الليلة الأخيرة كانت الأكثر وقعا أسدل الستار أول أمس على فعاليات أيام المالوف بقسنطينة بعد عشرة ليالي من الأفراح الملاح عاشها جمهور المسرح الجهوي في جو الطرب الأندلسي وحضرت كل الطبوع المغاربية التي استلهمت من نوبات زرياب أروع الإيقاعات فأضفت على مدينة سيرتا أجواء مخملية من تلك التي أحيتها بلاد الأندلس الليلة الأخيرة كانت عبارة عن مزج للأرواح كما وصفها الفنان بلخوجة رئيس جوق تلمسان بألتقاء المالوف والصنعة والغرناطية في قعدة واحدة حيث أدى الثلاثي سليم فرقاني وسعودي نور الدين ومريم بن علال، بعض المقطوعات الغنائية في شكل لوحة موسيقية ممزوجة بالطبوع الثلاث المتداولة في الشرق والغرب والوسط والمقطوعة كانت بعنوان "حرمت بك نعاسي" وهي مسك الختام لهذه الأيام. وأروع اللحظات، كانت تلك اللحظات التي وقف فيها على ركح المسرح ممثلوء المدارس الثلاثة تحت خيمة الإيقاع الأندلسي، عميد الفنانين القسنطينيين الحاج محمد الطاهر فرقاني والشيخ درسوني واللذان اعتبرا المبادرة نموذجا حيا للتعاون بين فناني المدارس الثلاثة كما أنها تأكيد على عزم اهل الفن للحفاظ على هذا التراث. الجزء الأول من السهرة كان عاصميا بامتياز حيث شنف المطرب نور الدين سعودي أسماع الحضور بنوبة عاصمية من طبع الساحلي جالت بعشاق الطرب الأندلسي في رحاب المقامات بلوحة جمالية بعثت الدفء داخل القاعة التي غصت عن آخرها بجمهور توافد بكثرة لمعايشة وقائع الليلة الأخيرة التي رن فيها العود ودندن الطار وصرح الجواق، والقانون فوق الجميع ليوزع موسيقاه بين (آلا لاجيين) الذين أبدعوا وامتعوا بمعزوفاتهم الموسيقية. وكانت إبنة تلمسان الفنانة مريام بن علال نجمة هذه السهرة حيث أستوحت من انصراف رمل الماية (مال حبيبي مالو) ومقطع عروبي تلمساني (ياضو عياني) (يا القمري) وقالت أن أهل الاندلس يفهمون بالإشارة فتركت، انطباعا جميلا وسط الساهرين الذين تجاوبوا مع أدائها حيث كانت تقاطع بالتصفيق إعجابا وأعترافا بموهبة هذه الفنانة التي أقتحمت ميدان الفن سنة 1998 بتأسيسها لجوق تلمسان الذي كان سفير الغرناطية داخل الوطن وخارجه وخصص الجزء الأخير من السهرة للمالوف القسنطيني حيث أبدع المطرب سليم فرقاني بنوبة المايا في مقطوعة "ليالي سرور" تبعها بزجل "الورد في حلة ذكية) ومعلوم ان الطبع القسنطيني يتميز بخفة إيقاعاته وهذه الميزة تجعله محل أهتمام الدارسين والمختصين في مجال الموسيقى. للإشارة فإن الحفل كان أيضا مناسبة لتكريم الفرق الثلاثة التي توالت على الركح في أختتام فعاليات أيام المالوف حيث منحت لهم شهادات شرفية.