس تلك المعبئة وتباع في المحلات، لأنها تتعرض لأشعة الشمس وطول مدة توزيعها، كما يوفر على نفسه مبلغ شراء المياه المعدنية . من جهته اعتبر عبد العزيز القدوم إلى المنابع رحلة للترويح على النفس واستنشاق الهواء النقي والهروب من حرارة وسط المدينة. اكتسبت سرايدي في السنوات الأخيرة شهرة، بالمطاعم التي توفر الأكلات التقليدية، على رأسها الشخشوخة إلى جانب الأطباق المختلفة، حيث لم يثن بعد المسافة إلى غاية سرايدي الزوار الباحثين عن الهدوء للاستمتاع بالأكل بعيدا عن ضوضاء المدينة. وحسب مسير أحد المطاعم فإنه لم يكن يتوقع هذا النجاح لمشروعه، ومع تقديم نوعية جيدة للأطباق التقليدية المعروفة استطاع صنع اسم لمطعمه، حيث ساعد ذلك في تطويره وتوسعته، ولحطنا خلال تواجدنا بالمطعم وجود العائلات من مناطق مختلفة لولاية عنابة وحتى من ولايات مجاورة، وأشار محدثنا إلى أن الإقبال يكون عادة كبيرا مساء لتناول وجبة العشاء، وأصبحت سرايدي أيضا تشتهر بإعداد البوراك صيفا، حيث تقصد مئات العائلات المكان لتناوله في الطبيعة. "المنتزه" ..تحفة معمارية يتميز فندق المنتزه المعروف " بالقصر" بسرايدي بهندسة معمارية فريدة، وضع تصميمه مهندس فرنسي معروف يدعى"فارننو بويو" تماشيا مع طبيعة المنطقة، أُنجز سنة 1967 ودخل الخدمة في 1971 فترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي زاره عدة مرات وأقام فيه، شيد على أنقاض فندق " كازينو دو روشي" الذي يعود للحقبة الاستعمارية، ويقع الفندق بسفح جبل على ارتفاع 1000 متر عن سطح البحر. كما اشتهر المرفق السياحي باحتضان تصوير فيلم المفتش الطاهر. لا يزال الفندق يعمل بطاقة استقبال محدودة، رغم ذلك يستقطب مئات الزوار يوميا في فصل الصيف، لأخذ صور تذكارية بشرفاته المطلة على البحر والمسبح، وحسب مدير الفندق كان من المنتظر أن يغلق قبل سنوات لإعادة ترميمه، لكن العملية مجمدة حد الساعة في انتظار رصد الغلاف المالي، بعد عمليتي ترميم سابقتين.
مستشفى لإعادة التأهيل بدرجة حرارة لا تتعدى العشرين صيفا مستشفى سرايدي المختص في إعادة التأهيل الوظيفي يعود إلى عهد الإستعمار، وقد حافظ على نشاطه بعد الاستقلال وبقي يستقبل إلى يومنا هذا المرضى المصابين بالشلل وعطل في الحركة، لإعادة تأهيل وظائف الأعضاء الحركية، حيث يعرف ضغطا رهيبا في السنوات الأخيرة حسب مصدر طبي بالمستشفى، لمحدودية طاقة الاستيعاب التي لا تتعدى 50 سريرا، وكثرة الحالات الطبية المستعجلة المحولة من مختلف ولايات الوطن، الناجمة عن حوادث المرور، ويُفضل جميع المرضى تحويلهم إلى مستشفى سرايدي، لكن الظفر بمكان هناك صعب جدا و يتطلب أشهر لحجز سرير. ويرجع كثرة الطلب عليه لموقعه الاستراتيجي كونه يتواجد بمرتفع مطل على البحر والمدينة، لا تتعدى درجة الحرارة فيه صيفا 20 درجة، حيث يجد المرضى أنفسهم مرتاحين لوجود الهواء النقي والمساحات الخضراء، وكذا التكفل الجيد. التليفريك الطريقة الوحيدة للتخلص من العزلة شتاء التليفريك إحدى وسائل النقل الحيوية من عاصمة الولاية باتجاه سرايدي، التي تتميز بتضاريس جبلية صعبة، تتطلب نصف ساعة من الزمن للوصول عبر السيارة أو الحافلة، ما جعله يعد وسيلة نقل مهمة للمواطنين في فصل الشتاء عند تساقط الثلوج. ولسوء حظ السكان التليفريك متوقف منذ سنتين، حيث تحركت المصالح المعنية مؤخرا لإصلاحه، و من المنتظر عودته إلى الخدمة بداية العام المقبل 2017. عانت التجمعات السكنية، و المداشر المترامية الأطراف ببلدية سرايدي من ويلات وجحيم العشرية السوداء، خاصة بمنطقة بوزيزي ما جعل أغلب العائلات تفر خوفا من التهديدات الإرهابية اليومية والطوق الأمني المحيط بها، حيث تركوا ديارهم وحقولهم ومواشيهم هروبا من بطش الجماعات المسلحة التي كانت تفرض عليهم تمويلها بالمؤونة وتزويدهم بالمعلومات للتحرك وتنفيذ اعتدائها ضد الأبرياء والعزل، مع التضييق الكبير لقوات الجيش الوطني الشعبي للحد من نشاطهم والقضاء عليهم في سنوات التسعينيات، حيث خلفت العشرية السوداء والأزمة الأمنية نتائج وخيمة على تنمية منطقة سرايدي الجبلية بعد أن كانت قطبا سياحيا ورياضيا بامتياز، ومع عودة الاستقرار وتحسن الوضع الأمني عادت أغلب العائلات إلى منازلها وهي تحظى الآن بدعم من الدولة و السلطات المحلية للبقاء في مداشرها . مركز تحضير المنتخبات الوطنية في مراحله الأخيرة تحول "الكرابس" سابقا الذي كان معهدا للتربية البدنية يتكفل بتكوين أساتذة التربية البدنية بشرق البلاد، إلى مركز تحضير للمنتخبات الوطنية تشرف أشغال ترميمه على الانتهاء، بعد أن مسته يد التخريب أثناء العشرية السوداء، و تحول إلى مركز عبور لعائلات من قرية بوزيزي التي هربت من بطش الجماعات الإرهابية. وأكد والي عنابة بشأنه أن أشغال إعادة التهيئة، ستستكمل بصفة رسمية نهاية العام الجاري، حيث طمأن الوالي الفرق التي تنتظر افتتاح هذا الفضاء الرياضي المهم، بأن الآجال المحددة تم ضبطها ولن تكون مجرد وعود، بالنظر إلى وتيرة سير الأشغال التي كانت تتوقف في كل مرة لأسباب مختلفة، علما وأن وزير الشباب والرياضية السابق محمد تهمي شدد خلال معاينته للمركز الرياضي في 10 سبتمبر 2013، على تسليم المشروع في سبتمبر 2014، ورفض حينها إعطاء سنتين إضافيتين لاستكمال أشغال التهيئة، لكن وتيرة الأشغال بقيت متباطئة. وأوضح شرفة في آخر لقاء مع وسائل الإعلام، بأن جميع المرافق تقريبا مكتملة، و يجري حاليا تهيئة ملعبي كرة القدم، أحدهما معشوشب طبيعيا والآخر اصطناعي، ليكون المركز جاهزا لاستقبال الفرق الوطنية والمنتخبات في تحضيراتها للمرحلة الشتوية للموسم الكروي 2016/2017، لتعود الروح إلى هذا الفضاء الرياضي الذي يقع ببلدية سرايدي مركز في مرتفع جبلي مطل على البحر. و بلغ الغلاف المالي الإجمالي لإعادة تهيئة المركز مبلغ 150 مليار سنتيم، وقد شملت الأشغال إعادة الاعتبار للمسبح، و القاعة المتعددة الرياضات، والملاعب الملحقة، ويتربع مركز تحضير المنتخبات الوطنية، وهي التسمية الجديدة التي أطلقت عليه بعد أن كان يسمى سابقا المركز الجواري الرياضي "كرابس" على مساحة قدرها 7 هكتارات، وقد عرف مشروع إعادة التهيئة تأخرا كبيرا، انطلقت الأشغال به قبل 7 سنوات. ويأتي مشروع إعادة الاعتبار للمركز في إطار الإستراتيجية الوطنية التي تنتهجها الدولة لخلق فضاءات رياضية وفق المعايير المعمول بها دوليا، لدعم قطاع الشباب والرياضة وتوفير الإمكانيات اللازمة لمختلف الفرق الرياضية، و سيكون المركز مكسبا للرياضة الجزائرية لوقف هجرة الفرق الوطنية نحو الخارج لإجراء التربصات في فرنسا وتونس، هذه الأخيرة أصبحت الوجهة الأولى للفرق الوطنية، للقيام بتحضيراتها بمنطقة عين الدراهم في فترة الراحة الشتوية والصيفية، لما توفره من خدمات جيدة وبأسعار معقولة . ويلح رؤساء الفرق الوطنية الناشطة في الأقسام الممتازة، على ضرورة الإسراع في إنهاء الأشغال بهذا المركز، ليوفر عليهم عناء التنقل إلى الخارج لإجراء التربص، والتخفيف من عبئ التكاليف التي تثقل كاهل خزينة الفرق مع شح مصادر التمويل . وقد شدد والي عنابة في زيارته الأخيرة منذ أكثر من 8 أشهر لبلدية سرايدي على ضرورة استكمال انجاز المركز الطبي للتكفل بمرضى الربو في منطقة بوزيزي، الذي انطلقت به الأشغال سنة 2006، دون أن يسلم في آجاله المحددة، وأعطى شرفة تعليمات صارمة ليدخل الخدمة خلال العام الجاري. المركز انتهت به الأشغال الكبرى بنسبة 100 بالمائة وبقيت بعض الملاحق والتجهيزات، تنتظر التمويل من المصالح المعنية، وقد تم اختيار منطقة بوزيزي التي تتميز بجوها الطبيعي البارد الجاف الذي يساعد على علاج مرضى الربو. وقد اختارت السلطات الولائية انجاز هذا المرفق الصحي بوزيزي من أجل التشجيع على إعادة إعمار هذه المنطقة، التي شهدت نزوحا جماعيا لسكانها هروبا من جحيم العشرية السوداء، بسبب النشاط الكبير للجماعات الإرهابية التي اتخذت من غابات المنطقة معقلا لها. ووعد بمعالجة جميع النقائص المسجلة في سبيل ضمان لهم العيش الكريم.