كثيرا ما ارتبطت الجوائز الأدبية العربية بالسياسة، وهناك عدد من الكُتّاب الذين رفضوا بعض الجوائز واعتذروا عن قبولها، بحجة أنّها «جوائز مُسيّسة» وأنّها لا تخرج من عباءة السياسة، أو لأنّ حكومات و جهات سياسية مُعينة هي الوصية عليها وعلى منحها. ومع كلّ مواعيد الجوائز العربيّة، نسمع هذا الكلام وغيره. فلماذا يا ترى هذه التُهم التي تملأ الأرجاء الثقافيّة العربيّة وتنتقص من مصداقية الجوائز العربيّة؟ وهل هذا حقا واقع وحال الجوائز العربية. أيضا هل يمكن أن تخرج الجوائز العربية من العباءات السياسية. ومتى يمكنها أن ترمي عنها هذه العباءات لتكون جوائز مُنزهة عن أي تبعية ووصمة سياسية، أم أنّها ستظل تحت هذه العباءات إذ لا بديل عنها في أفق الجوائز، كما ستظل السياسة لصيقة بها ما يؤكد ربّما أنّ جوائز الأدب والرّواية تحديدا لن تخرج من عباءة السياسة. إستطلاع/ نوّارة لحرش حول هذا الشأن «الجوائز العربية وعباءة السياسة»، يتحدث في ملف «كراس الثقافة» لهذا العدد، بعض الكُتاب الأدباء والنقاد من الجزائر ومن بلدان عربية مختلفة. أسماء كوّار/ كاتبة وناقدة وإعلامية جزائرية بعيدا عن المحاصصة السياسية والأيديولوجية الجوائز خطوة صحية للإبداع الحقيقي ظلت الجوائز الأدبية، منذ بداية القرن العشرين على الأقل، خصوصية ثقافية مُتمايزة في العالم العربي، ومع هذا البزوغ لم يتوقف أصحاب الشأن الثقافي، على مر السنين، عن انتقاد واسع النطاق لمختلف الجوائز وللأطراف المُؤسسة لها، والمبدأ الّذي وُجِدت من أجله وحتى الآلية التي تستعملها في الإعلان عن الجوائز. إلاّ أنّه، تظل هذه الجوائز، بالإجماع تشجيعًا للأدب والإبداع الجديد، وتظل ضرورة مُلحة إذا ما تمكنت من أن تتحرّر من التبعيات وتطورت خارج نطاق عباءة الولاءات والأيديولوجيات والعصبيات. ذكرت الأستاذة المُحاضرة في الأدب الفرنسي بجامعة باريس، «سيلفي دوكاس» في إصدارها الّذي عنوته: «الأدب، بأي ثمن؟ تاريخ الجوائز الأدبية»، أنّ «الجوائز الأدبية هي أداة تسويقية، تدفع إلى الكثير من الإصدارات الروائية (...) لكنّها تظل محكومة بتوجهات وطنية وإقليمية ودولية.» ورغم ما تثيره «سيلفي دوكاس»، فهي تعترف وحسب دراسة ميدانية على بعض الجوائز الأدبية الفرنسية، أنّ الجوائز عموما هي نظام صناعي بامتياز، يهدف إلى الترويج لأفضل وأحسن منتوج أدبي، وهو ما ينطبق على عالمنا العربي. (موت صغير، لمحمّد حسن علوان، أنموذجا). لكن أعتقد أيضا أنّ هذه الجوائز هي «عناصر دفاعية» للكاتب نفسه الّذي في كلّ الأحوال يظل يعيش على الهامش، خاصة في مجتمعنا العربي. إنّ الانفجار الّذي عُرف في وسائل الإعلام بكلّ أنواعه، جعل التنافس بين الأُطر الثقافية في مجالات الثقافة المُعاصرة يتجاوز الأساليب القديمة، ويُكرس لمناهج جديدة للفعل الثقافي. ولم يبق الأدب بمنأى عن تلك القفزات التي فتحت الأفق نحو الوصول إلى التكريس الثقافي من خلال التنافس بطريقة غير مسبوقة خارج الأشكال التقليدية للشرعية. ولا أعتقد أنّه مهما كانت حُمى الجوائز الأدبية في العالم والعالم العربي بشكل خاص مشدودة بحبل سري سياسي، إلاّ أنّه ليس هناك في اعتقادي وسيلة أكثر شرعية لتحفيز الإبداع من الجائزة الأدبية، وعلى رأي مديرة النشر السابقة لدار غاليمار الفرنسية تيريزا كريميسي «أنّ الغليان الموسمي (وتقصد به وقت إعلان النوبل والغونكور والغنودو والبوكر البريطانية)، هو فعل مألوف في المشهد الثقافي الأوروبي وهذا الغليان هو في صالح الإصدارات في حد ذاتها، بعيدا عن الإملاءات والتخوينات وأيضا بعض التوجهات».ولا يشذ المشهد التكريمي بالجوائز في العالم العربي عن هذه القاعدة، فالتوجهات التي تتحدث عنها هنا تيريزا كريميسي، تحكمها عوامل كثيرة من بينها أحيانا موضة الموسم مثلما حدث عندما حاز ماتياس إينار في 2015 على جائزة الغونكور (البوصلة)، حيث كانت الموضة الثقافية المشرقية تفرض على الواقع، واتجاه نحو عالم عربي أو مشرق عربي يسوده شرخ كبير والّذي اعتبر يومها «توجها سياسيا» بمعنى مصالحة مع العالم العربي، أملته أكاديمية الغونكور على لجنة القراءة أو الحُكام. ونفس الشيء، انطبق على جوائز الدوائر العربية، حيثما وُجِدت والتي يتنافس عليها المبدعون العرب في كلّ التخصصات. وسواء كانت «جوائز» تهتم بتتويج الذين قضوا عمرهم في خدمة الفكر والأدب والشِّعر على غرار جائزة العويس، نوبل العرب، أو جائزة الشيخ زايد التي استطاعت أن ترسم لها طريقا واضحا، فإنّه بقيت بعض الجوائز مرتبطة أساسا بتيار القومية العربية كجائزة نجيب محفوظ التي تُكرم شخصية أدبية فائزة من داخل مصر وأخرى عربية. وظلت ثالثة محسوبة على تيار المحافظين كجائزة الملك فيصل العالمية.لقد أصبح مُبتغى أي كاتب أن يبلغ ركح تلك الجوائز وأنّ أي كاتب لم يُتوّج على عرش الجوائز لن يكون من قوافل الكُتّاب المكرسين، بل أصبح هناك من الكُتّاب من يكتب تحت الطلب للجوائز، وهذا لا يعني أنّ جودة النتاج الروائي تُقاس بقيمة الجوائز ولكن غالبا ما تحوّل هذا «الطلب» إلى هاجس لبعض الكُتّاب، خاصة الشباب منهم، بل وفتح أبواب سوق الجوائز على مصراعيه للمنافسة. جاءت البوكر في نسختها العربية لتُكرس الرّواية العربية وتجعل منها «البوكر» العربي، واستطاعت أن تجعل منها قطب الرحى للكُتّاب العرب، ورغم ما قِيل ويُقال عنها، ظلّت البوكر الجائزة «الحلم» للكُتّاب العرب، وعلى مدار اختياراتها إلى مراحل الوصول إلى القائمة القصيرة، والمُتوّج النهائي، أُثيرت الكثير من الشكوك حول آلية اختيار العمل المُتوّج، وأنّ الإملاءات السياسية الآنية تُوجِه اختيار الفائز، رغم أنّ هناك أسماء تُوجِت في البوكر وكانت تستحق الفوز. ونفس الانتقادات طالت جوائز أخرى، كجائزة كتارا للرّواية العربية، الجائزة الأكثر سخاءً في العالم العربي، حيث يفوز العمل الروائي المنشور ب60 ألف دولار وبنحو ربع مليون دولار للعمل الّذي يُحوّل إلى عمل سينمائي، في الطبعتين الأوليتين.إنّ نقد الجوائز العربية وإلباسها عباءات الولاءات والتوجُهات السياسية، لم يثنِ تلك الجوائز على أن تظلّ هدفا لكلّ نِتاج أدبي. لم يشفع العمل الأدبي المُتوّج والّذي نال في كثير من الأحيان رضا النُقاد، لم يشفع للجوائز أن تُوسم بالمصداقية وراحت التُهم تُناور على نتائجها وتُلبسها جميع أنواع التحريفات، والكولسة غير المشروعة، والمُحاصصة السياسية والإقليمية والانتماء لتيارات دون أخرى. ورغم ما يُقال حول «تسييس» بعض الجوائز إلاّ أنّ الضجة التي تُثار حول هذا الأمر، غالبا ما يقودها الإعلام بشتى أشكاله، والّذي بدوره تُسيره بعض الهيئات المُنظمة من أجل إقناع الحُكام وتكريس أدبي يتجه لصالح مُرشح معين، دون أن ينتبه الحُكام أنّهم وقعوا في فخ التشهير لنِتاج فكري أو أدبي لا يرقى للفوز.تظلّ الجوائز الأدبية خطوة صحية للإبداع الحقيقي، وحتى يتحرّر العقل العربي من التبعات والعصبيات، فهي حتمية وضرورة في دوائر المشهد الثقافي العربي، بعيدا عن خضوعها للعصبيات والأيديولوجيات والسياسة. مخلوف عامر/ كاتب وناقد جزائري من المستبعد وعلى أمد طويل أنْ تخرج الجوائز العربية من عباءة السياسة إنّ هذا الموضوع يقود مباشرة إلى علاقة السياسي بالأدبي، فلا يُنتظر من الأديب أن يجهر بموقفه السياسي في إبداعه، فذلك مستهْجَنٌ بحكم خصوصية الفن الأدبي ذاته، بل المطلوب أن ينتشل عمله- إنْ كان إبداعاً حقاً- من فجاجة التصريح ليرتقي به إلى جمال المداورة والتلميح. فأمَّا الجوائز فيمكن النظر إليها من زاويتيْن: الأولى، تتعلَّق بطبيعة الأنظمة العربية، فهي إمَّا قبلية عشائرية أو مَلَكية أو هجينة وفي كلّ الحالات، فإنَّ القاسم المشترك بيْنها، أنَّها لا تملك مشروعاً للمستقبل محدَّد المعالم، ناهيك عن أنْ يكون هذا المشروع ديمقراطياً حضارياً. وقد كرَّست هذه الظاهرةَ بلدانُ الخليج النفطية بما تُنْفقه من مبالغ مُهمَّة على جوائز لم تقتصر فيها على كُتَّاب الخليج، بل امتدَّت لتشمل سائر البلدان العربية، مِمَّا لا يعيبها في شيْء، غير أنّ النظام السياسي بطبيعته يسعى إلى استقطاب ما أمكن من المثقفين لتجميل صورته وإنْ أسهم ظرْفياً في تنشيط الفعل الثقافي والأدبي. فأمَّا الزاوية الثانية، فتتعلَّق بالكاتب، إذ الجائزة مطمح مشروع لأي كاتب، وقد تكون فرصة لتشجيع مبتدئ أو إبراز مغمور أو تُنبِّه إلى نص جميل إذا كان التحكيم يستند إلى مقاييس من الذوق الفنّي الرفيع، ومن الادِّعاء الزائف أن يسخط عليها مُتشوِّقون إليها، لأنَّهم لم ينالوها. لكنّها تحمل –في الوقت ذاته- جملة من العيوب، منها أنَّ بعض الكُتَّاب لم يعودوا يكتبون لغرض الإبداع بقدر ما يضعون الجائزة غايتهم الأسمى. إذ يمكن أن نرصد في كلّ موْسم مجموعة من صيادي الجوائز. وفضلاً عن اختزال الأدب في الكتابة الروائية، فإنَّ الكاتب الّذي ينال الجائزة ويلمعُ نجْمُه عادة ما يُحْكَم لجْمُه. من هنا، فإنَّ الكاتب الّذي يرفض جائزة ما، لا شكَّ يصدر عن قناعة صلبة راسخة بصرف النظر عن طبيعة قناعته، خاصَّة في زمن صارت فيه المبادئ النقيَّة سلعة بائرة. وأصبح الالتزام بالقضايا الجوهرية مجرَّد حكاية من الماضي. في مثل هذا الوضْع الّذي لا استقلالية فيه لهيْئات المجتمع المدني التي بإمكانها أنْ تدعم المبدع، وحيث يلهث كثيرون وراء المال والشهرة، فإنَّ الجوائز -وإن هي أظهرت أعمالاً جديرة بالفوز- إلاّ أنَّ الفوز بالمقروئية وبالامتداد في فضاء الأدب الإنساني لا يتحقَّق بالجوائز وحدها. فما أقلَّ الذين رفضوها وما أكثر الذين لم ينالوها أصْلاً! لكنَّهم ظلُّوا على مرِّ الزمن حاضرين بإبداعاتهم. حتى إنَّ أحدهم شَبَّه جائزة (نوبل) بحبل يُمدُّ إلى سبَّاح كاد يغرق، بعدما يكون قد وصل إلى شاطئ البحر. لعلَّ أسوأ ما يصيب الكاتب المبتدئ أنْ يغترَّ حين ينال جائزة أولى فيبحث عن ثانية وثالثة، فأمَّا الكاتب الّذي يُعَدُّ كبيراً، فإنَّه يصبح سلطة موازية لسلطة السياسي، لولا أنَّه يُصاب بتضخُّم الأنا، كما يُصاب بهذا المرض أيُّ حاكم عربي، فينتهي إلى ممارسة الإقصاء، وقد لا يعي أنَّه يعيش على نجومية آيلة إلى الأفول. يستحق المبدع أنْ يُكافأ، وأنْ يُكافأ كلُّ مَنْ أفنى أجمل شطر من حياته ليُقدِّم عملاً ذا قيمة، ولا سبيل إلى ذلك اليوم إلاّ من خلال أنظمة ترفع النجْم وتُتْقِن اللَّجْم. لذلك من المستبعد وعلى أمد طويل، أنْ تخرج الجوائز العربية من عباءة السياسة، وكلُّ الأمل ألاَّ تتلوَّث الكتابة بفساد السياسة، وتصبح الجائزة كمامة تمنع الكاتب من البوْح بالحقيقة أمام حاكم جائر. فهل لدى كاتب يتلذَّذ بالجوائز والمجاملات وارتياد الصالونات من الجرأة بحيث يواجه الحاكم كما الإمام (جعفر الصادق) الّذي كان يرى أنَّ السارق إذا سَرَق، فالحاكم هو المسؤول وهو أوْلى بقطع اليد؟ وقد حدث للخليفة (المنصور) أنْ أزعجتْه ذبابة، فقال: ((لماذا خلق الله الذباب؟))، فأجابه الإمام قائلاً: ((ليُذِلَّ به الجبابرة)). شوقي بزيع/ كاتب وشاعر لبناني بعض الجوائز خلفياتها في الأصل أيديولوجية وتُقدم على صورة «إكراميات» ومكافآت الحقيقة التي لا ينبغي إغفالها هي أنّ الجوائز على أنواعها وتفاوت قيمتها وصدقيتها لا تشكل معياراً حقيقياً ووحيداً للحكم على المبدعين وتحديد قاماتهم وأحجامهم الفعلية، ولا يمكن بالتالي أن نربط بشكل حاسم بين قيمة الكاتب وبين ما يناله من جوائز وأوسمة وتكريمات. فالحقيقة الأدبية نسبية ومُخاتلة وحمّالة أوجه، وليس ثمّة من معايير نهائية لتحديد مقاساتها والعثور عليها. ومهما بلغت ثقافة الأشخاص المنوطين بالتحكيم فإنّ آراءهم على وجاهتها لا تختزل آراء القُراء ووجهات نظرهم في نتاج الشعراء والكُتّاب المرشحين لنيل هذه الجائزة أو تلك. كما أنّ بعض الجوائز الأدبية قد تأسست في الأصل لدواعٍ أيديولوجية، وقُدمت على صورة «إكراميات» ومكافآت لمن يتم التثبت من ولائهم الشخصي، أو ولاء دولهم وأحزابهم، للدولة المانحة. وهو ما بدا جلياً خلال الحقبة السوفياتية، حيث كانت جائزتا اللوتس ولينين تُمنحان في الأعم الغالب لأسباب عقائدية وسياسية غير مُتصلة بالإبداع، ولأسماء متواضعة النتاج وشحيحة المواهب. لا يختلف وضع الجوائز العربية التي تتزايد باطراد في الآونة الأخيرة عما هو الحال في الإطار العالمي. فبصرف النظر عن كثير من الأسماء الهامة التي نالتها، سيعثر البعض بين حين وآخر على من لا يرون فيه من حيث الأهمية الأدبية مستحقاً للظفر بجائزة كُبرى من وزن جائزة زايد للكتاب وجائزة الملك فيصل وجائزة كتارا وجائزة السلطان قابوس وجائزة سلطان بن علي العويس والبوكر بنسختها العربية، أو غيرها من الجوائز المُماثلة. وما يزيد من حساسية الموقف أو حِدة المنافسة بين المبدعين هو المكافأة المالية العالية التي تُمنح للفائزين، والتي توازي على هذا الصعيد ما تمنحه أرفع الجوائز العالمية وأكثرها عراقة. ولن يعدم أي منا العثور على ثغرات وعيوب تطال هذه الجائزة أو تلك في غير وجه من الوجوه، كأن تفضي بعض التسويات بين المحكمين، أو بين هؤلاء وبين مانحي الجائزة ومجالس أمنائها، بمراعاة الاعتبارات الكيانية والقُطرية في اختيار الفائزين، أو أن يُحظى بالفوز من يعتبرهم البعض أسماء من الدرجة الثانية على حساب مبدعين أكثر أهمية منهم. أو أن تطغى الرّواية على الشِّعر بصورة كاسحة في بعض الحالات. على أنّ كلّ تلك الهنات لا ينبغي أن تطال المبدأ بحد ذاته، حيث يحتاج الكُتّاب الذين سخروا حياتهم برمتها من أجل رفع منسوب الحرية والفرح والجمال على هذا الكوكب البائس لمن يشد على أيديهم وينتبه لمغامرتهم الإبداعية الشاقة، في ظل انهيار القيم واستتباب الغرائز وانصراف الناس عن القراءة. رشا الأمير/ ناشرة وروائية لبنانية اللعبة تُخضع الداخلين حلبتها لشروطها لا ما يُقالُ في المبدأِ العامّ بأن تتناسل الجوائز وبأن يتحوّل غارها (إن وجد، فكثير من الجوائز شبه سريّة ولا أهميّة معنويّة لها) إلى النباتِ العطريّ المُفضّلّ لدى أصحابِ حرفة الأدب والذهب (الشيكات الكريمة أو المتوسّطة الكرم) إلى معدِنهمِ الأثير. أمّا أن يُتّخذ الأدب ملعبًا للمبارزة السياسيّة ومزادًا لأفعال التفضيل فلن يودّي الأمرُ إلى مزيد من ازدهار الثقافة والحريّات والأخلاق. هذا من جهة، من جهة أخرى يلحظ متتبّع هذا الشأن المثير للنمائم أنّ كتبةً يشتمون صباح مساء أصحاب هذا المال (وهل من مالٍ طاهر يا ترى) نراهم يتكالبون لبلوغه وهم يبلعون كراماتهم وألسنتهم حتّى استلام الجائزة. أيحبّ المتكالبُ سيّده؟ هو يقول أن لا وإنّه مجرّد روبن هود يأخذ من الغني كي يطعم الفقير. لا انفصال بين المال وصاحبه. هذه هي شروط اللعبة واللعبة من أساسها تخضع الداخلين حلبتها لشروطها. فمن قال إنّ الملائكة يحكمون هذا العالم؟ ومن قال إنّ الكُتّاب لا تلطّخ أعراضهم وأيديهم. هنيئًا لكلّ من وصل إلى جائزة إن لم يبع روحه للشيطان وإن فعل فهنيئًا له أيضًا. محمد معتصم/ ناقد أدبي مغربي الكثير من الجوائز العربية تكمن وراءها خلفيات وغايات سياسية تعدُّ الجوائز الأدبية وسيلة من بين العديد من وسائل التحفيز والاعتراف، تحفيز الطلاب والشباب في بدايات مشوارهم الأدبي، تبث في نفوسهم الثقة والعزيمة على البحث والاجتهاد في ابتكار متخيلات جديدة تعبر عن روح عصرهم واختلافاته وقضاياه التي ستكون حتما مختلفة قليلا أو كثيرا عن المراحل السابقة عليهم. وهي اعتراف للمجهودات العلمية التي يبذلها الباحثون والنُقاد والمبدعون كلٌ في مجال تخصصه، وهي الطريقة الفُضلى لنشر المعرفة التي تسمح للكُتّاب وبالتالي الأفكار وأشكال التخييل بالانطلاق خارج الحدود الضيقة المحلية التي بدورها قد تضيق أكثر بحسب الأهواء الشخصية أو الصراعات المذهبية والحزبية والسياسية وحتى الطبقية والعرقية. الجوائز الأدبية في جوهرها مُحفزات على الابتكار ووسيلة للاعتراف ونشر المعرفة. إلاّ أنّ الجوائز ليست الغاية في حد ذاتها، سواء جانبها المادي (القيمة المالية)، أو جانبها المعنوي الّذي تحدثت عنه آنفا. ولكن الحديث عن الجوائز الأدبية عامة والعربية خاصة، تستدعي الحديث عن قوانين الجائزة، ولجان التحكيم، والسلطة المُمولة لها الحق في اختيار أعضاء لجان التحكيم، والأهداف من وراء تنظيم الجوائز، وهي كثيرة مُتعدّدة، ثمّ الجهة المانحة للجائزة وتاريخها في تنظيم الجوائز. هذه المكونات، ومن خلال التفكير فيها ودراستها، وكذلك حصيلة الجوائز والأشخاص الحاصلين عليها، والمتابعات الصحافية والدراسات العلمية للأعمال الحاصلة على الجوائز المادية والمعنوية هي التي تكشف نوايا وأهداف الجهات المنظمة. لقد قِيل الكثير عن الجوائز العربية، وتكاد الآراء تجمع على أنّ الجوائز الأدبية العربية تكمن وراءها خلفية سياسية، وحتى في سياق الحديث عن جوائز رسمية تمنحها حكومات عربية أو جوائز شخصية يمنحها أشخاص ماديون أو جوائز معنوية غالبا تمنحها جمعيات مدنية مستقلة وغير مستقلة تنطلق من تصور سياسي ولها غايات سياسية عامة. فهي تطمح إلى نشر نمط مُحدّد من الأفكار ومن الإبداع، تدعمه بالغلاف المادي المغري، قياسا بالجهات التي لا تملك سوى القيمة المعنوية ومنح الألقاب وشهادات الاحتفاء والتكريم، تلك المغريات المالية هي التي تدفع عددا من الكُتاب والباحثين، إلى الخضوع إلى إنتاج نماذج وفق المطلوب، إي الاستباق الزمني والاجتهاد في ترسيخ السياسات الثقافية وإن كانت مُغرضة، المتضمن في السياقات العامة لمنح الجوائز. وهكذا نجد اليوم كُتابا يكتبون طلبا للحصول على الجوائز، يكتبون بمعنى يفرغون محتوى كتاباتهم النقدية والإبداعية من المواقف الفكرية والسياسية المُناهضة للعنف والكاشفة عن حالات الاختلال السياسي والتبعية والخنوع والخضوع. وهي كتابات تُساير السائد العام ضدّ كلّ الوظائف الأساسية الاجتماعية والمعرفية والجمالية والفكرية للأدب. فتُنتج أشكالا لا تعدو كونها تقليعات موضة طارئة، تقول الكثير لكن بلا تأثير إيجابي أو تترك أثرا في المُتلقي ولا تتقدم بالأدب نحو الأسمى والأفضل، أي نحو أدب يقول الكينونة في ذاتها وتحولاتها، وفي استبدالاتها التي تفرضها الأنساق الفكرية والاجتماعية والمعرفية والجمالية كضرورة وجودية. الجوائز الأدبية ضرورية كما سلف، للتحفيز والاعتراف والتشجيع على النهوض بالأدب العربي ليكون له مكانته بين الآداب العالمية والإنسانية. لكنّها عندما تُجند من أجل الضغط والتوجيه وإفراغ الثقافة العربية من حقيقتها فهي في هذه الحال تكون وسيلة من وسائل الاعتداء على الكينونة ووسيلة لخلق التصدع وزرع الفتنة والتفرقة والأهم: أنّها تخلق الأوهام الثقافية والأوهام النقدية والأوهام الإبداعية. ناصر عراق/ كاتب وروائي مصري العباءة السياسية إن وُجِدت لن تستطيع فرض وجودها طويلا على العالم الفسيح للأدب والإبداع في البداية علينا التأكيد على أنّ الجوائز الأدبية أمر بالغ الأهمية لتطوير مجالات الإبداع المُختلفة مثل الرّواية والشِّعر والمسرح والقصة القصيرة، ذلك أنّ التنافس الّذي تُشعل قناديله تلك الجوائز هو الّذي يثير شهيّة المؤلفين والمبدعين كي يتقنوا ويجوّدوا نصوصهم، بهدف تحقيق التميّز والتفرد من أجل الوصول في النهاية إلى الظفر بالفوز والصعود إلى منصة التكريم. الأمر الّذي يؤدي مع مرور الوقت إلى السمو بفنون الإبداع من جهة والرقي بالذائقة العامة للقراء من جهة أخرى، وهي أمور محمودة لا ريب. من هنا يمكن القول إنّنا ينبغي أن نحتفي بفكرة التنافس في حد ذاتها، حتى لو طالتها بعض الشوائب، فالتنافس هو الّذي يطور الأمم والشعوب، لا في مجالات الأدب والفن فحسب، وإنّما في فروع الحياة كلّها، وسأضرب مثلا بسيطا يوضح فكرتي، والمُتمثل في (الهاتف المحمول) أو (الموبايل)، فلولا التنافس الشديد بين الشركات التي تبتكر وتصنّع هذه الهواتف لما كان بين أيدينا الآن هاتف محمول مزوّد بإمكانات مُذهلة ما خطرت على بال أحد قبل ربع قرن فقط!صحيح أنّ هذا التنافس يتسم أحيانا بالقسوة والشراسة، لكن المستفيد الأوّل في النهاية هو الإنسان الكوكبي، أو المُستهلك الّذي يعيش على هذا الكوكب والّذي يُوفّر له الهاتف المُتميّز الكثير من الوقت والجهد، ويمنحه المزيد من السعادة عندما يتواصل مع أهله وأصدقائه في سرعة مُذهلة.لذا، أظن أنّ العباءة السياسية التي تقف خلف الجوائز الأدبية، إن وجدت هذه العباءة أصلا، فلن تؤثر كثيرًا في نُبل الفكرة وعظمتها، وأعني فكرة التنافس الّذي يؤدي بالضرورة إلى الإجادة والإتقان. كما أتخيل أنّ العصر الحالي أصبح يتقزز من فكرة وصاية السياسة على الأدب، أو أنّ تفرض أنظمة سياسية مُعينة رؤاها على النشاط الأدبي، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الأنظمة العربية الحالية لا تملك (وجهة نظر) مُحدّدة عن الأدب تسعى لفرضها أو تعميمها على المؤلفين، مثلما كان يحدث في زمن الاتحاد السوفيتي (1917/1991)، حيث أعلنت (الدولة السوفيتية) آنذاك أنّ (الواقعية الاشتراكية) هي المذهب الرسمي للدولة العمالية الأولى، ومن يتمرّد على هذا المذهب من الكُتّاب والمبدعين يتعرض لمشكلات لا حصر لها! هذا المنطق الّذي تعامل به حُكام الاتحاد السوفيتي قديمًا مع الفن والإبداع أثبت أنّه منطق ضيق الأفق بشكل كبير، ويضُر بالأدب والفن بشكل أكبر، وقد انتقده بشدة المُفكر والثائر الروسي (ليون تروتسكي/ 1879/1940) في كِتاب مُهم اسمه «الأدب والثورة»، وبالتالي أظن أنّ لا مستقبل لفكرة فرض رؤى سياسية على الرّواية أو الشِّعر أو القصة القصيرة. ثمّ يجب ألا ننسى أمرًا بالغ الأهمية، وهو أنّ أعضاء لجان التحكيم في الجوائز الأدبية الرفيعة الذين يتم تكليفهم بقراءة النصوص المُرشحة واختيار أفضل الأعمال، عبارة عن مجموعة من الأساتذة الأكاديميين والنُقاد والمبدعين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة في الأغلب الأعم، وبالتالي فإنّهم، أو معظمهم على الأقل، لن يقبلوا بأي تدخل (سياسي) يفسد نزاهة عملهم، ويُشوه ضميرهم النقدي، أو هذا ما أتوقعه. باختصار، الجوائز الأدبية ضرورة قصوى لتطوير الإبداع، والعباءة السياسية، لو وجدت، لن تستطيع فرض وجودها طويلا على العالم الفسيح للأدب والإبداع. ليانة بدر/ كاتبة وروائية فلسطينية لا يمكننا توقع الكثير من الجوائز مهما تمسحت بلبوسات الموضوعية والنزاهة الجوائز ليست ظاهرة معزولة عما يجري في الواقع العربي حولنا حيث تسود إمّا سلطات قمعية آخر همومها ثقافة ورفاه المواطن أو أحزاب ليست لها علاقة بالمجتمعات إلاّ من حيث إحكام القبضة عليها وتسخيرها للأيديولوجيات والشعارات التي تحملها. لهذا لا يمكننا توقع الكثير من هذه الجوائز مهما تمسحت بلبوسات الموضوعية والنزاهة. ربّما بدأت هذه الجوائز الأدبية في دول عربية مختلفة وهي ترفع شعارات الحقيقة الكاملة لنتوهم بأنّ هناك منافسة حقيقية بين الأحسن والأقل جودة وكمالاً، ثمّ لنكتشف بعدها بأنّها صارت مثل كلّ شيء آخر في عالمنا العربي حيث التحيّز والشللية والعصبية الخ.. الخ.. قد لا يكون الدافع السياسي واضحاً لكن مجرّد اختيار هيئات تحكيم مغتربة عن الواقع وغير قادرة على القراءة الحُرة ومُحاكمة الأمور بعين العقل والمغامرة يكفي لإحباط أي كاتب أو كاتبة يسعى أو تسعى لتطوير وبلورة أدب حقيقي مُختلف. هكذا سنظل فريسة لاختيارات بائسة يبدو وكأنّ مجرّد النجاة منها سيصل إلى حالة من العبث الّذي لا يُطاق. الجوائز للجان تحكيم كهذه لا تتوخى الأفضل والأقدر على الحياة وطرح احتمالات جديدة بل إنّها ستفتش عن السطحي المُزيف لأنّ عينها ستظل دوماً مُرتبطة بأذواق القراءة الرديئة. هل تتحسن الأحوال؟ إن لم نصل إلى حالة من الديمقراطية التي تكفل تطوير الأجواء المجتمعية وتشجيع الناس على النظر إلى البعيد دون قمع وتسلط فلربّما نحلم بجوائز ذات خيارات أفضل.