جبال تاراراس تتحول إلى منتزه يجذب إليه السواح كنا في الرحلة 1740 من العاصمة إلى تلمسان على متن طائرة للخطوط الجوية الجزائرية، وقد تزاحمت في رأسي عدة أسئلة حول عاصمة الزيانيين التي سأزورها لأول مرة لانجاز بعض التحقيقات الصحفية.. كانت الطائرة تتهادى بنا فوق صفحة إسفنجية.. وقد تملكني شعور لم أفهم كنهه أخبرنا قائد الطائرة أن الرحلة لن تستغرق أكثر من ثلاثة أرباع الساعة حاولت أن استجمع بعض المعلومات التي يمكن أن تساعدني في جولتى في " جوهرة المغرب العربي" ولكن عبثا حاولت أن أتذكر ولو النزر القليل من المعلومات التي أسمع عنها.. وفي نفس الوقت كنت متشوقا لرؤية "هضبة لالة ستي"التي تعد شاهدا على التطور الاقتصادي والسياحي وما إليهما من إنجازات كبرى.. أعادني إلى جو الطائرة صوت المضيفة وهي تخبرنا بالوصول إلى عاصمة الثقافة الاسلامية التي رأيتها في وصف مؤلف النشيد الوطني الشاعر الجزائري الكبير مفدي زكريا الذي قال " تلمسان مهما أطلنا الطوافا إليك تلمسان ننهي المطافا" أغادير.. تلمسان القديمة على تلة صغيرة تنبسط تلمسان القديمة أو "أغادير" كما يسميها أهل المدينة، قلعة شامخة بأنفة وكبرياء تتصنت في سر على ما يجري بين أسوارها وكأن التاريخ يعود إلى الوراء. فندق " أغادير" الذي أقمنا فيه لم يكن بعيدا عن القلعة ولا حتى عن هضبة" لالة ستي" وهذا ما جعلنا نشعر بالإرتياح وبين القلعة والهضبة "المصعد الهوائي" الذي يسر لسكان المدينة مهمة الصعود إلى غاية بتي بيردرو "الحجل الصغير" الذي تحول إلى فضاء سياحي لا يمكن الاستغناء عن زيارته لاكتشاف معالمه ذات القيمة التاريخية الهامة، وهي واحة من الفخامة تخضع لتسيير بمعايير دولية. الصعود إلى لالة ستي على علو 800 متر نصحتنا المرشدة التي ترافقنا الآنسة أحلام تلمساني أن نأخذ المصعد الهوائي حتى نستمتع بجمال الطبيعة التي تتميز بها تلمسان حتى ولو أن الطريق المؤدي الى الهضبة هو الأخر لا يقل جمالا لأنه يشق الغابة حتى أعلى قمة جبال تراراس. كانت صورة تلمسان من "التيليفريك" مثل جوهرة تتلأ لأ بين خضرة الطبيعة ويلوح من بعيد حي بودغن الشعبي ببيوته المتلاصقة ولونها الأبيض وهو من الأحياء القديمة التي تعود إلى عهد الاستعمار وما يقال عن هذا الحي الذي عرف أثناء الثورة نشاطات كبيرة وبه ممر تحت الأرض يصل حتى المنصورة ولا يزال هذا الحي رمزا في ذاكرة المدينة عند الوصول إلى الهضبة يستقبلك " برج المنظار" لتعاود النزول إلى سفوح جبال (تراراس) عبر إطلالة من أعلى البرج بمنظار ثبت على عمود خصيصا للسواح الذين لا يعرفون تلمسان. ضريح لالة ستي يوجد الضريح على بعد أمتار قليلة من البرج وهو أحد المعالم الخمسة التي تحتويها الهضبة فالى جانب فندق الماريوت ومجمع التسلية والمركز التاريخي للولاية الخامسة، أقيم ضريح لالة ستي الذي تحول إلى مزار يؤمه الناس من كل حدب وصوب لسمعة هذه المرأة الصالحة التي يقال انها ولية جاءت من بغداد وهي بنت الشيخ عبد القادر الجيلاني وتعد أصغر أخواتها عاشت بتلمسان خلال القرنين ال 6 و7 ه الموافقين للقرنين 12 و13م كانت لها كرامات ونسجت حولها حكايات شعبيةعديدة دفنت في الهضبة التي كانت تتعبد فيها وبني بجانبها مسجد صغير وبيت للزوار وأصبحت تشكل كلها معلما تاريخيا. بينما يقول البعض أن لالة ستي هي شقيقة لالة مغنية التي كانت هي الأخرى ولية صالحة وتقو الاسطورة أن لالة مغنية كانت تنتظر شقيقتها للسفر معا إلى الحج إلا أن طارئا حدث منع ألتحاق لالة ستي بشقيقتها، وبعد طول انتظار ماتت لالة مغنية فأقيم لها هي الأخرى ضريح بمدينة مغنية، فأصبح بين المدينتين ارتباط عضوي يعطيه السكان بعدا روحيا لاسيما وأن المزارات لازالت تحتفظ بطقوسها القديمة تعبيرا عن احترام الأولياء الصالحين ومكانتهم وسط المجتمع، وهذا ما تدل عليه تسمية مجمع التسلية والترفيه الذي يستقبل آلاف الزوار يوميا من كل ولايات الوطن، وما ساعد في سهولة التنقل إلى تلمسان الطريق السيار شرق غرب زوار الهضبة يجدون كل ما يروقهم حيث يمضون يوما ممتعا بين المرافق التي تضمها، ففي مركز الألعاب والتسلية يجد الكبار والصغار ضالتهم بين المركبات الكهربائية وانتشار المقاهي والمطاعم، وتجد الوافد في من كل أنحاء الوطن وترقيم السيارات والحافلات من ولايات الشرق والوسط وحتى من أقصى الجنوب. وينتظر تدعيم هذا المجمع الفخم افتتاح فندق الماريوت ذو النجوم الخمسة الذي قيل لنا أنه سيباشر نشاطه في الشهر المقبل، وحسب مصدر من الفندق أن هذا الفندق الذي يطلق عليه إسم "رونيسون" تيمنا بحركة النهضة التي تعرفها الجزائر، فهو يتربع على 8 هكتارات يحتوي على 280 غرفة، وقد انطلقت الأشغال به سنة 2009 تحت إشراف شركة استثمارية وطنية، وحتى الآن لا يسمح للزوار دخول هذا الفندق حيث يكتفي الفضوليون بمشاهدة ورشاته من وراء السياج، وقد أضاف للهضبة منظرا بانوراميا لا يمكن مصادفته إلا في المنتجعات الراقية. غناء وموسيقى من طبوع الحوزي والمغربي ترافق زوار هضبة لالة ستي فرقة محلية تطوع أصحابها لإدخال البهجةعلى القلوب التي قطعت أميالا للوصول إلى هذا المكان، يقول رئيس هذه الفرقة السيد هادف محمد أنه يقطع يوميا مع أعضاء فرقته مسافة 12 كلم لأجل إسعاد ضيوف تلمسان بالموسيقى والأغاني على إيقاع الحوزي والراي والمغربي، وأضاف أنه يجد راحته عندما يرى الناس منبسطين بما يقدمه من أغاني هذه الفرقة لا تتوقف عن أداء الألحان لإضفاء الحيوية والنشاط داخل الحضيرة حيث تجد الناس ملتفين مجموعات مجموعات وهو ما يزيد من حماس أعضاء الفرقة الذين يتجندون بالاتهم التقليدية التي هي عبارة عن دف وناي، حيث يتجاوب الناس مع هذه الفرقة بكل جوارحهم لأنها تقدم إيقاعات وطبوع تراثية تعبر عن عادات وتقاليد أهل المنطقة كالحوزي والغرناطي والمغربي. إن فرقة لالة ستي كما يحلو لأعضائها تسميتها تخلق الفرجة وتضفي نكهة على المكان حيث لا يشعر الزائر بالملل وهو يتجول بين مرافق هذا المنتجع السحري غابة بتي بيردرو.. روعة المكان وذكريات الماضي هي غابة تحيط بهضبة لالة ستي، كانت في عهد الإستعمار مصيف للكولون الذين يقصدونه لأصطياد الحجل الصغير، وأستغلها الفرنسيون كمعتقل وبقيت الآن تحافظ على طابعها التاريخي، حيث يقصدها زوار الهضبة لمشاهدة الزنزانات التي أقامها الإستعمار. عندما نخرج من المنتجع ونترك وراءنا صخب المرافق السياحية تحتوينا الغابة وبينها تنتشر الزنزنات بآثارها التي ترمز إلى الفترة القائمة من العهد الإستعماري، وقد حرصت السلطات المحلية على إيلاء المكان كل العناية ليبقى شاهدا أمام الأجيال على ما أقترفه الإستعمار من جرائم في حق الشعب الجزائري وتم توثيق هذا المشهد بالصور التي لا تفارق المخيلة.. وعندما يتوغل الزائر في عمق غابة «بتي بيردرو» يحس أن شيئا ما كان يحصل في هذه الغابة من على سفوح جبال تراراس. هضبة لالة ستي تختصر لك الطريق لدخول التاريخ فتعرج على المركز التاريخي للولاية الخامسة ما يشير إلى دقة ترتيب محتويات المكان ذوات وجه الثلاثة (التاريخ والسياحة، والعمق الروحي) ليس هناك موقع أفضل من هضبة لالة ستي من رؤية تلمسان والتمتع بجمالها حيث يوفر برج المنظار صور بديعة للمدينة المترامية الأطراف على مساحة تقارب 10 كلمترات ويصطف الناس في أعلى البرج للظفر بلحظات شيقة، يتدفق الزوار بالمئات على البرج ولا تتوقف الحركة عبر طوابقة الثلاثة طيلة اليوم حيث يعرف حركة دؤوبة بين الصعود والنزول وقد تساءلنا عما إذا كان هذا الإقبال مرتبط بتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، فقيل لنا أن المدينة تعرف منذ سنوات أزدهارا في كل المجالات وهذا ما ساهم في انتعاش السياحة لما تملكه من مؤهلات في الكون السياحي الذي سيتقطب الناس من كل أنحاء الوطن وحتى من خارجه وأصبحت هضبة لالة ستي أكثر المواقع أستقطابا للناس لأنها ببساطة تجمع عدة مرافق وسط ديكور طبيعي سامر، وقد شاهدنا طوابير السيارات تتدفق على الهضبة وهي صورة تتكرر كل يوم تلمسان تتوفر على مساهد وشواهد تاريخية هامة جعلتها متحفا مفتوحا تتلاقح فيه الإبداعات وهي بهضبتها تزداد رونقا وجمالا، والزائر لها لا يحس بالملل حتى ولو يقضي أياما لأنها تزخر بمناظر سحرية تجمعت على سفوح جبال تراراس المثيرة للاعجاب التي تزينها أشجار الكروم والزيتون والأرز وهو ما يجعل السواح أكثر شوق لمتابعة يوميات الهضبة بشموعها المتلألاة وسط طبيعة عذراء وأجواء عطرية تنبع من تخوم الجبال المحيطة بعاصمة الزيانيين. في المساء عندما يبدأ المغيب تشرع قوافل الزوار في مغادرة المكان ويعرف المصعد الهوائي (تيليفيريك) إقبالا كبيرا بينما تشهد طوابير السيارات والحافلات على أمتداد الطريق الجبلي ويستمر المشهد لبضعة ساعات لكثرة الزوار، واللافت للنظر أن المشاهد تتكرر يوميا، حيث لم تعد الزيارة مرتبطة بأيام العطل أو نهاية الأسبوع، قيل لنا أن هضبة لالة ستى أصبحت محطة سياحية يقصدها يوميا الآلاف من الزوار من كل جهات الوطن وقد أكتسبت شهرة واسعة شرقا وغربا وحتى أقصى الصحراء حيث تشىاهد ترقيم كل الولايات. عبد الرحيم مرزوق