لم تعد مباني المدينة القديمة بسكيكدة و حتى سكنات حي الأقواس «ليزاركاد» آمنة، حيث بات الخوف و الرعب يلازم قاطنيها منذ سنوات، نتيجة للوضع الكارثي لهذه البنايات الهشة التي بلغت حالة متقدمة من الخطورة، لدرجة أنه أصبح يطلق عليها «مدينة الموت»، بعد أن أودت الانهيارات بحياة مواطنين و أدت إلى إصابة العشرات، و هي وضعية تطلبت الشروع في ترحيل العائلات شهر جويلية الماضي، فيما لا تزال أخرى تنتظر دورها. بالمقابل، يسير مشروع ترميم حي الأقواس بسرعة السلحفاة بسبب مشاكل تقنية بحسب ديوان «أوبيجي». الزائر للمدينة القديمة بسكيكدة، يصاب بالذهول و الدهشة، ليس لنوعية البنايات التي يعود تاريخها إلى العهد الاستعماري، و إنما عندما يكتشف أن هناك عائلات لا تزال تقطنها رغم الخطر الذي تشكله عليها منازل يظهر للعيان و كأنها تعرضت إلى قصف، و هو وضع جعل الهيئة التقنية لمراقبة البناء، تصنفها في الخانة الحمراء، كما هو الحال في أحياء قدور بليزيدية، بوجمعة لباردي حومة الطليان نابوليتان وغيرها من الأحياء والأزقة بالمدينة القديمة، التي أصبحت تصبح وتمسي على أصوات منبهات سيارات الإسعاف لإجلاء المصابين، جراء الانهيارات المتتالية للأسقف و الجدران و السلالم و أنت تتجول بالمدينة القديمة تستوقفك المئات من المنازل و المباني، التي يخشى الزائر حتى المرور بجوارها، نتيجة لما بلغته من تدهور. هنا تشعر بأن لكل بناية حكاية و ألف حكاية، حيث تشاهد شبابا و حتى شيوخا يتخذون من بعض زوايا الأزقة الضيقة مكانا لقضاء الوقت، يتجاذبون أطراف الحديث و كلهم أمل في غد مشرق يخلصهم مما باتوا يطلقون عليه «عذاب القبر»، كناية عن المعاناة الكبيرة التي يلاقونها داخل بيوت هشة يشبّهونها بالقبور نتيجة لتدهورها و خطورتها و عدم صلاحيتها للسكن. «حومة الطليان» هي أشهر الأحياء بهذه المدينة نسبة للإيطاليين الذين كانوا يقيمون بها في الحقبة الاستعمارية، فالزائر للحي، يخيل له بأنه يتجول في منطقة مهجورة، بحكم أن البنايات تبدو للوهلة الأولى قديمة و غير صالحة تماما للإقامة، فلا يصدق عاقل بأنها آهلة بالسكان لولا الحركة القليلة لبعض العائلات، أو الألبسة الموجودة على الشرفات أو النوافذ. و نحن نتجول بين أزقة الحي، لمحنا مجموعة من الشباب تراقب تحركاتنا، اقتربنا منهم فقالوا لنا بأنهم كانوا يعتقدون بأننا من البلدية أو الدائرة أو الولاية و مصالح الهيئة التقنية لمراقبة البنايات، و بعد أن كشفنا عن هويتنا، رحبوا بنا و ألحوا علينا بالدخول إلى منازلهم و معاينة الوضع الذي يعيشونه. و بمجرد ولوج أول منزل في الطابق الأول، استوقفتنا امرأة في الستين من العمر، شرعت مباشرة في سرد المعاناة بطريقة توحي و كأنها تعيش آخر لحظات حياتها، حيث أكدت في أسى، أنها قضت حياتها في هذا المنزل منذ أن كانت شابة، فذاقت مرارة الحياة داخل منزل يفتقر لأدنى شروط العيش الكريم. «نُقيم في دهليز و الأيام تمر علينا كأنها سنوات» و شبهت المتحدثة البناية بالدهليز و قالت بأن المقيمين فيه تمر أيامهم كأنها سنوات، بالنظر إلى الخطر الذي يحدق بهم من كل ناحية، نتيجة التدهور الفظيع الذي مس سكناتهم بسبب هشاشتها، حيث لم تعد تصمد لا سيما في فصل الشتاء، أين يغيب عنهم النوم و يقضون ليال بيضاء بل و يحرسون أبناءهم من أي مكروه قد يحصل لهم، جراء الانهيارات التي تحدث من حين لآخر على مستوى الأسقف و الشرفات و السلالم. و على بعد أمتار توجد عمارة أخرى بحي بن بولعيد أمام مقر المحكمة القديمة، في وضعية مشابهة شهدت في السابع من أفريل الفارط حادثة سقوط سقف منزل، ما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة، نجوا بأعجوبة من الموت، ما استدعى تدخل الحماية لتحويلهم إلى المستشفى. الزائر للعمارة يدرك من الوهلة الأولى بأنها غير صالحة للإسكان، انطلاقا من السلالم الخشبية المهترئة، فما بالك أن تلج أقدامك الغرف التي توجد حسب ما وقفنا عليه، في وضعية مزرية، ما يجعلك تحس و كأنها بناية مهجورة لولا الضجيج الذي تسمعه من حين لآخر. السكان الذين تحدثوا بمرارة كبيرة عن يومياتهم التي يطبعها هاجس الخوف المسيطر على نفسياتهم منذ سنوات، يقولون إنهم صاروا محرومين من طعم النوم خوفا على حياة أبنائهم قبل كل شيء، مناشدين السلطات الولائية للإسراع في ترحيلهم قبل وقوع الكارثة. و أضاف ساكن آخر بأن هذا الوضع حرّم عليهم إقامة الحفلات و الأعراس و حتى استقبال الضيوف، كما حُرم أبناؤهم من اللعب و اللهو أمام البنايات، خوفا من الانهيارات التي قد تودي بحياتهم، في حين أن العديد من سكان هذه البنايات لا سيما كبار السن، يقضون النهار مع عائلاتهم، ليغادروا في المساء للمبيت عن الأهل و الأقارب رفقة الأطفال، تفاديا للمخاطرة بحياتهم. و نحن نغادر الحي، طلب منا أحد المواطنين زيارة منزله، و كم كانت دهشتنا كبيرة عندما اكتشفنا بأنه يعيش في مسكن خيّل لنا أنه تحت الأرض، ناهيك عن الوضعية المتدهورة للجدران و الأسقف و حتى الأرضية مقابل ضيق المساحة. توجهنا بعدها إلى حي لباردي بوجمعة و وقفنا تقريبا على الوضعية نفسها، فالبنايات هنا لا تخلو كل أسبوع من تسجيل الانهيارات، و الكل بالمدينة القديمة لا يزال يتذكر حادث انهيار بناية تقيم فيها عائلة دحمري، قبل سنوات، أين توفيت امرأة و أصيب عدة أشخاص من نفس الأسرة.و لعل الحادثة التي أثارت الفزع و القلق لدى العائلات بالمدينة القديمة، تلك التي أودت بحياة امرأة حامل عندما انهار سقف منزلها العائلي بحي الميزي و نجى طفلاها بأعجوبة من الموت، أين خرج السكان و طالبوا السلطات الولائية بالإسراع في ترحيلهم إلى سكنات آمنة قبل وقوع الكارثة و أبدوا رفضهم الشديد العودة للإقامة فيها. لا وجود للأسقف و استعمال السلالم مغامرة أخرى! و قد أكدت لنا العائلات المقيمة هناك و التي وجدنا أفرادها حينها في حالة نفسية صعبة، على ضرورة إخراجها من البناية، لأن وضعية الشقق لا تحتمل البقاء فيها، قبل أن تستجيب السلطات الولاية بعد أيام من الحادث، بترحيلهم رفقة صاحب المنزل الذي تعرض للانهيار. و غير بعيد عنهم، توجد بناية بحي قدور بليزيدة، تبدو من خلال الواجهة الخارجية أنها جديدة و في وضعية جيدة، لكن بمجرد أن تطأ أقدامك المدخل تفزع للمشاهد المرعبة لمنازل و كأنها تعرضت إلى قصف، حيث لاحظنا سكنات بدون أسقف، تغطيها فقط أجزاء من القرميد بعد انهيار الأسقف المبنية من الجبس. أما رواق السلالم، فالسير فيه يجعل الخوف يتسرب إلى نفسيتك، نظرا لاهترائه و عدم صلاحيته، و يقول بشأنه السكان بأنهم يغامرون يوميا بالسير فيه، ناهيك عن وضعية الغرف التي تشبه إسطبلات و دهاليز تنعدم فيها أبسط شروط الحياة منذ الاستقلال، رغم أن السلطات المحلية المتعاقبة على دراية تامة بالوضع. هذه الصرخة كانت بمثابة الإنذار الذي جعل السلطات الولائية تسارع لإخلاء السكنات من قاطنيها و ترحيلهم إلى سكنات جديدة، الأمر الذي استحسنته العائلات و أزاح عنها هاجس الخوف الذي سيطر عل نفوسها لسنوات طويلة. خواص يتحايلون لكراء بنايات مهددة بالانهيار و فجرت عائلات تقيم بحي قدور بليزيدية ما تسميه فضحية، عندما صرحت لنا بأن ملاك البنايات التي يقيمون فيها، يعمدون لإجراء ترميمات بالمنازل، لإعادة كرائها رغم أنها مصنفة في الخانة الحمراء و آيلة للسقوط و هذا ما يرونه تحايلا على المواطنين.و يقول السكان بأنهم رفضوا الانصياع لطلبات عدد من الملاك، الذين األزموهم بالخروج من المنازل لترميمها، مبررين هذا الرفض بأن البنايات هشة و لا تحتمل أي تدخل حسب ما أكده لهم مختصون في البناء، و بالتالي فقد يجدون أنفسهم في العراء. و ذكر مواطن بالحي، أن غالبية البنايات متلاصقة ببعضها البعض و أي أشغال ترميم و لو كانت بسيطة، ستؤثر لا محالة على بقية السكنات و ربما تنهار على رؤوس قاطنيها و لهذا ذكر لنا، أنه رفض المغامرة حفاظا على حياة أفراد عائلته، رغم أن وضعية البنايات الحالية آيلة للسقوط في أية لحظة. عمارة كازينو.. بناية متهالكة تعانق البحر عمارة كازينو أو ما يطلق عليها سكنات الموت الواقعة بالواجهة البحرية بسطورة، يعود تاريخها إلى العهد الاستعماري، ومن يشاهدها يعتقد بأنها مهجورة لسبب وحيد، هو أن البناية تظهر من الوهلة الأولى بأنها آيلة للسقوط. لما دخلنا العمارة بإلحاح من قاطنيها، كنا نظن بأنه توجد على الأقل بعض الشقق التي تصلح للسكن، لكن و نحن نسير في السلالم، تأكدنا بأننا مخطئون و كدنا أن نعود أدراجنا بسبب درجة الخوف التي انتابتنا، حيث شعرنا حينها بأننا غامرنا بحياتنا، فيما جعلتنا تشجيعات مرافقينا نكمل سيرنا إلى غاية الوصول إلى الشقق التي كانت عبارة عن أطلال و توجد في وضعية مزرية. استغربنا كيف لهؤلاء الأشخاص أن يغامروا بحياتهم، فكانت إجابتهم أن العيش وسط هذا الخطر أهون عليهم من التشرد في الشارع، و قد روى لنا أحدهم، بأن البناية شهدت حادثة انهيار قبل سنوات، أدت إلى إصابة عدة أشخاص، بينهم امرأة حامل، حيث نجوا بأعجوبة من الموت و وعدهم رئيس الدائرة حينها بالترحيل في ظرف أسبوع، لكن الحال انتهي بهم إلى الإقامة في روضة للأطفال بينما فضل البعض الآخر البقاء في العمارة، رغم أنها مصنفة في الخانة الحمراء و صدر في حق السكان قرار بالإخلاء. وبنفس العمارة، لجأ بعض الشباب ممن يعيشون البطالة، إلى كراء المحلات التجارية رغم وضعيتها الكارثية، حيث أكدوا للنصر أنهم يغامرون بحياتهم من أجل لقمة العيش و أشاروا إلى أن البناية و كذا المحلات مهددة بالسقوط، و رغم هذا، فإن النشاط التجاري يعتبر مصدر رزقهم الوحيد، كما أكد أحدهم أنه يضطر للوقوف خارج المتجر كإجراء احتياطي في حالة حدوث انهيار، معتقدا بأن ذلك سيجعله في مأمن عن أي أضرار قد تلحق به. من جهة أخرى، تحتل العديد من المؤسسات و الهيئات العمومية، مقرات و بنايات هشة ضمن النسيج العمراني التابع للمدينة القديمة، على غرار مديريات التشغيل، الصناعات التقليدية، السياحة، المجاهدين و المتحف البلدي، حيث توجد في وضعية كارثية والزائر لها يخيل له أنه في منطقة ريفية. والملاحظ أن سلالم هذه البنايات من الخشب، لذلك فإن الصعود للطوابق العليا يشكل مجازفة غير محمودة العواقب، فكم من مواطن تعرض لحوادث سقوط بسبب هشاشتها، سيما بالنسبة لكبار السن و حتى الشباب، و رغم تحرك السلطات العمومية لانجاز قطب إداري بحي عيسى بوكرمة، لكن الوضع لا يزال مطروحا بالنسبة للعديد من المقرات، كما هو الحال بالنسبة لتلك الخاصة بالأحزاب و المنظمات و الجمعيات المحلية، حيث تعيش الوضعية نفسها. 1.5 مليار دينار لترميمات على شاكلة برشلونة و حظيت المدينة القديمة باهتمام من السلطات الولائية و حتى من قبل الحكومة، لإعادة ترميمها و تأهيلها و لهذا الغرض تم رصد غلاف مالي قدره 1.5 مليار دج لإعداد دراسة تشمل 127 بناية، حيث انطلقت مرحلتها الأولى في سبتمبر 2016، بإسنادها لمكتب «أكيدوس» الاسباني من أجل الترميم على النسق مدينة برشلونة. و مست الدراسة ما يقارب 80 ألف متر مربع من المباني القديمة بالشارع الرئيسي بوسط المدينة ديدوش مراد أو ما يعرف الأقواس (ليزاركاد)، حيث استغرقت العملية 15 شهرا و وصفت بالنموذجية، و قد تم خلالها تقييم مدى تدهور البنايات و تحديد الأسباب قبل التدخل بتقنيات جد متطورة و عالية لترميم الأجزاء الأكثر تضررا. و تمت العملية بالشراكة مع مكتب الدراسات الذي أشرف على ترميم مدينة برشلونة، و قد كان الهدف منها أيضا تمكين المهندسين الجزائريين من التكنولوجيا و الخبرة في هذا المجال، حتى يسهل عليهم تطبيقها و تعميمها لترميم مدن أخرى بالجزائر، وفق بنود الاتفاقية المبرمة بين الطرفين الجزائري و الاسباني. وقد أسفرت الدراسة عن عمليتين، الأولى استعجالية انطلقت الأشغال فيها بهدف القضاء على النقاط الحمراء لحماية البنايات من الانهيار الكلي وتأمين وحماية المواطنين الذين يستغلون حي الأقواس، سواء العائلات أو التجار، أما الثانية، فتتعلق بترميم المباني المذكورة، حيث تم إسنادها لمقاولة مختصة عن طريق مناقصة، وفق دفتر شروط تم إعداده بعناية دقيقة ليأخذ بعين الاعتبار نوعية وحجم المباني. و حسب الاتفاقية المبرمة، فإن الأشغال ستراعى فيها عوامل عديدة، أبرزها المحافظة على النسق الهندسي المعماري القديم لهذه البنايات، فيما سبق للمكلف بمتابعة المشروع بديوان الترقية و التسيير العقاري يوسف سعدون، أن نفى الإشاعات التي تحدثت عن تهديم عدد من البنايات القديمة المعنية بالترميم. تجار يرفضون إخلاء محلاتهم و تعترض المشروع عوائق عديدة، بينها رفض تجار الأقواس إخلاء المحلات حتى يتسنى للمقاولة المختصة الشروع في الأشغال، و ذلك خوفا من بقائهم في بطالة و عدم توفر البديل في الفترة التي تستغرقها أشغال الترميم، فضلا عن تحولهم لممارسة نشاطهم بالمواقع السكنية الجديدة بمعزل عن وسط المدينة و هم الذين كسبوا قاعدة تجارية منذ سنوات طويلة. و رغم عمليات التحسيس و التوعية التي باشرتها مصالح ديوان الترقية و التسيير العقاري «أوبيجي» مع هؤلاء التجار و حتى بعض السكان، إلا أنهم رفضوا إخلاء البنايات. و تحدثت بعض العائلات بنبرة من الاستياء خلال الجولة التي قادتنا لبعض البنايات بحي الأقواس، حيث تطرقت إلى «عيوب» و «نقائص» شابت عملية الترميم من طرف المقاولة المكلفة، و ذلك، حسبها، بسبب انعدام أي تنسيق و اتصال مع السكان، رغم، أنهم اقترحوا على العمال وضع المنازل تحت تصرفهم، حتى يتسنى لهم معاينة الأضرار التي مست البنايات و القيام بالأشغال في ظروف حسنة و تقديم كل التسهيلات لهم، لكنهم رفضوا المقترح، حسب العائلات. سكان ينتقدون الأشغال كما اشتكى السكان من الضجيج المنبعث من الأشغال و كذا الغبار الذي تسرب للمنازل و حتى بعض الانهيارات في أجزاء من الأسقف و الجدران، ما تسبب في إزعاج كبير لهم، لا سيما لدى كبار السن الذين عانوا الأمرين و لم يعد بإمكانهم تحمل الوضع، و هذا ما لمسناه عند امرأة مسنة قاربت الثمانين من العمر و تعاني من مرض الربو. إحدى العائلات طلبت منا الدخول و الوقوف على حجم الأضرار التي تقول إن أشغال الترميم هي سببها، مقارنة بالوضعية التي كانت عليها من قبل، حيث لاحظنا تشققات كبيرة في الغرف و الأسقف و حتى في المرحاض، ما أدى إلى حدوث تسربات مائية لا سيما عند تساقط الأمطار. هذه الوضعية حتمت على صاحبة البيت تثبيت مطرية في أعلى السقف، في مظهر يعكس حجم المعاناة التي تلاقيها العائلات التي تمسي و تصبح على هاجس انهيارات باتت الشغل الشاغل للسكان. وذكرت عائلات، أن هناك بنايات كانت مصنفة في الخانة البرتقالية أصبحت في الخانة الحمراء بعد الترميمات، و المصنفة في الخانة الخضراء صارت في الخانة البرتقالية، فيما حافظت القليل من البنايات على وضعيتها و لم تمسها الأضرار، باعتبار أن الأشغال انطلقت في موضعين فقط، الأول في نهاية الجزء الأيمن بحي الأقواس قرب المسرح الجهوي و الثاني بالمدخل قرب مقر الضمان الاجتماعي. ونحن نتجول برواق الأقواس، لاحظنا مدخل عمارة في وضعية جد خطيرة، ما تطلب من السكان استعمال أعمدة حديدية لمنع انهيار السقف، كما أن المارة ليسوا في مأمن من الأخطار المحدقة بحياتهم، فكم من مرة يتعرضون إلى حوادث جراء سقوط أجزاء من الأسقف على رؤوسهم، نتيجة لقدم وهشاشة البنايات، ما جعل مكتب الدراسات الاسباني يبرمج أشغالا استعجالية لحماية القاطنين و المارة، من خلال وضع ركائز و أعمدة حديدية وقطع من البلاستيك بالشرفات وأخرى خشبية بالأسقف، لكن الوضع حسب السكان لا يزال مخيفا، لا سيما بالنسبة للأطفال الصغار و كبار السن. وقد سجلنا تباينا بين العائلات المقيمة في هذه البنايات، بين مؤيد لفكرة الإسراع في ترحيلها إلى سكنات جديدة وآمنة قبل وقوع الكارثة، وأخرى رافضة للفكرة بحكم أنها ألفت العيش في هذه المنازل، نظرا لموقعها الاستراتيجي بتواجدها في وسط المدينة. وحسب ما علمنا من مصادر مطلعة، فإن العملية الكبرى لا تزال لم تنطلق، حيث أن ديوان الترقية أبرم اتفاقية مع مقاولة لهذا الغرض، مشددا على عدم الوقوع في الأخطاء المسجلة في العملية الأولى، فيما كان والي الولاية درفوف حجري، قد صرح في إجابته على سؤال النصر، بأن حي الأقواس سيخضع لعملية إعادة تأهيل ضخمة، بحكم أن المشروع هام و جاء ضمن المشاريع التي قررتها الحكومة في عدد من ولايات الوطن، فيما سبق له أن أكد خلال إحدى دورات المجلس الشعبي الولائي، بأن رفض أصحاب المحلات هو العائق الوحيد الذي عطل الترميمات. و أوضح الوالي ضمن نفس السياق، بأن الأشغال ستأخذ بعين الاعتبار المحافظة على الهندسة المعمارية لهذا الحي، الذي يعتبر رئة المدينة و واجهة لجمالها العمراني، نافيا تهديم أي بناية، ومناشدا التجار بضرورة اختيار موقع المحلات الجديدة التي سيتم تعويضهم بها، سواء في القطب العمراني الجديد مسيون أو بالزفزاف، دون إعطاء أي تفاصيل أخرى عن المشروع. خبرة ثانية على أزيد من 300 بناية آيلة للسقوط و قد شرعت الهيئة التقنية لمراقبة البنايات للشرق، في عملية واسعة لإعادة انجاز خبرة ثانية بالتنسيق مع البلدية، حيث علمنا من مسؤول مصلحة العمران، بأن العملية مست العمارات الآيلة للسقوط التي شملتها عملية الإحصاء و الخبرة الأولى، التي أنجزت في 2012 من طرف مكتب الدراسات الاسباني «أكيدوس». و تهدف العملية حسب ما علمنا، إلى تحيين هذه الدراسة و تقديمها لمصالح الولاية تحسبا لترحيل المقيمين فيها، حيث تم تقسيم المباني إلى حمراء، متوسطة، برتقالية و خضراء و يتعلق الأمر بأزيد من 300 عمارة، مست الخبرة حوالي 60 منها. تجدر الإشارة، إلى أن العملية جديدة و لا علاقة لها بمشروع إعادة تأهيل حي الأقواس، حيث أن إعادة تحيين الخبرة كان بطلب من مصالح الولاية نظرا للأضرار التي مست المباني مقارنة بالوضعية التي كانت عليها في المرة الأولى سنة 2012. و وعدنا مدير ديوان الترقية والتسيير العقاري، بتقديم كل المعلومات حول مشروع إعادة تأهيل حي الأقواس، لكنه في كل مرة و طيلة خمسة أشهر، كان يتهرب من الرد على اتصالاتنا المتكررة به، كما توجهنا عدة مرات إلى مقر الديوان لملاقاته، غير أنه و في كل مرة يقال لنا بأنه في مهمة بالعاصمة و أحيانا أخرى في اجتماع. ترحيل أزيد من 600 عائلة و وضعت السلطات الولائية برنامجا خاصا يستهدف العائلات المقيمة في البنايات الهشة الآيلة للسقوط بالمدينة القديمة، حيث مست العملية أزيد من 600 أسرة صنفت منازلها ضمن الخانة الحمراء، إذ شرع في ترحيلها في الأسبوع الأول من شهر جويلية كإجراء يهدف إلى تفادي انهيار هذه البنايات الهشة على رؤوس قاطنيها و بالمرة تخليصهم من غبن أزمة السكن. عملية الترحيل استحسنتها العائلات المستفيدة واستقبلتها بفرح وسعادة كبيرتين، غير أنها لقيت استياء من قبل العشرات من الأسر المتبقية التي لم تشملها إعادة الإسكان، حيث حملت في حديثها للنصر، المسؤولية في أي مكروه قد يحدث لها مستقبلا، إلى اللجنة المشرفة على إحصاء المنازل و تصنيفها، مضيفة بأن مساكنها كانت مصنفة في الخانة الحمراء من طرف مصالح الهيئة التقنية لمراقبة البناء، ما جعلها تشرع حينها في جميع أغراضها استعدادا للترحيل، قبل أن تفاجأ بتصنيف المنازل في الخانة البرتقالية، حيث تحدث غير المستفيدين عن «تجاوزات» مطالبين بإيفاد لجنة تحقيق.