الإعدام لشخصين قتلا سائقا وأحرقا جثته لسرقة سيارته أصدرت محكمة الجنايات بمجلس قضاء قالمة أمس أحكاما تتراوح بين الاعدام و4 سنوات سجنا لمتهمين في جريمة قتل سائق وحرق جثته بغرض سرقة سيارته. حكم الإعدام صدر في حق المتهمين الرئيسيين "ب.أ" و "ب.م"، فيما أدين أربعة عناصر بأحكام تتراوح بين 4 و5 سنوات سجنا نافذا. و قد سقطت الشبكة الخطيرة في أيدي قوات الدرك و الشرطة بقالمة بعد استهدافها لعنصر من الحرس البلدي قبل 3 سنوات و نصف، عندما كان بمحطة المسافرين باب سكيكدة بمدينة قالمة مساء 17 أفريل 2014 على متن سيارة سياحية، كان يستعملها لنقل الأشخاص و الحصول على مداخيل إضافية، تسمح له بمواجهة متطلبات عائلته المكونة من الأب و الأم و الزوجة و أربعة أبناء و المقيمة بأحد الأحياء الشعبية بمدينة قالمة. الجناة اختاروا يوم الانتخابات الرئاسية لتنفيذ مخططهم في ذلك اليوم كان الناس و حتى الأجهزة الأمنية المختلفة منشغلة بالانتخابات الرئاسية، و خطط الفاعلان الرئيسيان (ب.م) و ( ب.أ) و هما شابان لا يتجاوزان الثلاثين سنة من العمر، للقيام بعملية سرقة في ذلك اليوم مستغلين الحدث الانتخابي الكبير، و اختارا ساعات المساء لتنفيذ الجريمة التي راح ضحيتها الحارس البلدي (ب.زهير) البالغ من العمر نحو 40 سنة في واحدة من أبشع جرائم القتل و التنكيل بالجثة و حرقها لطمس معالم الجريمة التي أثارت ردود فعل قوية بين السكان. في اليوم الأسود أدى زهير واجبه الانتخابي ثم توجه كالعادة إلى محطة باب سكيكدة الواقعة بالضاحية الغربية لمدينة قالمة، لنقل المواطنين إلى مختلف أحياء المدينة و القرى المجاورة لها، كانت شمس المغيب تتوارى في الأفق البعيد بسرعة عندما تقدم منه شابان أحدهما قصير القامة ضعيف البنية و الآخر قوي مفتول العضلات، كما قال شهود الواقعة الأليمة، و طلبا منه نقلهما إلى بلدية بني مزلين، الواقعة شرق مدينة قالمة، مقابل مبلغ من المال لا يتجاوز 400 دينار. الوجهة تغيرت من بني مزلين إلى الكرابيش وافق الضحية على العرض و ركب الشابان في السيارة، احدهما في المقعد الأمامي إلى جانب السائق و الآخر في المقعد الخلفي، و توجهت السيارة إلى بني مزلين عبر شوارع مدينة قالمة ثم مدينتي بلخير و بومهرة أحمد، و كان زهير يعرف طرقات و مسالك المنطقة جيدا، و لم يكن يدري أن زبائنه هذه المرة من المجرمين القتلة و سارقي السيارات، حتى عندما وصل إلى طريق بني مزلين و طلب منه تغيير الاتجاه عبر الطريق الوطني 20 نحو بوشقوف لم يراوده شك بأن نهايته قد اقتربت. كان المجرمان يبحثان عن مكان معزول لقتل الضحية، و لذا طلبا منه أن يأخذ طريق بوشقوف الذي تتخلله منعرجات و غابات كثيفة، و عندما وصلت السيارة إلى منطقة الكرابيش المعزولة طلبا منه التوقف بعض الوقت ففعل المسكين، و في هذه اللحظة انقض عليه أحد الجناة من الخلف و شده إلى مقعد السيارة و تولى الثاني مهمة قتله بطعنة واحدة في القلب كانت كافية لإزهاق روحه، تم التخلص من الجثة وسط غابة الكرابيش، ثم بدأت الاتصالات مع مجموعة أخرى كانت في برج بوعريريج، مهمتها شراء السيارات المسروقة. بينما كان الضحية يرقد جثة هامدة وسط غابة الكرابيش، كانت سيارته تشق طريقها بسرعة في تلك الليلة متجهة إلى برج بوعريريج، كغنيمة أخرى تصل إلى العصابة التي زرعت الرعب بين المواطنين بعدة ولايات من الوطن، وربما يكون ضحايا آخرين قد سقطوا بين أيدي عناصرها التي لا ترحم و لا تتردد في تصفية الضحايا و طمس معالم الجريمة. بيعت سيارة الضحية و هي من نوع داسيا لوغان سنة 2012 بمبلغ 16 مليون سنتيم، لتتولى عصابة أخرى التصرف فيها، و إدخال تعديلات عليها، و بيعها بمبلغ أكبر لتحقيق مزيد من الأرباح الملطخة بدماء الضحايا. طائرات للبحث عن الضحية عاد المتهمان الرئيسيان إلى قالمة، بينما كانت قوات الدرك و الشرطة تشن عمليات تمشيط واسعة بالغابات و المدن و القرى، بحثا عن الضحية باستعمال الكلاب المدربة و طائرات هليكوبتر، لكن دون جدوى، و تصاعدت موجة الاحتجاج بين السكان و أهالي الضحية للمطالبة بتكثيف البحث بعد أن تأكد الجميع بان زهير قد تعرض للاختطاف، و ربما يكون قد قتل كما حدث مع تاجر العملة الصعبة، و ضحايا آخرين قتلوا بوحشية في واحدة من أسوأ موجات العنف الدامي التي تعرفها ولاية قالمة في السنوات الأخيرة. كان المتهمان الرئيسيان يتابعان عمليات البحث بخوف شديد، و كلما اقتربت المروحيات و فرق البحث الراجلة من منطقة الكرابيش سكنهما الرعب، فقررا العودة إلى الموقع ليلا لحرق الجثة بعد أربعة أيام من عملية القتل. تحولت جثة زهير إلى رماد تذروه الرياح بين أشجار الزيتون و الضرو، و مرت أيام من البحث دون جدوى، و تسلل اليأس إلى فرق الدرك الوطني و الشرطة و أهالي الضحية و سكان المدينة الذي شاركوا في عمليات البحث المضنية. كلب و راعي غنم يكتشفان بقايا جثة أصيب الجميع باليأس و خيبة الأمل في العثور على زهير حيا أو ميتا، و اعتقد الكثير من الناس بان مصير زهير ربما سيظل مجهولا، كما كان مصير ضحايا آخرين ذهبوا ضحية الغدر و الإجرام الأعمى، بعدة مدن و قرى بولاية قالمة، و مازال الفاعلون طلقاء إلى اليوم، لكن إرادة الله كانت أقوى عندما تحرك راعي غنم و كلبه إلى موقع حرق الجثة وسط غابات الكرابيش الكثيفة، و كانت الصدمة عندما تصاعد نباح الكلب الوفي، معلنا عن وجود بقايا لحم بشري متفحم بعد 20 يوما من الجريمة البشعة التي حركت مشاعر الحيوان و دفعته إلى النباح بلا انقطاع. حضر المحققون إلى موقع الجثة المتفحمة التي لم تبق منها إلا بعض القطع السوداء، و تبين بأن زهير قد قتل و أحرقت جثته، و نزل الخبر كالصاعقة على العائلة و كل سكان قالمة الذين طالبوا بتوقيف الجناة و تطبيق حكم القصاص. حاول الجناة أن لا يتركوا أي دليل، لكنهم نسوا بأنه لا توجد جريمة مثالية، و هناك دائما خيط رفيع قد يكشف عن الجناة في نهاية المطاف، و كان هاتف الضحية، الذي استولى عليه الجناة، هو الخيط المتين هذه المرة، حيث كشف سجل المكالمات عن وجود صلة بين هاتف زهير و هواتف الجناة بقالمة و برج بوعريريج، و سقط عناصر المجموعة تباعا باستثناء واحد مازال في حالة فرار و يعتقد بأنه هو من استولى على السيارة التي تبقى محل بحث إلى اليوم. تضارب في التصريحات و تراجع عن الأقوال أمام القضاة أمام الهيئة الجنائية حاول المتهمان الرئيسيان، المقيمان بقالمة، تضليل القضاة بالتراجع عن التصريحات السابقة، و تبادل التهم في ما بينهما، و حمل كل واحد منهم مسؤولية قتل الضحية و حرق جثته إلى الآخر، بينما أنكرت مجموعة برج بوعريريج علمها بان السيارة المسروقة قد قتل صاحبها بقالمة، رغم وجود بقع دم بداخلها و حالة الارتباك التي كان عليها مرتكبا جريمة القتل بغابات الكرابيش عندما وصلا إلى برج بوعريريج. و قد واجه قضاة محكمة الجنايات المتهمين بدلائل مادية لا تقبل الشك، بينها سجل المكالمات الهاتفية بين أفراد المجموعة، و اختفاء سيارة الضحية، و تحليل بقايا الجثة، و اعترافات الفاعلين الرئيسيين عبر مراحل التحقيق، و شهادة الشهود الذين كانوا بمحطة باب سكيكدة في ذلك المساء الحزين و حضروا جلسة المحاكمة للإدلاء بشهادتهم بكل شجاعة. النيابة العامة أكدت على بشاعة الجريمة و أثرها المدمر على عائلة الضحية و المجتمع، و التمست تسليط عقوبة الإعدام في حق المتهمين الرئيسيين ( ب.أ ) و ب.م) و 20 سنة سجنا نافذا و غرامات مالية ثقيلة، في حق مجموعة برج بوعريريج التي اشترت السيارة المسروقة و رفضت الإبلاغ عن واحدة من الجرائم الكبرى التي ستظل عالقة بأذهان سكان قالمة و عائلة الضحية سنوات طويلة.