شهدت ضفاف واديي الرمال وبومرزوق، على مستوى مدينة قسنطينة، تغيرا جذريا، و تحوّل محيطها من مشاهد غير لائقة، إلى مناظر تسر الناظرين، بعد أن هيئت و جهزت بممرات للمشي و ممارسة الرياضة، و بمقاعد للجلوس، كما زينت جوانبها بالعشب الطبيعي، غير أنها بقيت أماكن خالية، لا يقصدها المواطنون للنزهة أو الاسترخاء إلا نادرا، و ذلك لعدة أسباب، على غرار الصورة النمطية المشكلة عن محيط الوديان و عدم توفر أماكن للركن. و قد تحول محيط واديي بومرزوق و الرمال، و اللذين يمتدان على مسافة تزيد عن 12 كيلومترا داخل إقليم بلدية قسنطينة، من أماكن تنتشر بها الأوساخ و القمامة و ترمى بها الردوم و المخلفات، و تحيط بها المناظر غير اللائقة، إلى فضاءات جميلة، فقد أصبحت بعد خضوعها للتهيئة التي مست معظم أجزاء الواديين، و وصلت في الوقت الحالي، لمراحلها الأخيرة، إلى أماكن تضفي جمالا على قسنطينة، أينما وقعت عيون الناظرين إليها. من يتجول على ضفاف الواديين المهيئين من قبل مؤسسة أجنبية «كورية جنوبية»، يدرك أن التهيئة التي خضعا لها، جاءت بصورة جديدة لم يتعود عليها المواطن الجزائري، إذ أن مجريي الواديين أصبحا متناسقين، و بالإضافة إلى أن الحواف الإسمنتية التي تنساب بينها المياه، تحمي المدينة من خطر الفيضانات، فإنها تؤمن المتجولين على الضفاف ، من خطر الانزلاق، أو التعرض للمياه أو الأوحال و الأتربة، و ذلك بعد أن أنجزت ممرات مخصصة للمشي، على أرضية من الخرسانة و الإسفلت، و هي واسعة في معظم أجزائها، بحيث تتسع لممارسة رياضة الجري، و حتى لركوب الدراجات الهوائية، التي وضعت حواجز معدنية مخصصة لركنها. كما تم تركيب كراس معدنية جميلة مخصصة للجلوس و الاسترخاء، مقابل مجرى الواديين، بالإضافة إلى وضع شبابيك معدنية، لتزيين بعض الأماكن و منع سقوط الأطفال داخل الواديين، و ذلك على امتداد الضفاف المخصصة للتنزه، و نصب ممرات حديدية أيضا، لتسهيل مرور الراجلين، خاصة في الأماكن القريبة من السكان، على غرار حيي «شعاب الرصاص» و «بومرزق» و اللذين يفصل بينهما الوادي، بالإضافة إلى توفير الإنارة بأعمدة كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية، أما أكثر ما يجذب الأنظار فهو الاخضرار المحيط بالواديين ، اللذين أحيطت جوانبهما بعشب طبيعي مخضر على الدوام، و من الواضح أنه أنجز بإتقان، كما يتم الاعتناء به بصفة دائمة. انتشار القمامة والأتربة على الممرات المهيأة على مستوى هذين الحيين، لم يعتد السكان على المنظر الجديد لوادي بومرزوق، الذي لا يبعد عن الواجهات الخلفية الباهتة للمساكن، سوى بضعة أمتار، و بالرغم من أن المكان بات مهيأ للتنزه و الاسترخاء أكثر من أي وقت سابق، غير أن ضفاف الوادي تبدو في غالب الأحيان خالية من الراجلين، و هو ما لاحظناه من خلال زيارتنا للمكان في مناسبات مختلفة و في أوقات متباينة، و حتى الأطفال لم نجدهم يلعبون في المكان، رغم توفر مساحات مناسبة لركوب الدراجات على سبيل المثال. في مكان آخر و على مقربة من حي «بيدي لويزة» حيث خضع الوادي للتهيئة أيضا، لم يتغير الوضع أيضا، فضفاف الوادي التي تغيرت إلى الأحسن، لم تستقطب إليها الزوار، و حتى السكان المجاورين، للتجول أو التنزه و الاسترخاء على العشب، فكلما مررنا بالمكان لاحظنا خلوه من أية حركة، رغم سهولة الوصول إليه عبر سلالم أنجزت خصيصا لذلك، و نفس الأمر تقريبا في الجهة المقابلة، و التي لا تبعد كثيرا عن هذا المكان، و ذلك على مقربة من الطريق المؤدي إلى جامعة منتوري و كذا قطب التبادل «بالما»، و حي «كوحيل لخضر» المعروف «بجنان الزيتون»، و رغم الكثافة السكانية الموجودة بهذه المنطقة، غير أن المواطنين هناك لم يشرعوا بعد في زيارة المكان و التجول في أرجائه، رغم مرور فترة غير قصيرة على اكتمال تهيئته، و قد لاحظنا ذات الأمر في أماكن أخرى على غرار الحديقة الحضرية بحي رحماني عاشور «باردو». و لا يمكن للمتجول على ضفاف الواديين أن لا يلاحظ الكم الهائل من النفايات الملقاة داخل مجراهما، إضافة إلى أن المياه لا تزال ملوثة، كما أن الكثير من الأوساخ ملقاة على الأرض، مثل علب الطعام و التبغ و كذا الأكياس البلاستيكية، رغم توفر حاويات صغيرة مخصصة للرمي، و قد اجتاحت الأتربة بعض أجزاء الممرات المخصصة للمشي، ما قد يعيق حركة الراجلين، خاصة مع تساقط الأمطار، أين تتحول إلى أوحال. و قد حاولنا معرفة سبب امتناع الناس عن زيارة الضفاف المهيأة لواديي الرمال و بومرزوق، و ذلك من خلال سؤال مواطنين من سكان الأحياء المجاورة لها، و قد أجمع كل من سألناهم، بأن ضفاف الواديين هي أماكن معزولة و بعيدة عن الأنظار و ينقص بها الأمن، و من غير المنطقي حسبهم التجول بها على انفراد أو برفقة العائلة، خشية التعرض للسرقة و الاعتداءات، خاصة أنها أماكن يقصدها، حسب محدثينا، المنحرفون من أجل شرب الخمر و تعاطي المخدرات، و قد طالب جميع من تحدثنا إليهم، بتخصيص دوريات راجلة للشرطة من أجل تحسيس المواطنين بأن هذه الأماكن آمنة، فيما أوضح مواطنون يقطنون بأحياء بعيدة، بأنهم لا يجدون أماكن لركن سياراتهم، من أجل التوجه للتنزه على حواف هذين الواديين. و للإشارة فإن مشروع تهيئة الواديين كان قد انطلق رسميا في بداية شهر نوفمبر من سنة 2014، حيث أسند الشطر الأكبر منه لشركة «دايو» الكورية الجنوبية، فيما تكفلت مؤسسات جزائرية بإنجاز أجزاء صغيرة من الأشغال، و ذلك بتكلفة إجمالية بلغت حوالي 30 مليار دج، مع العلم أن المشروع قد شارف على الانتهاء، و بات في مراحله الأخيرة، حيث لم تتبق سوى مسافة صغيرة من مجرى الوادي، لا تتعدى 1 كيلومتر، على مستوى المنطقة الصناعية «بالما».