بن الشرقي.. حي عملاق يتوسّع دون مرافق! يُعد بن الشرقي أحد أكبر الأحياء الشعبية التي توسّعت بشكل كبير خلال الأعوام الماضية بمدينة قسنطينة، و هو توسّع لم يقابله زيادة في عدد المرافق الخدماتية و الضرورية، ما جعل السكان يطالبون بفتح مقر للأمن و تعبيد الطرقات و بإنجاز فضاءات للعب و التسلية، بينما تعهّد الوالي كمال عباس في زيارة قادته إلى الحي أمس الأول، ببعث عدد من المشاريع التنموية و دعا السكان إلى تشكيل لجنة تساعد في الحد من البناء الفوضوي. روبورتاج: عبد الله بودبابة تنتشر بحي بن الشرقي المتمركز أسفل منحدر جبلي، المئات من المباني التي أنجزت بشكل فوضوي، حي يقع الكثير منها فوق قطع أرضية ذات تربة هشّة، بما يهدد بسقوطها في أية لحظة، خصوصا ما تعلق بالسكنات المبنيّة على مشارف مجرى الوادي، و قد نتج ذلك عن التوسع الكبير الذي شهده هذا التجمع و كانت ذروته في سنوات التسعينيات، بسبب أزمة السكن و العشرية السوداء. و تظهر جليا الطريقة الفوضوية التي أنجز بها حي بهذا الحجم، في توفره على مدخل وحيد عبر الطريق الوطني رقم 79 الرابط بين قسنطينة و ولاية ميلة، فيما عرف بن الشرقي منذ فترة زمنية بسيطة، أشغالا لإنجاز خرسانة للاسمنت المسلح لوقف الإنزلاقات الناجمة عن العدد الهائل للمركبات التي تمر عبر المحور المذكور، خاصة ما تعلق بشاحنات الوزن الثقيل، و هو ما تطلب القيام بأشغال للحد من انزلاق التربة، و إنقاذ عدد من العائلات القاطنة بالجهة اليسرى من المدخل. محلات لا تنام و أسعار زهيدة تستقطب الزبائن و أكثر ما يلفت انتباه زائري بن الشرقي، الانتشار الكبير لباعة المأكولات الخفيفة بالمدخل، خاصة طاولات الشواء، و هو ما جعله قبلة للكثير من القسنطينيين سيما في الفترة الليلية، كون أغلب المحلات تستمر في العمل لساعات جد متأخرة و توفر للمتنقلين عبر الطريق السريع خدمات مقبولة، مقابل أسعار جد زهيدة مقارنة مع أحياء أخرى، كما تنتشر بنفس المكان متاجر بيع الأواني المنزلية و تحديدا بالمنطقة المعروفة باسم المالحة، حيث تعد قطبا لهذا النوع من التجارة و قبلة لقاطني أحياء كثيرة. و من خلال التوغل أكثر في الحي، يُلاحظ انتشار المحلات على حافتي الطريق و منازل يظهر أن أغلبها شيدت منذ فترة طويلة، فهي معروفة بين السكان أنها اللبنة الأولى لنشأة بن الشرقي، حيث يقطنها «السكان القدامى» الذين تحوّل بعضهم إلى ما يشبه الأعيان، و يشتهر هذا الشارع بالانتشار الكبير لمحلات بيع المواد الحديدية و الدهن و كذا المواد المستعملة في البناء كالاسمنت و الجبس، إلى جانب بيع المواد الكهربائية، و هي سلع تتميز بأسعارها الزهيدة و المعقولة جدا، و جعلت سكان قسنطينة يتنقلون إلى هذا المكان خصيصا من أجل اقتناء ما يلزمهم منها، فيما استطاع أغلب التجار تكوين قاعدة تجارية محترمة، رغم صغر الشارع و ضيقه، حيث ينحصر بين تلة يمر عبرها الطريق الوطني رقم 79 و مجرى الوادي. عند نهاية الطريق تجد جسرا صغير لا يتجاوز طوله ثلاثة أمتار، و تبلغ مع عبوره طريقا ملتوية تشق المباني المؤلفة أغلبها من طابق أرضي و طابقين، لكنها غالبا ما تكون غير مكتملة، و بين المنازل المشيدة بطرق تقليدية و غير مطابقة للمعايير، توجد ممرات ضيقة غير مُهيأة، حيث لا يتجاوز عرضها في الغالب مترا و نصف. لا بديل عن الحافلات المهترئة سوى «الفرود»! بعد سير حوالي 800 متر داخل الحي، تصادفك على اليمين الابتدائية و المتوسطة، بينما على يسار الطريق توجد محطة الحافلات العاملة على الخط الوحيد الرابط بن الحي و شارع قيطوني عبد المالك بوسط مدينة قسنطينة، حيث يتنقل السكان عبر حافلات أغلبها متهالكة من نوع «صوناكوم ك 66» مقابل مبلغ 20 دج للراكب، بينما لا تتوفر سيارات الأجرة إطلاقا، إذ يُعدّ وجود سيارة «طاكسي» هناك أمرا نادرا، و بالمقابل تعتبر مركبات «الفرود» الملاذ الوحيد للسكان و وسيلة التنقل الأكثر انتشارا. و يتطلّب التنقل من بن الشرقي إلى وسط المدينة، ركوب حافلة توصلك إلى وجهتك خلال ساعة تقريبا، بينما يلجأ البعض إلى السير على الأقدام إلى غاية مفترق الطرق بمدخل الحي المعروف بين السكان باسم «البراشما»، و ذلك من أجل الركوب في العدد القليل من سيارات الأجرة أو «الفرود»، نحو وسط المدينة و ذلك مقابل 35 دج للمقعد الواحد، و بزيادة تُقدّر بخمسة دنانير مقارنة بما هو معمول به في باقي الأحياء، أما الخيار الثالث، فيكون بركوب سيارة «الفرود» من أعالي الحي، مقابل 25 دج، لتوصلك إلى غاية مفترق الطرق بمنطقة بوذراع صالح، ثم الركوب مجددا في سيارة مقابل نفس المبلغ إلى وسط المدينة. و أمام أزمة النقل هذه، استغل سائقو «الفرود» الوضع لصالحهم، باستحداث ما يشبه المحطة على مستوى مفترق الطرق ببوذراع صالح، لنقل سكان بن الشرقي إلى غاية أعلى الحي. «النوامر».. الاستثناء الذي كسر صورة الحي الفوضوي! و باستثناء بعض المؤسسات التربوية و مقر الشرطة، لا يمكنك العثور على مرافق عمومية تتماشى مع العدد الكبير للسكان في بن الشرقي، بينما لا يزال مشروعا إنجاز فرع بلدي و مكتب بلدي، جارييْن، كما تأخذ المقبرة حيزا كبيرا من المساحة المتوفرة، في حين تنتشر محلات البقالة و بيع المواد الغذائية و المقاهي في كل مكان، و أغلبها بسيطة توفر المتطلبات الأساسية فقط، و حتى المخابز عددها محتشم و معظم ما يستهلكه السكان من الخبز يقتنونه من المتاجر. كما يشتهر الحي أيضا بالأسعار الزهيدة لتأجير السكنات، فمتوسط سعر كراء شقة مكونة من غرفتين لا يتعدى 10 آلاف دينار، و هو ثمن معقول جدا مقارنة مع أحياء قريبة، جعل بن الشرقي قبلة للكثير من العائلات التي تبحث عن سكن، حتى أن هناك من أطلق عليه تسمية «حي العرائس»، كون المتزوجين حديثا يجدون به منازلا بأثمان مقبولة، شأنهم في ذلك شأن بعض العائلات السورية الفارّة من الحرب في بلادها. و على النقيض من ذلك، يختلف المشهد غير المنظم عند بلوغ أعلى الحي، حيث تقابلك مبانٍ كبيرة و شوارع أوسع، و يتعلق الأمر بتحصيص منظم و منازل أنجزت على قطع أرضية بعقود موثقة، و هي المنطقة التي تُعرف باسم «النوامر» و أغلب قاطنيها من الطبقة المتوسطة التي استطاعت أن تكسر القاعدة و الصورة النمطية التي تشكلت عن حي بن الشرقي الفوضوي، من خلال تشييد مباني جميلة و منمقة. و في نهاية الحي الذي يبرز كصخرة إسمنتية أسفل غابة تلاشت أشجارها مع مرور السنين، شقت السلطات طريقا معبدا يربط حي بن الشرقي بمنطقة صالح باي «الغراب»، و هي الطريق التي تنتشر على حافتها مفرغة عشوائية للردوم و القمامة، يتم حرقها كل فترة ما يسبب تصاعد الدخان الذي أزعج السكان القريبين من المكان. الوالي يطمئن ببعث المشاريع المتوقفة بن الشرقي الذي يسيّر من طرف مندوبية بوذراع صالح ببلدية قسنطينة، منذ نشأته سنوات الثمانينيات، ظل بعيدا عن أعين السلطات، حيث لم يذكر السكان أن أي والٍ قام بزيارته، إلى غاية أول جولة تفقدية قام بها الوالي السابق و وزير الداخلية و الجماعات المحلية حاليا نور الدين بدوي، أين وقف على حجم المعاناة التي يعيشها قاطنوه، و هو ما جعله يقرر انجاز مقر للأمن و فرع بلدي إلى جانب مكتب بريد، قبل أن يجدد الوالي الحالي كمال عباس زيارته للحي من أجل إعطاء دفع أكبر للمشاريع التنموية. و قد وقف كمال عباس في زيارة لحي بن الشرقي، مساء أول أمس الأحد، على مشروع إنجاز فرع بلدي، الذي لا زال يراوح مكانه منذ سنة 2012، حيث توقفت الأشغال بالمبنى منذ فترة طويلة لعدم إتمام الإجراءات الإدارية، فيما أوضح الأمين العام لبلدية قسنطينة أن الملف تم إيداعه على مستوى المراقب المالي منذ أيام، شأنه في ذلك شأن مشروع انجاز مكتب بريد بالحي و الذي توقفت به الأشغال منذ فترة طويلة أيضا و بقي هيكلا مفتوحا، قال عدد من السكان إنه أصبح مأوى لبعض المنحرفين.و انتقد الوالي تأخر إتمام الإجراءات متوعدا مسؤولي البلدية باتخاذ إجراءات صارمة في حال استمرار التسيير على الحال الذي هو عليه، مصرحا أنه قدم كامل دعمه من أجل إعادة دفع عجلة التنمية و بعث جميع المشاريع، و ذلك من خلال الاجتماعات التي ترأسها قصد إيجاد حلول للعمليات المتوقفة و وضع الآليات القانونية المناسبة، معتبرا أن الوضع الذي آل إليه المشروعان المذكوران غير مقبول، سيما و أنه وجه تعليمات منذ حوالي شهرين بإتمام الإجراءات و السماح للمقاول باستئناف الأشغال. و أوضح الوالي أن ملفي المشروعين سيتم الانتهاء من تسويتهما في غضون أسبوع كأقصى تقدير، و هو ما من شأنه أن يمنح الضوء الأخضر للمقاول باستئناف الأشغال، مطالبا بإسراع في الانجاز مع احترام دفتر الشروط، و ذلك من أجل السماح لسكان الحي بالاستفادة من خدمات الفرعين المذكورين و حتى لا يتكبدون عناء التنقل إلى أحياء أخرى، مضيفا أنه سيعود من أجل الاطلاع على سير الأشغال. كما التقى الوالي مع عدد من سكان بن الشرقي من أجل الاستماع لانشغالاتهم، حيث عبّر المواطنون عن أملهم في تدشين مقر الأمن الحضري الذي انتهت به الأشغال منذ فترة طويلة، متسائلين عن سبب التأخر في دخوله الخدمة، سيما و أن التوسع الكبير الذي عرفه الحي في السنوات الأخيرة، زاد، حسبهم، من انتشار الجريمة، بينما أكد الوالي أن سبب التأخر في فتح مقر الأمن مرتبط بإنهاء بعض التفاصيل الصغيرة التي ما تزال عالقة، كما طمأن السكان أن موعد دخول مركز الشرطة الخدمة سيكون قريبا. الربط بالغاز و الملعب أولويات السكان زيادة على ذلك، فقد طالب شبان بالحي من الوالي انجاز ملعب لكرة القدم ذو عشب اصطناعي، على غرار ما هو موجود بكامل أحياء المدينة، مؤكدين وجود قطعة أرضية مناسبة لإقامة المشروع، ليوجه الوالي تعليمات لمسؤولي بلدية قسنطينة بالشروع في الإجراءات الإدارية لانجاز المشروع و الإسراع في الإعلان عن استشارة عبر الجرائد الوطنية لاختيار المقاول، كما أمر مديرية التعمير بالبلدية بهدم توسعة لمنزل أنجزت على جزء من القطعة الأرضية المعنية، في أسرع وقت. و طالب سكان حي بن الشرقي أيضا بإنجاز مشروع لتزويد 130 عائلة بغاز المدينة و إنهاء معاناتهم بالتنقل للحصول على قارورات غاز البوتان، و هو المشروع الذي وعد كمال عباس بإنجازه، بشرط تشكيل لجنة للحي تتعهد بمساعدة السلطات في وقف البناء الفوضوي بالحي و الذي أخذ أبعادا غير مقبولة، و هو الأمر الذي أبدى المواطنون استعدادا في تنفيذه في أقرب وقت، كما رفع مواطنون انشغال اهتراء الطرقات، ليؤكد الوالي أنه سيتم التكفل به في أقرب وقت، حيث ستكون الانطلاقة من الشوارع الكبرى، كما أمر مصالح البلدية بتمديد خط شاحنات نقل القمامة لشوارع أخرى بالحي.