منحت حديقة باردو النباتية للترفيه والاسترخاء بقسنطينة، ذات التوجه البيداغوجي ، رئة إضافية لوسط المدينة وأصبحت متنفسا للعائلات القسنطينية، لانعدام مرافق مماثلة بعاصمة الشرق، غير أنَّ جملة من النقائص والسلوكات السلبية تعتري هذا المتنزه «الفاخر» الذي فتح أمام الجمهور يوم 5 جويلية الماضي. روبورتاج : فاتح خرفوشي تتوسط حديقة باردو النباتية البيداغوجية وسط المدينة، في موقع استراتيجي يعانق واد الرمال، و قريب من قلب قسنطينة النابض، على مساحة إجمالية مقدرة ب65 هكتارا، وهي مساحة تم فتحها نتيجة ترحيل 327 عائلة من الحي الشعبي المعروف رحماني عاشور «باردو ، أين كان يفترض تشييد ناطحات سحاب تحت ما سمي آنذاك بمشروع تحديث قسنطينة ، إلا أن المخطط تم تعليقه ، ليتمَّ إقرار المشروع الحالي من قبل الحكومة عام 2014، حيث شرع في الأشغال في ذات السنة، ليصطدم المقاول ومكتب الدراسات بجملة من المشاكل جعلته يتوقف مرات عديدة، قبل استئناف وتيرة سريعة للأشغال وتسليم 14 هكتارا، مؤخرا، لتفتح الحديقة رسميًّا أمام المواطنين. وتضمُّ الحديقة حسب ممثلة مكتب الدراسات التي التقت بها «النصر» في المرفق، هياكل خدماتية على غرار كافيتيريا ومطعم جاهزين في الوقت الراهن، بانتظار تسليم أخرى قريبا، ومراحيض عمومية وحنفيات مهيأة متأتية أصلا من منابع موجودة منذ القديم بالموقع، وهي منابع يعود بعضها إلى العهد الروماني، إضافة إلى حنفية أخرى، لتقديم مختلف الخدمات للعائلات القاصدة للمكان، للتنزه وشمِّ النسيم العليل، إلى جانب مساحات الترفيه وأرجوحات وأماكن مخصصة للعب موجهة للأطفال. كما تشمل مبنى إداري كان في الأصل مدرسة حولت إلى دار للبيئة، ستسيَّر من المديرية الوصية، وبجانبها حديقة نباتية لإجراء التجارب والأبحاث منحت لجامعة قسنطينة 1، وشلالات اصطناعية أسفل الحديقة مجاورة لوادي الرمال، فيما يرتقب جلب حيوانات أليفة للحديقة، وتقرّر مؤخرا، حسب ذات المتحدثة، تحويل مشروع المسرح إلى مسرح للهواء الطلق، بتعليمات من والي الولاية عبدالسميع سعيدون، في إحدى الاجتماعات. عائلات تتزاحم مساء على الفضاء الأخضر واقتنى القائمون على مشروع وضع الغطاء النباتي والتشجير، عشرات الأنواع من نباتات الزينة المستوردة حتى من الخارج، على غرار وردة الصين، ذات اللون الأحمر البهيج، إلى جانب الورود والأزهار والشجيرات النادرة، وأشجار الفواكه والزيتون، ووضع بساط أخضر من العشب الطبيعي، ما حوَّل المنحدر المهجور إلى جنة فوق الأرض، تحاكي حدائق أوروبية بشكل مصغر بقسنطينة، تمنح جرعة اكسجين والحياة والجمال و فسحة للاسترخاء تتيح خروج العائلات من سجن الجدران الإسمنتية. وتنتظر العائلات القسنطينية حلول المساء بفارغ الصبر منذ افتتاح الحديقة للتوجه إليها، واغتنام سويعات من الاسترخاء وسط الطبيعة الخلابة والمناظر الساحرة، مقابل جسر سيدي راشد الحجري، ثاني أطول جسر حجري في العالم وكذا واد الرمال الضارب في تاريخ المدينة، خاصة وأن المكان مجهز بكل ظروف الراحة من أماكن اللعب وكافيتيريا ومطعم ومراحيض عمومية ومنابع، وكذا الطاولات والكراسي، حيث تعتبر متنفسا خلابا، بدل التوجه إلى الولايات المجاورة لأخذ قسط من الراحة وسط الطبيعة الخلابة. أوساخ وتخريب بعد يومين من الافتتاح أبدى القائم على شؤون تهيئة الحديقة والاعتناء بالمساحات الخضراء والأشجار المغروسة والغطاء النباتي، ممثل شركة «أو. آر. جي» ، استياءه من بعض السلوكيات السلبية لمرتادي الحديقة بعد يومين فقط من افتتاحها، بعد تعرض عديد الألعاب التي تمَّ اقتناؤها بالعملة الصعبة حسبه، إلى التخريب، وتمزيق الحبال وتحطيم الألعاب الموجهة للصغار، واختفاء أجزاء من بعضها، وهو سلوك لم يجد له محدثنا تفسيرا مقنعا، نظرا لأن مرفق الراحة موجه للمواطنين، والجمهور العام. و قد قام أطفال وأولياؤهم حسب الشهادات المستقاة من المسؤول بنزع الفواكه من الأشجار، وبعد تدخل أعوان الأمن، لاقَوا ردًّا عنيفا من المعنيين، حيث وصف السلوكات بالعار، وقال أن كسر الأشجار وتخريب ممتلكات عامة عمل يعاقب عليه القانون، ومذموم في الأعراف والأخلاق التي تحكم المجتمع الجزائري. كما خلَّفت العائلات التي قصدت المكان منذ الخامس جويلية، تاريخ منح الضوء الأخضر للجمهور العام لارتياد الحديقة النباتية البيداغوجية بباردو، أكواما من النفايات والأوساخ، لعدم التقيد بالرمي في الأماكن المخصصة لها، رغم التنبيهات والتوصيات من عمال الاستقبال والأمن العاملين بالمكان، حيث كثيرا ما تلقوا ردودا عنيفة لا تمتُّ بصلة لسلوكات المواطن المتحضر. كما اشتكى ممثل شركة الإنجاز وكذا ممثلة مكتب الدراسات من «الأفعال السلبية» لشاغلي قاعدة الحياة المجاورة لحديقة باردو والتابعة لمشروع ترميم فندق سيرتا، ، حيث قال أنه تم سد إحدى المعابر المؤدية إلى المرفق، وهو ما عطَّل الوصول إلى هذا الشطر من الحديقة التي لم يسلم منها سوى حوالي 25 بالمئة، فيما تقوم المقاولة باستكمال الأشغال على مساحات اللعب ووضع العشب الاصطناعي و الشجيرات ونباتات الزينة وتبقى «أو. جي. آر» في انتظار رفع قاعدة الحياة وكذا انتهاء الأشغال بالنفق أسفل الجسر العملاق، الذي تشرف عليه الشركة المختلطة البرازيلية البرتغالية «آندرادي غيتيراز»، حيث تمتدُّ الحديقة إلى غاية الضفة المقابلة من واد الرمال. عودة الحياة لعين عسكر و الباردة والغار و لم يهمل القائمون على مهمة تحويل المساحة البور بباردو إلى جنة خضراء فوق أرض قسنطينة ردَّ الاعتبار للعيون والمنابع التي كانت موردا مائيا ممتازا لسكان وسط المدينة، والمنازل المجاورة للحي العتيق، ومائها ذي المذاق المميز، البارد صيفا، في غياب الثلاجات والمبردات آنذاك، وخاصة عين عسكر وعين الباردة وعين الغار، هذه الأخيرة التي استمدت اسمها كونها تخرج من مكان بني بالصخر الأزرق اللون، ويقال أنه غار يمتد إلى غاية كدية عاتي، وعين الحلاَّبة نسبة إلى جامعي الحليب في القديم القاصدين لباردو، أين كانوا يغسلون الشاحنات وصناديق الحليب. وباتت العائلات من جهة تقصد المكان للترفيه والاستجمام، وكذا اقتناء الماء من المنابع الطبيعية التي تربَّوا على الشرب منها، موجهين شكرا كبيرا للقائمين على شؤون الحديقة والمقاولة لمنح العناية اللازمة لهذه العيون، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ المدينة القديم. كما يستغلُّ محفوظ، ابن مدينة تيزي وزو، وهو الرأس المدبر والمحوري في إبقاء حوالي 12 هكتارا من النباتات والعشب الطبيعي وأشجار الزينة والفواكه مخضرة، الماء الزائد في السقي وإرواء عطش النباتات، رغم صعوبة المهمة منذ قدومه العام 2014 إلى الحديقة، مطالبا مواطني قسنطينةوالولايات المجاورة القاصدين للمكان احترام البيئة والتقيد بشروط النظافة والاعتناء بالحديقة لأنها متنفس نادر على مستوى الجزائر. بالرغم من تصنيف حديقة باردو النباتية البيداغوجية، معلما باهرا وجذابا بالجزائر لتربعه على مساحة 65 هكتارا، واحتضانه لتنوع بيولوجي نباتي فريد من نوعه، إلا أن جملة نقائص قد تحول دون مواصلة الإنجاز على أكمل وجه، خاصة انزلاق التربة أسفل واد الرمال جراء الأشغال القائمة على مستوى النفق أسفل الجسر العملاق، زيادة على تخريب الممتلكات من قبل قاصديه، وهو ما يستلزم حسب محدثينا رفع عدد أعوان الحراسة المعينين من قبل مؤسسة «إيديفكو»، الذين لا يتعدى عددهم ثمانية، والدعم بأعوان من الأمن الوطني.