كهمسات النسيم وأكثر الأنثى، رمز الخصوبة، العطاء، التضحية... هي الأرض أي "هامورث" أو المرأة أي "هامطوث"، فكلاهما مرادف للآخر... الأنثى هي نصف العالم الذي يرغب البعض في شيطنته أو محوه... رغم أنه الكائن الأكثر إنسانية من غيره. من منا لا يحب أمه، أخته، زوجته، ابنته...الوردة، الشجرة، الشمس، العين... من المجالات التي أبدعت فيها المرأة؛ مجال الأغنية، ومن قائمة الأسماء النسوية الجزائرية المطربة مركوندة أوراس. ترسل مركوندة أوراس أغانيها من غربتها الباريسية لجمهورها، هذه الأغاني من نوع نسمات الروابي أو "لهوا ن وذرار"، وتحاول الغوص في عمق وجدان الإنسان الجزائري والعودة به إلى زمن الهواء النقي. اختارت مريم مباركي، اسم قريتها "مركوندة" ببلدية تاكسلانت (باتنة) اسما فنيا، وبدأت الغناء بعد هجرتها إلى فرنسا؛ حيث تقيم وتدرّس علم النفس منذ سنين. يأتي ترتيب مركوندة ثانيا، من حيث الأصوات النسوية التي تؤدي الأغنية الشاوية العصرية، بعد الرائدة ديهيا، وقد أثرت هذه الأغنية بشريطين موسيقيين، يعدان من أجمل روائع الأغنية الشاوية، كل شريط منهما يختلف عن الآخر، من ناحية: الكلمات، المواضيع، الأداء، الموسيقى.. ويشتركان في الإتقان. في الشريط الثاني أدخلت الناي والبندير ومزجتهما بالآلات العصرية، وفي بعض الأغاني اعتمدت على صوتها فقط واستغنت عن الموسيقى في بعض المقاطع. في نفس الشريط – أي الثاني – تبدو آهات الحنين جلية بشكل لافت للانتباه، حنين إلى الطفولة – المكان. تجمع مركوندة أوراس، بين غناء الفرح وغناء الحزن، بين غناء الأمهات والجدات عند: صناعتهن للنسيج، الأفراح، لوعة الفراق، الدندنة أثناء تنويم الأطفال. صاحبة أغنية "هامورث إينو"، التي تتغنى فيها بجمال الجزائر، لم تغن في بلدها أبدا، والمرة الوحيدة التي ظهرت فيها على شاشة التلفزيون الجزائري، كانت من خلال برنامج "بدون تأشيرة" لسمير شعابنة. بمناسبة مرور 40 يوما على وفاة العالمة الأنثروبولوجية، الفرنسية الجنسية والجزائرية الاهتمام "جيرمان تيون"، اختيرت مركوندة للغناء في حفل ضخم نظّم بباريس. من يستمع لمركوندة أوراس يتذكر: رائحة الدواية، لمعان سنابل قمح المريولي، غسل الصوف في الأودية والينابيع، حمل النسوة لحزم الحطب على ظهورهن وترديدهن لأغاني الصبا، توزيع الطمينة والرمان عند افتتاح موسم الحرث، قيام العروس بجلب الماء في اليوم الثاني من زواجها، اللعب برمال الوادي بعد هدوء الحملة، انتعال الحذاء المصنوع من الحلفاء، السهر على نور "الكانكي" أي الفانوس، عطر القطران، ماء القربة البارد، مشاهدة صغار الأغنام والماعز لحظة ولادتها، تناول الكسرة بالدهان "السمن" و"اللّبأ" أي "آذغس" كما يسمى بالشاوية لمن استطاع إليه سبيلا، بلوغ قمة الجبل والإحساس بالاقتراب من السحاب... لقد فقدنا كل هذه الأشياء التي كانت تمنح الإنسان السعادة والطمأنينة، مركوندة تؤرخ لزمن الطفولة الجميل الذي طرده التمدن المزيف. مركوندة أوراس، تعرضت للنسيان في وطنها الجزائر وعادت، مؤخرا، عبر شبكة الانترنيت من خلال الفيلم القصير الذي أنجزه، المخرج الجزائري مالك بن سماعيل حولها.