تشكل النفايات أحد أكبر المشاكل البيئية التي تواجهها الجماعات المحلية والهيئات المشرفة على النظافة في بلادنا رغم الإنفاق العمومي الكبير في هذا المجال، حيث تحولت مراكز الردم التقني إلى مجرد مفارغ عمومية بعد أن تم إسقاط عامل إعادة التدوير وشابت عملية تسيير هذه المراكز عدة اختلالات. وزيرة البيئة والطاقات المتجددة أعلنت منذ أيام عن استعداد وزارتها للاستعانة بشركات أجنبية لتسيير مختلف المرافق التابعة لقطاع النفايات واعترفت الوزيرة بأن مراكز الدفن التقني لم تحقق هدف خلق صناعة مبنية على عنصر الرسكلة، ذلك أن نسبة تفوق 90 بالمائة كان مآلها الرمي، رغم أنه كان مخططا أن تدخل تلك المراكز 4 بالمائة فقط من النفايات، في حين تحول النسبة المتبقية صناعيا. هذا الخلل سيجعل تلك المنشآت التي بنيت بتقنيات عالمية مجرد مفارغ ضخمة تحتل مساحات كبيرة داخل المدن وفي أطرافها، وقد أقرت الوزارة الوصية أن العمر الافتراضي للمراكز سينتهي قبل 2030 ، وهو أجل خطط له على معطيات أساسها إعادة التدوير، لتجد السلطات نفسها في مواجهة أطنان من النفايات تدفن تحت الأرض وفقط. وإن كانت الأرقام تتحدث عن وجود 25 ألف مؤسسة للاسترجاع فإن الواقع يقول بأن الحصول على تلك النفايات يتم بطرق غير مقننة، حيث تجمع بشكل عشوائي بواسطة أصحاب شاحنات يجوبون الأحياء ويوظفون مراهقين وشباب للنبش في المزابل ليلا، لجمع قارورات البلاستيك وبقايا الورق والمعادن وأشياء أخرى تأخذ وجهة مجهولة، والأخطر من ذلك أن هناك منازل فتحت بها ورشات لإعادة صهر الألمونيوم والبلاستيك تسوق منتوجاتها بشكل سري. بينما كان الأجدر أن تجمع الأشياء القابلة للاسترجاع داخل مراكز الردم و تسوق من هناك ولما لا استغلال جزء منها في تلك الفضاءات الشاسعة والمجهزة بدل ما يجري داخل أحياء سكنية ووحدات تتغذى على نشاط غير مرخص. النفايات تعد اليوم ثروة بالنسبة لبعض الاقتصاديات التي أصبحت تنقب عن دول متقدمة في مجال إفراز المزابل التي تبقى دون فرز واستثمار ، وتعد الجزائر من الدول التي تحظى باهتمام شركات عالمية عبرت عن استعدادها لخلق قاعدة صناعية أساسها النفايات، وما أكثرها في مدننا. محاولات بسيطة قامت بها بعض الجمعيات لخلق ثقافة الفرز عند الرمي، بوضع حاويات خاصة بالقارورات البلاستيكية لم تصمد طويلا أمام ثقافة الرمي العشوائي، حتى أن الحاويات الصديقة للبيئة تراكمت بها النفايات وأصبحت نقاطا سوداء، فيما لا تزال المفارغ العشوائية تتشكل في مختلف النقاط في ظل غياب حس مدني. ونحن على أبواب انتخابات محلية لا يمكن أن نتجاهل فشل البلديات في تسيير الجانب البيئي رغم أن النظافة هي أبسط أدوار الجماعات المحلية، ولا نكاد نجد بلدية واحدة قادرة على التحكم في عملية رفع القمامة، والغريب أن هذا الجانب نادرا ما يكون حاضرا في الحملات الانتخابية رغم أن المترشح هو مواطن عادي يعيش في وسط لا يخلو من النفايات. 38 مليار دينار سنويا رقم تقول الغرفة الوطنية للصناعة والتجارة أنه يمكن أن يُحصّل في حال تحكمت الجزائر في مجال تدوير النفايات وخلقت قاعدة صناعية ستحل مشكلا بيئيا وتفتح باب مورد اقتصادي جديد يمكّن من تدوير ما تم تبذيره.