بوذراع صالح.. حي قريب من المدينة بعيد عن التمدن! لم يشفع لحي بوذراع صالح قُربه من وسط مدينة قسنطينة و وقوعه بمحاذاة أحد أهم الطرق الوطنية، في رفع الغبن عن سكانه، إذ لا تزال مظاهر التدهور ملازمة لشوارعه الضيقة و مبانيه المتهالكة، دون أن يحظى بمشاريع تهيئة و تجديد لمختلف المرافق الضرورية، على غرار ما شهدته أحياء قريبة، ليبقى قاطنو «لاسيتي البير» يعيشون على أمل التفاتة من السلطات المحلية لانتشالهم من المشاكل التي يعيشونها يوميا. روبورتاج: عبد الله بودبابة على مرمى حجر من وسط مدينة قسنطينة و على مسافة لا تزيد عن 5 كلم عن مقر ديوان الوالي، تتخندق مئات المباني المنجزة بطرق فوضوية و غير منظمة فوق أراض ذات طابع فلاحي، استفادت منها بعض العائلات أيام الثورة الزراعية، على غرار عائلتي «مزيان» و «بن الشرقي»، و يعرف الحي ب «البير» نسبة إلى البئر، لكونه يقع على أرض منخفضة كثيرا مقارنة بالأحياء المجاورة له، و هي بوالصوف، الشهداء، السيلوك، تحصيص الإخوة عرفة و بن الشرقي. و يعد حي بوذراع صالح أحد أقدم الأحياء بولاية قسنطينة، حيث تعود نشأته لسنوات ثورة التحرير حين كان مكانا يقصده المجاهدون للاختباء بالأكواخ القصديرية هروبا من ملاحقات الجيش الفرنسي، كما أنه كان يعتبر منطقة عبور للمجندين في جيش التحرير قبل توجههم إلى الجبال المجاورة، و مع مرور السنوات أخذ الحي في الاتساع أكثر فأكثر، لتتسارع الوتيرة سنوات ثمانينيات و تسعينيات القرن الماضي، تزامنا مع تفاقم أزمة السكن، ليتحوّل معها الحي إلى قبلة لعائلات ذات الدخل المتوسط و الضعيف و القادمة من مناطق مجاورة بحثا عن مأوى لأبنائها أو هروبا من نقص الأمن بعدة قرى تابعة للولايات الشمالية، على غرار الدوائر و البلديات النائية بولايتي سكيكدة و جيجل، و هو ما خلق نسيجا اجتماعيا متنوعا انصهر مع مرور السنوات. و جراء غياب آليات للرقابة في محاربة البناء الفوضوي خلال تلك السنوات، أضحى الحي أحد أكبر التجمعات السكانية بولاية قسنطينة، دون أن ترافقه السلطات المحلية بهياكل خدماتية تتناسب مع مستوى النمو الديموغرافي، حيث انحصرت مجمل المشاريع في مؤسسات تربوية لفائدة تلاميذ الطورين الابتدائي و المتوسط، إلى جانب مقر للمندوبية البلدية و آخر للأمن الوطني، و كذا مستشفى عبد الحفيظ بوجمعة، و عيادة متعددة الخدمات لا تقدم سوى خدمات بسيطة و جد محدودة لا تلبي حاجيات السكان. تلاميذ مهددون يوميافي منحدر الموت! و تعتبر نقطة الدوران بحي بوذراع صالح على حافة الطريق الوطني رقم 27، المدخل الرئيس بالحي لمئات العائلات رغم خطورتها الكبيرة، كما أن كل من يذكر اسم حي بوذراع صالح لا بد له من ذكر «منحدر الموت» الذي حصد أرواح مئات الضحايا قبل سنوات و لا تزال سمعته السيئة على كل لسان، إذ يشهد حوادث مرور تهدد حياة السكان و أبناءهم، دون أن تفلح النداءات الكثيرة في إيجاد حلول تقنية تمكن العائلات من اجتياز هذا المحور بسلام، كما أن طلبات انجاز ممر علوي لم تجد آذانا صاغية، بالرغم من أنه مطلب أساسي لا يزال السكان متمسكين به. و أمام هذا الوضع، يبقى التلاميذ المتمدرسون بمتوسطة بوذراع صالح و مدرسة فضيل الورتيلاني، مهددين أربع مرات يوميا بالوقوع كضحايا لهذا الطريق الوطني، الذي تمر به مئات المركبات يوميا، خاصة و أنه المعبر الثاني بعد الطريق السيار في ربط الولايات الداخلية بالولايات الشمالية، فيما يجد أصحاب المركبات أيضا صعوبات كثيرة في اجتياز الطريق الوطني رقم 27 من أجل الدخول إلى الحي، حيث تعتبر هذه العملية أصعب على الإطلاق بمدينة قسنطينة، و تتطلب من صاحبها مهارة عالية في السياقة و تعودا. و لدى دخول بوذراع صالح، تصادفك بعض المحلات الصغيرة على الجهة اليسرى من الطريق، فيما لا تزال الجهة اليمنى قطعة أرضية متنازع عليها حوّلت مؤخرا إلى حظيرة لركن المركبات، و خلفها تقع متوسطة البير الجديدة بالرغم من أن اسمها لا يعكس الحالة التي هي عليها، فهي منجزة على طريقة البناء الجاهز الذي تجاوز عمره الافتراضي، حيث تهدد مادة «الأميونت» حياة مئات التلاميذ سنويا، دون أن تضع الولاية حدا لهذه المؤسسة رغم اتخاذ قرارات في هذا الخصوص. كما تجاور متوسطة البير نقطة لجمع القمامة المنزلية موجهة لفائدة أكبر عدد من سكان الحي، و لم تفلح جميع محاولات بلدية قسنطينة في إيجاد حل يُمكّن من ضمان مكان نظيف، إذا لم يتم ضبط موعد محدد لجمع النفايات، فيما لا يحترم العديد من المواطنين أوقات رمي القمامة، و هو ما شوّه المنظر العام، وسط انبعاث لروائح كريهة طوال اليوم، ما يؤثر على صحة السكان و التلاميذ المتمدرسين غير بعيد عن المكان. سوق الحي الأكثر شهرة بالمدينة أما بالجهة العلوية للحي و بالضبط فوق محطة البنزين، يقع السوق الأكثر شهرة بين الأسواق غير المنظمة بولاية قسنطينة، و الذي يُعدّ المكان المفضل لنصف سكان المدينة من أجل التسوق، سيما و أنه يتوفر على مساحة واسعة تمكن أصحاب المركبات من ركن سياراتهم، كما أن موقعه على حافة الطريق الوطني رقم 27 زاد من شهرته، و الملاحظ بالسوق، أن أسعار الخضر والفواكه جد معقولة بالمقارنة مع أسواق أخرى، حيث استطاع التجار بهذا الحي جذب العائلات ذات الدخل الضعيف و المحدود و التي تتنقل إليه خصيصا لاقتناء ما يلزمها، و على الرغم من أن السلطات برمجت عمليات كثيرة لإزالته، غير أنه يعود للظهور في كل مرة، كما أن بقاءه عجّل في هجر سوق حي الشهداء القريب. و بالإضافة إلى مقر الأمن الحضري التاسع و المندوبية البلدية التي لا توفر سوى خدمات الحالة المدنية للمواطنين، في ظل غياب شبه تام لمصالحها، يشهد الحي مشاكل كثيرة أولها غياب التهيئة، إذ لا توجد بحي بوذراع صالح أرصفة مُهيأة أو طرق معبدة وفقا للمعايير المعمول بها، و هو ما دفع ببعض العائلات إلى القيام بحملات لتهيئة الطرقات من مالها الخاص، حيث يستعمل المواطنون ممرات صُبّ عليها الاسمنت في محاولة لجعلها سهلة، فيما يُعدّ تعبيد الطرقات حلما لدى السكان و مشروعا يعتقد الكثيرون أنه لن يتحقق أبدا، أما الشوارع الأكثر حظا، فتعود آخر عملية تعبيد بها لأكثر من 20 سنة تقريبا، و أغلبها لم تصمد أمام السنوات الطويلة. شبكة المياه الصالحة للشرب تعرف هي الأخرى اهتراء و تدهورا كبيرا، حيث لا يكاد يخلو شارع من التسربات المائية، كما أن أغلب الشبكات الموجودة أنشأها السكان بطرق عشوائية و بعضها يمكن رؤيته على سطح الأرض بسهولة، أما النقطة الأكثر تعقيدا، فتقع على بعد أمتار قليلة عن مقر محطة الضخ لمؤسسة سياكو بحي بوذراع صالح، أين توجد إحدى أكثر النقاط السوداء و التي لا تتوقف بها التسربات نهائيا، و هو ما تسبب في انهيار للطريق بسبب انجراف التربة أسفله. و بخصوص مشروع 100 محل بكل بلدية، فقد تحول حوالي 40 محلا بحي بوذراع صالح إلى مأوى لبعض المنحرفين و متعاطي المخدرات، كما أن كافة المحلات خربت عن آخرها و تم الاستيلاء على نوافذها و أبوابها، و لم يتبق منها إلا جدران مخربة و وسخة زادت الحي تشويها، حيث لا ينشط بها سوى حرفيان، ما جعل السكان يطالبون تدخل عاجل للسلطات، من أجل إعادة تهيئتها و منحها للمستفيدين، أو هدمها حتى لا تستغل في نشاطات مشبوهة. شبان يبحثون عن ملاعب جوارية أما الملاعب الترابية التي كان الحي يشتهر بها في السنوات الماضية، فقد اختفت، و أضحى الشباب في رحلة البحث عن أماكن للترفيه، خصوصا بعد أن تعثرت عملية إعادة تهيئة الملعب البلدي المعروف باسم «العمارنة» و كذا الملعب المحاذي لعمارة الشرطة، حيث خصصت بلدية قسنطينة في وقت سابق مبلغ 700 مليون سنتيم لوقف انزلاق التربة و إعادة وضع رمال على أرضية الملعبين، قبل أن تتوقف العملية سنة 2013 دون أن تستأنف، ليظهر نزاع على القطعتين الأرضيتين اللتين تحتضنان المنشأتين، فيما تعرضت مواد البناء للنهب من طرف مجهولين، و يعتبر الملعب الجواري الذي أنجزته مديرية الشبيبة و الرياضة، قبل أشهر و غير بعيد عن مقر المندوبية البلدية، غير كاف لاستيعاب الأعداد الكبيرة للشبان، و هو ما دفع بجمعية الحي لطلب تحويل السوق الجواري إلى قاعة رياضية، غير أن طلبها قوبل بالرفض من المجلس البلدي. و من بين المشاريع الفاشلة و التي استنزف خزينة البلدية أموالا كبيرة، هو السوق الجواري الذي خصصت له قطعة أرضية مكان شاليهات حي سوطراكو سابقا، و هو مكان بعيد عن السكان، حيث ظل هذا السوق مهجورا و تعرض لتخريب كبير رغم أنه لم يستغل أبدا، و كما أن موقعه المعزول جعله يتحوّل إلى مكان يحتمي بداخله متشردون و منحرفون. و غير بعيد عن السوق الجواري، تقع العيادة متعددة الخدمات التي لا يخدم موقعها الخارطة الصحية بالمدينة، سيما و أنها تكون خارج الخدمة في عطل نهاية الأسبوع و تتوقف عن العمل عند الساعة الرابعة مساء، ما يجعل المرضى مضطرين للتنقل سواء للمستشفى أو إلى عيادة حي فيلالي، كما أن موقعها البعيد جدا و المعزول يشكل خطرا على سلامة موظفيها.