يشهد وسط مدينة قسنطينة خلال ساعات الليل من شهر رمضان، ازدحاما مروريا شديدا وحركية كبيرة للعائلات والشباب إلى غاية الساعات الأولى من الصباح، حيث يتهافت المئات من المواطنين على المحلات والمراكز التجارية من أجل التسوق. اتجهنا بعد إفطار يوم الخميس الماضي إلى وسط مدينة قسنطينة، وبمجرد وصولنا إلى طريق الشالي وجدنا أنفسنا خلف طابور طويل من السيارات التي تسير ببطء شديد على طول المكان للوصول نحو جسر سيدي راشد والدخول إلى المدينة، حيث أوضح لنا سائق سيارة الأجرة بأن الأمر تسبب في مشكلة نقل على مستوى محطة الدقسي، بسبب رفض العديد من سائقي الأجرة التوجه نحو وسط المدينة تجنبا للوقوع في الاختناق المروري، الذي يعود إلى العدد الكبير من العائلات التي تقصد المعرض التجاري المنظم بمحاذاة السوق التضامنية التي أنشئت خلال شهر رمضان بمحاذاة محطة زعموش للحافلات. ولاحظنا بمحيط المعرض سيارات للشرطة لتنظيم العملية، في حين لم يجد أصحاب المركبات مكانا للركن إلا داخل المحطة التي تخصص في النهار للحافلات، حيث يضطرون إلى دفع مبلغ 50 دج مقابل الركن و20 دج للدخول إلى المعرض، الذي تزاحم على مربعاته المخصصة لبيع مختلف أنواع السلع، من ملابس و أواني و سجاجيد وحتى قطع الأثاث، المئات من العائلات وخصوصا النساء. أما بجسر سيدي راشد فيُسجل ازدحام مروري كبير منذ بداية شهر رمضان، لكن الأمر تفاقم خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة، ما استدعى حضور مصالح الأمن لتنظيم المرور بنقطة الدوران الواقعة بالمكان، كما لاحظنا على مستوى الجسر حركة كبيرة للمارة الذين كان بعضهم يتجه نحو وسط المدينة، في وقت يتجه فيه آخرون نحو خيمة المعرض التجاري. و بمجرد وصولنا إلى وسط المدينة، وجدنا الآلاف من المواطنين يسيرون في الأرصفة ويجلسون على حواف الطرقات، كما فتحت جميع المحلات التجارية أبوابها، بالإضافة إلى دور الثقافة التي نظمت بها أنشطة مختلفة. ولا يمكن التمييز بين النساء والذكور من حيث عدد المواطنين الذين يقصدون الشوارع خلال ساعات الليل، هربا من حرارة المنزل وللتخلص من جو المطبخ بحسب ما أخبرنا به بعض المواطنين، كما أن وجود العائلات يُسجل بكثرة، مع انتشار كبير لعناصر الأمن خصوصا بالمحاور الرئيسية التي تعرف الحركية الأكبر، على غرار شارع باب الوادي وشارع بلوزداد وطريق سطيف وشارع 19 جوان المعروف باسم شارع فرنسا. أما بساحة «دنيا الطرائف»، فقد تحول المكان إلى مقصد لأغلبية القادمين إلى وسط المدينة، من أجل التقاط الصور ومنح الأطفال فسحة للعب. لكن الحركية لم تغط على الكثير من السلوكيات السلبية، فبساحة دنيا الطرائف، قامت الجهات المعنية بإحاطة نفورات الماء بأحزمة لمنع الأطفال من اللهو بها، حيث لاحظنا بأن الكثير منهم حولوها إلى أداة للعب رغم ما يشكله عليهم ذلك من خطر. واشتكت بعض الفتيات من معاكسة الشباب لهن في الأماكن العمومية خلال الليل، خصوصا وأن بعض المراهقين أصبحوا يسيرون في مجموعات كبيرة ويقومون بالمعاكسة بشكل جماعي. كلاب خطيرة وسط المارة وأحزمة لمنع العوم بالنافورات كما عبر مواطنون آخرون عن انزعاجهم من أصحاب الكلاب الخطيرة، التي يصطحبونها معهم في جولات وسط تواجد عدد كبير من البشر ويطلقونها أحيانا بدون قيد رغم ما يشكله ذلك من خطر على الآخرين، في حين ذكر لنا سكان من وسط المدينة بأنهم باتوا يعانون من عدم التمكن من النوم بسبب الضجيج الكبير للمواطنين الذي يتواصل إلى ما بعد وقت السحور، فضلا عن حركة العائلات والمركبات التي تستمر إلى حوالي الساعة الثانية صباحا. وقد ذكر لنا قاطنون بأحياء أخرى تسجل حركية أقل، بأن طاولات لعب الدومينو والأوراق تسبب لهم إزعاجا كبيرا. ووجد بعض الشباب في توافد العائلات فرصة لكسب بعض المال، حيث أصبحوا يقومون بكراء سيارات كهربائية صغيرة مخصصة للأطفال على مستوى ساحة دنيا الطرائف مقابل مبالغ قليلة، في وقت يظل فيه التوافد الأكبر على محلات بيع الملابس ومحلات الإطعام السريع وبيع المثلجات. أما المقاهي فتعرف هي الأخرى إقبالا كبيرا، خصوصا بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح، حيث تعج بالمواطنين للجلوس وتبادل أطراف الحديث، وأحيانا من أجل متابعة مقابلات كرة القدم، فيما يتوجه آخرون إلى مقاهي الشيشة التي أصبحت هي الأخرى فضاء مفضلا للشباب، رغم أنها لا تزال تعتبر ثقافة دخيلة من طرف الكثيرين وما تزال محل انتقاد منهم. وعرف شهر رمضان من السنة الماضية نفس مظاهر الحياة الليلية، لكن المدينة عادت بعد ذلك إلى عادة النوم المبكر مباشرة في أول أيام العيد، فالحياة الليلية تظل ظاهرة مقتصرة على مناسبات معينة فقط، ولا يعرفها سكان عاصمة الشرق في باقي الفترات من العام، رغم الحديث المتكرر من السلطات والجمعيات وبعض الفاعلين عن ضرورة تنشيط عاصمة الولاية على الأقل خلال ساعات المساء، التي قد لا يجد فيها المواطن مكانا لتناول طعام العشاء أو للجلوس مع رفاقه، وهو ما يفسر إلى حد ما بروز مظاهر العشوائية في السهرات الرمضانية باعتبار أنها تُمثل استثناء.