أصبحت الجوائز الأدبية مؤخرا تشكل اهتمام كبيرا عن الكتاب والأدباء في الجزائر أوفي الخارج، خاصة عند الأشقاء العرب من دول الخليج، حيث بات الكتاب يستهدفون أكبر الجوائز العربية في صورة “البوكر” أوجائزة الشيخ زايد، أو جائزة الطيب صالح في السودان، والتي تمتاز بقيمتها المالية الكبيرة. أما في الجزائر فالأمر يقتصر على جوائز رمزية حتى تلك التي ترعاها وزارة الثقافة. كما أن الجدل الذي أثارته مؤخرا جائزة البوكر وحول مصداقية لجنة التحكيم إضافة للقيمة المالية المخصصة للجوائز الأدبية في الجزائر، خاصة مع إعلان جائزة آسيا جبار للرواية الجزائرية، والتصادم الذي حدث بين محافظ الصالون الدولي للكتاب وبين المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار حول من يرعى الجائزة، دفعنا لطرح مجموعة من التساؤلات.. فما الذي تضيفه الجائزة للكاتب؟ هل تختصر عليه بعض المسافة من أجل تحقيق شهرة أكبر، أم أنها استحقاق يجعلها اسمه معروفا في الوسط الأدبي سواء في الجزائر أو الخارج، وهل الجائزة مجرد قيمة مادية مضافة، أم أنها أكبر من ذلك..
الشاعر خالد بن صالح: “تحمل الجوائز الأدبية خصوصية لم يتم الاستثمار فيها بشكل جيد” تشكل الجوائز الأدبية في حياة الكاتب “الاعتراف بشيء”، وهذا الشيء الذي لا يفهمه للأسف الكثيرون، وأقصد هنا الهيئات الرسمية وبعض أصحاب الجوائز الخاصة هو خلاصةٌ غير بسيطة لعلاقة شائكة مع الحياة والكتابة. يقدم من خلالها الكاتب عملاً مميزاً يكون قد أخذ من وقته وجهده وحياته الكثير. الكل يعرف أن الكتابة لا يمكن أن تحقق شروط العيش اليومي لصاحبها، وعندنا التفرغ هو حلم إن لم يكن مستحيلاً. لذلك تحمل الجوائز الأدبية خصوصية، للأسف لم يتم الاستثمار فيها بشكل جيد. ووقعت الكثير من هذه الجوائز في فخ الارتجال وأصبحت بشكل أو بآخر “مزية” إن لم أقل “صدقة” وبثمن زهيد يعكس فقر الرؤية وغياب الاهتمام الحقيقي بعالم الكتابة والأدب. حتى معنوياً أو تجارياً لا يمكنها أن تضيف الشيء الكثير لمبيعات الكتاب ولا تمنح الكاتب تلك الدفعة التي يحتاجها لمواصلة مشواره الإبداعي بنفس متجدد. لا أريد أن أكون متشائماً لكن واقع الحال ونظرة عامة حول مصير الكثير من الجوائز الجزائرية، والذين فازوا بها يكفي لإضافة جرعات أخرى من الخيبة. المعايير مختلفة في الضفة الأخرى ولا يمكن في اعتقادي المقارنة بين الجوائز العربية والغربية، والتي - أي هذه الأخيرة - تستطيع بين ليلة وضحاها أن تغير مصير الكاتب إيجابياً وإن كانت محلية وليست بقيمة الجوائز الكبرى المعروفة. لا أجزم بالسبب الذي يتلخص في شيئين نفتقدهما: الموضوعية.. والقيمة المالية والأدبية. يكفي أن لديهم جوائز القراء التي تكشف عن قدرة المتلقي على صناعة الثقافة ويكون له رأي في تشكيل المشهد الإبداعي. في حين ارتبطت الكثير من الجوائز عندنا وفي بداياتها بفضائح فساد ولجان تحكيم هي في الأخير جزء من مشهد متردي. ذلك أن أغلب الجوائز ترتبط بأنظمة شمولية إن لم تكن قمعية فشلت في تمثيلياتها للادعاء بالديمقراطية والحرية، ما جعل الجوائز في غالبيتها وعلى قلتها موجهة ولا تخدم استقلالية الكاتب وحريته. ليبقى التأكيد على أهمية إثراء الساحة الأدبية بمزيد من الجوائز لأنها قليلة في العالم العربي، ومن ثم الزمن وأشياء أخرى يخفيها الغد ربما من شأنها أن ترتقي بقيمة هذه الجوائز وتحقق الغاية منها في خدمة الإبداع. لأن السباحة ضد التيار تحتاج إلى تجديد الدم في جسد منظومة ثقافية مترهلة تعيش على استجداء الساسة وأصحاب الأموال وتحتكم إلى المقربين من البلاط.
الشاعر رفيق جلول: “أتمنى أن تكون لدينا جائزة عربية ذات شأن” هناك مواضيع كثيرة تطرح عن الجائزة الأدبية وعن قيمتها لدى أي كاتب يزاول ممارسته للإبداع، فالجائزة لدى كل واحد منا حلم الكثير، ففي الجزائر مثلا الشباب يحلم بجائزة علي معاشي أو يحلم بجائزة عربية ما طبعا ولم لا إن كانت عالمية وكان هو جديرا بها. ولكن السؤال المطروح ما أساس هذا الحلم؟ هل هو حلم مادي ليكسب مبلغا معتبرا كان أوذي قيمة عالية؟ أم هو معنوي من أجل الإسم والاشهار؟ إن الجوائز الأدبية في الجزائر ربما هي مجرد حلم معنوي لدى أي كاتب شاب لايزال يرسم طريقا صحيحة له في مشقة الإبداع أكان شعرا أم نثرا، فالجائزة هنا في الجزائر أقولها بصراحة ليست ذات قيمة مادية عالية، ولا هي ذات شأن كبير يسعى إليها كل كاتب من أجل نيل شهرة، وهذا الاشهار في رأيي يبقى دور المؤسسة المنظمة في رفع قيمة الجائزة و إعطائها أكثر مما تستحق، وقد لا أبالغ عندما أقول أن الجوائز لدينا في الجزائر تمثل لدى أي كاتب شاب إعانة مادية لا أكثر. أتمنى بدوري أن تكون لدينا جائزة عربية ذات شأن أوعالمية، ونحن في بلد شاسعة تحتوي ما تحويه من طاقات إبداعية من مختلف الأجيال، لا أرى أن تمثيل البلاد يكون خارج الجزائر بالاحتفال بإبداعاتنا في بلدان أخرى، لماذا نحن لا نؤسس قاعدة يلهف وراءها الكثير من المبدعين من الخارج لنحتفي بهم ونحتفي بنا أيضا؟ هل بلادنا عاجزة على هذا؟ لا أعتقد ذلك. إني أرى أن هذا الأمر مهم في بلدنا، وهذا ما يضيف لجوائزنا الأدبية المحلية، هناك جوائز عالمية كانت في من قبل جوائز محلية واستقطبت المبدعين من كل أنحاء العالم فزادت قيمتها وكبر شأنها وصار الكثير يلهث خلفها، وقد شارك فيها مبدعون جزائريون، وهناك منهم من ناله الحظ منها ومن لم ينل بغض النظر على اعتبارات ومقاييس قد لا يتقبلها الكثير. إن الجائزة ليست فقط في قيمتها المادية أيضا المعنوية، حتى نقول أن لدينا جائزة علينا رفع قيمتها وشأنها باستقطاب الآخر.
الصديق حاج أحمد (الزيواني) أكاديمي وروائي: “الجوائز الأدبية في الجزائر أبعد ما تكون عن المطلوب والمرغوب” وُضعت الجوائز أول ما وُضعت له من أجل إعطاء دفع لوجيستيكي للكاتب و القارئ، ودار النشر على السواء، على أمل إحداث تنافسية تشجيعية لتحريك الأقلام، وكذا خلق نوع من الإقرار المبطّن بثقافة الاعتراف للكاتب، وهو مبدأ بريء في ظاهره وأوله؛ غير أن الأمر قد يغدو عكس ذلك إذا أصبح الكاتب يكتب لاهثا لأجل الجوائز، وتلك إشكالية كبيرة، قلّة من الكتّاب من يجرؤ على التصريح ببراءتها وطهرها. أعتقد أن أمر الجوائز الأدبية في الجزائر هو أبعد ما يكون عن المطلوب و المرغوب، إذ كثيرا ما أنشئت جوائز أدبية بفعل سياسي أوبفعل حماسي غير مدروس، ما جعلها مرتبطة بالظرفية، وتنأى عن الاستمرارية، ومن مثل ذلك جائزة مالك حداد وجائزة الجاحظية، وغيرها من الجوائز، التي تظهر مرة أو مرتين ثم تتوارى عن الأنظار، والحق يذكر أن وزارة الثقافة تعتبر مقصّرة جدا في إحداث حركية ديناميكية، تضمن نوعا من الاستمرارية والمصداقية للجوائز الأدبية. أما بخصوص أهمية الجائزة الأدبية للكاتب فهي مهمة جدا، لاسيما إذا كان الكاتب مغمورا، فإنها بلا شك ستجرّه طوعا وبكثير من الفرح الواضح أمام عدسات الكاميرات. كما أن دور النشر ستلتفت إليه بنوع من البراغماتية الامتصاصية المقرفة، فضلا عن تسابق وتزاحم الصحفيين عليه من أجل الظفر بحوار حصري معه يكون لتلك الجريدة السبق في نشره وإعلانه.. ما أتمناه عندنا في الجزائر أن تنهض وزارة الثقافة بدورها الطلائعي المفترض، في خلق مناخ وحراك ثقافي ماتع، يكون ذلك برصد مبالغ معتبرة من ميزانية الوزارة للجوائز الأدبية، بدل هدر المال في الكرنفالات والمهرجانات بلا فائدة تذكر. أما بالنسبة للجان التحكيم، وهي مثار جدل دائم، فإن المحكمين كقراء لهم ذائقتهم الخاصة، وقد نلتمس لهم العذر أحيانا في اختيار معين، قد لا يتوافق مع ذائقتنا، غير أن الذي يجل أن يكون ألا يكون الاجماع على نص لا يتوفّر فيه أدنى السقف العام من اللغة، والجدة، والطرح، والتقنية المتفرّدة..
نصر الدين حديد، فائز بجائزة علي معاشي: “الجوائز لا تعبر عن مستوى المبدعين” أولا الجوائز الأدبية لا تعبر عن مستوى المبدعين، صحيح أنها تمنح المبدع حضورا إعلاميا وتواجدا في الساحة الثقافية، غير أن “الكولسة” والصداقات تفسد هذه الجوائز، وتدس أسماء مغشوشة في المشهد الثقافي. ثانيا القيمة المالية للجوائز في الغالب هي قيمة رمزية لا تغير شيئا في حياة المبدع، حتى جائزة رئيس الجمهورية هي جائزة هزيلة ماديا ولا تعبر عن مستوى الجهة المنظمة. وأستغرب هنا أن تنظم جائزة بالمال العام ومن ريوع الخزينة العمومية، وتحمل اسم رئيس الجمهورية، وكأنه هو من ينظمها من ماله الخاص. على الجوائز الأدبية أن لا تسيّس بهذه الطريقة، وعلى الإبداع أن يبقى بعيدا عن السياسة، ولا يستخدم في خدمة الأسماء والمناصب والأشخاص. ثالثا الجهة التي تنظم هذه الجوائز لا ترافق المبدع ولا تطبع إصداراته ولا تروج له في الغالب، وتختفي هذه الجائزة بمجرد تسلم قيمتها المالية. ولذلك لم تعد لهذه الجائزة أي قيمة أدبية داخل وخارج الوطن، إذ بعد كل هذه السنوات التي أنفقت فيها وزارة الثقافة المال العام بسخاء، لم تنجح في تأسيس أي جائزة أدبية مرموقة حتى الآن. رابعا وأخيرا، المبدع الجزائري أصبح يحصد عديد الجوائز خارج الوطن، ويثبت نفسه دائما في المحافل العربية، وهذا ما يدفع الكثيرين منهم لاستيراد شهادات الإعتراف من الخارج، بعدما غابت ثقافة الإعتراف به في الداخل.
الروائي عبد القادر بوضربة: “للأسف لا تضيف الجائزة أي بريق للكاتب” فزت بجائزة على معاشي المرتبة الأولى في الرواية عام 2009، كما فزت بعدها بالعديد من الجوائز الوطنية. للأسف لا تضيف الجائزة أي بريق للكاتب خاصة بالجزائر، إذ أن تجربة فوزي بجائزة علي معاشي شكلت صدمة موازية للفرحة الكبيرة التي غمرتني. لازلت أذكر فرحي الشديد عندما تلقيت خبر الفوز، خاصة أن حفل تسليم الجوائز كان حدثا هاما فعلا.. ولكن بعد انتهاء نشوة الفوز استفقت على واقع مؤلم جدا: لم يتعاطى الإعلام مع الجائزة بصورة جيدة، بل إن معظم وسائل الإعلام مرت مرور الكرام على الحدث ولم تذكر أصلا قائمة الفائزين. على المستوى المحلي لا شيء تغير، إذ أنني حاولت طيلة سنتين أن أجد ناشرا للرواية الفائزة “رصاصة واحدة لا تكفي”، التي لم يشفع لها الفوز في جائزة وطنية بحجم علي معاشي في أن ترى النور. هذا الوضع أجبرني على طبعها على حساب نفقتي الشخصية في عام 2011. في رأيي لازلنا نفتقد لثقافة الجوائز الأدبية، فرغم وجود حوالي خمس جوائز أدبية بالجزائر مستمرة منذ سنوات ساهمت في إظهار الكثير من المواهب الشابة و الجديدة، إلا أنه على المستوى الداخلي نلاحظ أمرا مهما: الكثير من التجاهل، وكأن هنالك رغبة حقيقية في كبت كل ما هو جديد. يجب أن تكون لدى عامة المهتمين بالشأن الثقافي رؤية بعيدة جدا، الهدف منها تقييم شامل لسياسة الجوائز الأدبية من خلال الاهتمام بمرحلة ما بعد الفوز بالجائزة، من مواكبة إعلامية ونشر، وتعريف بالكاتب وبمؤلفه مثلما يحدث في بعض الجوائز الأدبية المرموقة التي أحدثت فعلا الفارق من خلال اهتمام غير مسبوق بالأعمال الفائزة وكذا الترويج لها. يستحيل على الوزارة أوعلى أي هيئة منظمة لجائزة ما أن تقوم بكل شيء. يتعين على الصحافة، رجال الأعمال، الأدباء، وكل المهتمين بالشأن الثقافي أن يبادروا - كل حسب موقعه - من أجل الاستثمار في حدث اكتشاف موهبة جديدة، إذ أن الثقافة هي واجهة للجزائر أيضا. فالهدف من أي جائزة هو اكتشاف موهبة متميزة و تقديمها كحدث يستحق المتابعة، ولكن في الجزائر لا أحد سيتذكر الفائز، لا أحد سينشر له، لا أحد سيفكر في استثمار هذا الفوز وتوجيهه نحو ما هو أفضل. تجدر الإشارة إلى خطوة جيدة بادرت بها وزيرة الثقافة السيدة نادية لعبيدي، إذ باشرت بطبع كل الأعمال الفائزة بجائزة علي معاشي، وهكذا رأت روايتي “رصاصة واحدة لا تكفي” النور أخيرا بعد 6 سنوات من الفوز.
اللاهثون وراء الجوائز إنّ المبدع وهو ينشئ إبداعه أو وهو يرتقي في عوالم الخيال وينصهر في ذاته، من أجل إنتاج نص أو رسم لوحة أو تمثيل دور أوإخراج مشهد، إنه في كل هذا يسعى لتقديم رؤية وإثبات وجود ومنح العالم إضافة فكرية وجمالية مهما كانت قيمة هذه الإضافة وقدرتها على التغيير نحو الأفضل، وهو في كل هذا وبهذا لا يرنو إلى هدف غير الهدف الفني بالأساس، إنه ديدن المبدعين من أولهم الذي لم يعرف اسمه التاريخ، أو ربما عرفه وجهلناه نحن، إلى آخر فنان ربما سيظهر بعدنا بأجيال وقرون. وليست الجائزة في الحقيقة إلاّ تقديرا لهذا الجهد وعرفانا لذلك العرق النازف، واحتراما للساعات الطويلة التي قضاها بعيدا عن حاجيات أساسية أخرى. إنّ المبدع وربما أخاطر بالتمسح بأذيال هذه الصفة، لا يعنيه في لحظة الإبداع إن كان جائعا أم ظمآن أم له مواعيد تنتظره أو مشاغل تشغله، ذلك أنّ لحظة الإبداع تماما كالسيل الجارف إذا حلّت أبعدت كلّ ما ينتصب أمامها فلا يبقى المجال إلاّ لها. فإذا تعب المبدع هذا التعب وسهر هذا السهر وشقي هذا الشقاء، وهو شقاء مُظنٍ مرهق، مع أنه حميد ماتع، انتظر أن يجد في عيون الآخرين وعلى ألسنتهم ما يشي بقبولهم له وإعجابهم به واحترامهم. وفي الجائزة تعبير عن هذا وإبداء له. غير أنّ منطق الجوائز في الجزائر لا يخرج عن منطق الثقافة في البلد، فإن كانت الأخيرة محكومة بحكم المقاولين والانتهازيين في غالبها الأعم فإنّ الجوائز ليست إلاّ وجها شائها من هذه الوجوه. هذا عن المبدأ، ولا أعتقد أنّ هناك من يختلف معي فيه، غير أنّ ما يمكن أن يكون سببا لعدم الاتفاق هو القول أنّ ما يوجد في الجزائر من جوائز لا ترتقي لتكون تكريسا حقيقيا لفعل ثقافي يُقصد به تثمين مجهودات المبدعين. خذ مثلا جائزة “علي معاشي”، لاتزال باهتة بسيطة، بداية بقيمتها المادية، ثم الإعلان عنها في إعلام الدولة والإعلام الخاص، فلم تعط لها قيمته الإعلامية المفترضة بحكم أنها تُنسب لرئيس الجمهورية، مع تحفظي الشخصي على نسبتها له بسبب قيمتها المتواضعة مقارنة بمثيلاتها في العالم العربي. إضافة إلى أنها لم تستطع عبر هذه السنوات أن تُكرّس أسماء بعينها في المشهد الثقافي، فلا أرى أيا من الأسماء الفائزة تغيّر موقعه في الساحة الإبداعية ولا هو حاز على الاهتمام ولا الرعاية، إلاّ ذلك الاهتمام اللحظوي في تاريخ نيله للجائزة وحسب. على عكس الجوائز في البلاد التي تحترم مبدعيها، حيث تُنشر الأعمال الفائزة بها، وتسوق ويتدخل الإعلام فيفرد لها أوقاتا من المناقشة والتحليل. خذ مثالا آخر.. جوائز مهرجان المسرح المحترف، أوجوائز المسرح الجامعي، هذا الأخير في طبعته الأخيرة المنعقدة بوهران 2014، كنت حاضرا في كل فعالياته من بدايتها إلى نهايتها، وقد قدمت الجائزة الكبرى لعمل مسرحي لشباب من وهران. كان العمل جيدا مقارنة بغيره، وكنت تنبأت له بالفوز منذ عُرض، وظللت أنتظر غيره من العروض من يوازيه قوة فلم أجد. كل هذا مقبول قبولا تاما، لكن إذا علمنا أنّ هذه المسرحية شاركت في الطبعة السابقة من المهرجان نفسه ونالت منها جائزة، ولو لم تكن جائزة أحسن عرض متكامل، لتساءلنا كيف للجنة التحكيم أن تعطيها الجائزة، بل أن تقبل بمشاركتها أصلا. فبينما حظيت كل العروض الأخرى بسنة واحدة على الأكثر من التحضير وغالبا ما تكون أقل من هذه المدة بكثير، حظي العرض الفائز بسنتين كاملتين. وقد أسرّت لي إحدى الناقدات أنها كانت من الذين نصحوا فريق العمل بتغيير مجموعة أشياء في السينوغرافيا استجابوا لها عند عملهم على العرض في هذه الدورة من المهرجان. هل لو كانت المسرحية من إنتاج فرقة أخرى من ولاية غير التي تقام فيها التظاهرة كان يُسمح لها بالمشاركة أصلا، فضلا عن النجاح بالمرتبة الأولى؟. بمعنى من المعاني فإنّ الجوائز تتبع منطق لجان التحكيم بما فيها من توازنات وشبكة علاقات وشللية ومنطق آخر كثيرا ما يكون بعيدا عن منطق الاستحقاق.. هذا دون أن نغفل أن الكثير من مبدعينا وأنصاف وأعشاعر المبدعين عندنا كثيرا ما يسعون إلى الجوائز سعيا على الوجه أو مشيا على الرأس بتعبير الحلاج. بل إنني كثيرا ما أشارك في ملتقيات وأجد شبابا يتوسلون نيل شهادات تقدير تكتب عليها أسماؤهم حتى وإن لم يشاركوا بشيء، بل أعرف أسماء عديدة لا تكتب إلاّ من أجل “علي معاشي” وجوائز “دبي الثقافية” وغيرهما. بينما لا أتخيل المبدع الحقيقي يستطيع أن يضبط مواعيد إبداعه على توقيت جائزة ما أيا كانت قيمتها وحسب طلب أصحابها وشروطهم. الحقيقة التي أعتنقها أنّ الجائزة الحقّة في نظري هي قراءة القراء لأعمال المبدع ومتابعتهم له. يكفي أن ألتقي بعضهم فيناقشني في مقال كتبته، أو فكرة ألقيت بها، أورأيا أسررته، حتى أشعر أنني نلت كل جوائز الدنيا. ذلك أن المتلقي هو الهدف لا الجائزة.