كشف رئيس اللجنة الفيدرالية للتحكيم محمد غوتي عن استعداد حكام النخبة للدخول مباشرة في صلب الموضوع، والشروع في إدارة مباريات البطولة المحترفة بمجرد اتخاذ قرار استئناف المنافسة، وأكد في هذا الصدد بأن التوقف الاضطراري، الذي بلغ أسبوعه العاشر تواليا لم يكن له تأثير كبير على تحضيرات الحكام، سواء من الناحية البدنية أو التقنية. حاوره: صالح فرطاس غوتي، وفي حوار خص به النصر، أشار إلى أن أزمة «كوفيد 19»، قد تلقي بظلالها على التعيينات عند استئناف البطولة، ولمح إلى امكانية اللجوء إلى تعيينات بحسب التقسيم الجغرافي، للتقليل من المخاطر التي يشكلها الفيروس على الحكام في تنقلاتهم الطويلة، كما تحدث عن سياسة التشبيب المنتهجة، واعتبرها ناجحة إلى أبعد الحدود. - نستهل هذا الحوار بالاستفسار عن الطريقة التي تعاملتم بها مع الحكام خلال فترة توقف المنافسة؟ الحقيقة أن الأزمة الوبائية الناتجة عن انتشار فيروس كورنا تسببت في شلل كروي عبر العالم برمته، وكل النشاطات الرياضية توقفت بالجزائر منذ منتصف شهر مارس الفارط، لأن مسايرة الإجراءات الوقائية المتخذة أمر حتمي وضروري، وكرة القدم خرجت من دائرة الاهتمام خلال هذه الفترة، مادام الأمر يتعلق بحياة البشر، نتيجة الخطر الكبير الذي يشكله هذا الوباء، والحكام ليسوا بمنأى عن هذه الوضعية، وهم التزموا بالحجر الصحي، لكن توقف البطولة لم يمنعهم من الابتعاد عن أجواء التدريبات، كل حسب ظروفه الخاصة، إلا أننا حاولنا استغلال هذا الظرف الاستثنائي للتواصل معهم عبر مختلف التقنيات التكنولوجية الحديثة، خاصة بالنسبة لحكام النخبة، أذ أن هناك لجان فرعية تابعة للجنة الفيدرالية للتحكيم، عمدت إلى متابعة نشاط الحكام عن بعد، سعيا لتمكينهم من المحافظة على مؤهلاتهم البدنية، وكذا تطوير القدرات النظرية، بمراعاة التعديلات الأخيرة التي أدخلتها الفيفا على قوانين اللعب، هذا فضلا عن العمل على تخليص الحكام نسبيا من الضغوطات النفسية الرهيبة، التي فرضها الفيروس على مختلف شرائح المجتمع، لأن «الروتين» القاتل بلغ الذروة، وممارسة النشاط الرياضي بانتظام خلال التدريبات اليومية، تعد فرصة للابتعاد عن الأجواء الاستثنائية التي أصبحنا نعيشها في حياتنا اليومية. - هل يعني هذا الكلام بأن الحكام جاهزون من جميع الجوانب للعودة إلى الميادين إذا ما تقرر استئناف المنافسة؟ هذا أمر لا نقاش فيه، فمتابعتنا المنتظمة لحكام النخبة كانت بضبط برنامج موحد للتدريبات، لأن اللجنة الفرعية المكلفة بالتحضير البدني تقف على هذا الجانب طيلة الموسم، وتتابع الحصة التدريبية لكل حكم على حدة بتقنية «جي. بي. آس»، وعليه فإن هذه اللجنة ظلت تسهر على متابعة نشاطها، مع إدخال تعديل على برنامج التدريبات، يراعي الظروف الاستثنائية التي نمر بها، لأن الملاعب الرسمية مغلقة، والحكام أصبحوا مجبرين على التدرب على انفراد في الغابات، والمهم لنا هو نجاح الحكام في المحافظة على اللياقة البدنية، والحرص على تجنب الإصابات في التدريبات الفردية، كما أننا أعطينا للجانب التقني حصته من البرنامج الاستثنائي، الذي حرصنا على تطبيقه طيلة فترة الحجر، لأن هذه الفترة تزامنت وكشف الفيفا عن التعديلات الجديدة التي أدخلتها على قوانين اللعب، وكذا التعديل الاستثنائي الذي اتخذته بخصوص عدد التغييرات المرخص بها لكل فريق، في المباريات الرسمية التي تجرى في المرحلة الناتجة عن الأزمة الصحية، وعليه فقد كان تواصل اللجنة الفرعية للتكوين مع الحكام عبر البريد الإلكتروني، وكذا مواقع التواصل الاجتماعي لشرح هذه التعديلات، وكانت هناك مبادرات من بعض أعضاء اللجنة، تمثلت في تنظيم ندوات تكوينية لفائدة حكام النخبة باستعمال تقنية «الفيزيوكونفيرونس»، وقد كان حكامنا محظوظين، لأنهم تلقوا شروحات وافية من طرف مكونين معتمدين على مستوى الفيفا، في صورة الموريسي ليم كي شونغ وكذا المصري عصام عبد الفتاح، وهو الثنائي الذي سبق له زيارة الجزائر، فوافق على المشاركة في تكوين عن بعد لفائدة الحكام الجزائريين، وعليه يمكننا الجزم بأن حكامنا جاهزون للعودة مباشرة إلى أجواء المنافسة، بمجرد اتخاذ القرار من طرف السلطات العليا للبلاد. - وبحكم أنكم من المشاركين في الاجتماع الأخير للمكتب الفيدرالي، فهل تم إدراج سلك التحكيم ضمن النقاط التي يجب الوقوف عندها في مخطط إكمال الموسم؟ موقف المكتب الفيدرالي بشأن هذه القضية كان واضحا منذ البداية، بدليل أننا كنا قد ضبطنا في أواخر أفريل الماضي، خارطة طريق تحسبا لمرحلة ما بعد كورونا، وذلك بمراعاة كل الجوانب التي لها علاقة مباشرة بهذه القضية، بما في ذلك سلك التحكيم، لأن الحكام حلقة أساسية في المنظومة الكروية، كما أن الاستئناف يجب أن يتماشى وهذه المرحلة الحساسة، وقد نجد أنفسنا في التحكيم مجبرين على التعامل مع المعطيات الجديدة، التي تفرضها تطورات الأزمة الوبائية، خاصة تلك المقترنة بالتدابير الوقائية، لأن إدارة الحكام للمباريات تكون مرهونة بإجراءات أخرى مثل النقل، الإيواء والإطعام، والظروف التي تغيرت بسبب انتشار الفيروس، وعليه فإننا مطالبون بأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار في التعيينات عند استئناف البطولة، والعمل على تجنيب الحكام مشاكل في تنقلاتهم، قد يكون لها تأثير على إدارتهم للمقابلات، ومن المحتمل جدا أن نلجأ إلى اعتماد تعيينات حسب التقسيم الجغرافي، للتقليل من درجة خطورة انتقال العدوى. - وما هو انطباعكم حول أداء الحكام هذا الموسم، خاصة بعد المراهنة على بعض الحكام الشبان؟ وضع الثقة في حكام شبان، كان منطلق سياسة العمل التي انتهجناها منذ تولينا تسيير شؤون هذا السلك، رغم أن المهمة لم تكن سهلة، لكنها كانت تتطلب الشجاعة، لأن تحدي رؤساء النوادي بتعيين دفعة جديدة من الحكام الشباب، كان بمثابة مغامرة لم نكن ندرك عواقبها، إلا أننا حاولنا المزج بين الخبرة والطموح، تجسيدا للمخطط الرامي إلى تشبيب قائمة حكام النخبة، وقد منحنا الفرصة للعديد من الشبان لإدارة لقاءات الرابطة المحترفة، في صورة قموح، بن يحي، بوستة، إبرير، آيت عامر، بن جهان وبوترعة، وهؤلاء الحكام سجلوا تواجدهم في مباريات الرابطة الأولى، وكان على كل واحد منهم استغلال الفرصة التي أتيحت له، فكانت نتائج المعاينة الميدانية إيجابية إلى أبعد الحدود، مما جعلنا نكسب الرهان، على اعتبار أن مسؤولي الفرق أصبحوا يطالبون بتعيين حكام شبان، ولو أن هذا النجاح أتاح لنا المزيد من الخيارات في التعيينات، بدليل أن الطاقم الذي يقوده قموح أدار بامتياز «الديربي» العاصمي بين المولودية والاتحاد، وبعد ذلك بأربعة أيام أسندت له مهمة إدارة قمة أخرى بين شباب بلوزداد وشبيبة القبائل، وهذا الحكم الشاب نال تقدير واحترام الجميع بعدما كسب الثقة في النفس والإمكانيات. - وهل لهذه السياسة تأثيرات على قائمة الحكام الدوليين في المستقبل القريب؟ هناك جملة من المعايير، نضبط على ضوئها كل سنة قائمة الحكام المرشحين من طرف الفاف لحمل الشارة الدولية، ومؤشرات النجاح الميداني التي لاحت في الأفق، تحفزنا لمواصلة تطبيق نفس الاستراتيجية، وذلك بالسعي في الاستثمار في الطاقات الشابة التي نتوفر عليها، لأن التركيبة الحالية لقائمة حكام النخبة تفتح باب التفاؤل على مصراعيه، تحسبا لتغيير جذري، بإتاحة الفرصة لدفعة أخرى من الشبان، ونحن قادرون على ضبط قائمة جديدة للحكام المؤهلين لإدارة لقاءات الرابطة المحترفة الأولى، لكن عدم تجاوز المراحل والخطوات ضرورة حتمية، لضمان الانتقال التدريجي من مرحلة إلى أخرى، مع العمل على التشبيب، لأن إثبات الكفاءة الميدانية يجعل الحكم جديرا بانتزاع الشارة الدولية، والصفارة الجزائرية أصبحت بحاجة ماسة إلى تمثيل أفضل على الصعيدين القاري والعالمي، لأننا نمتلك طاقات كبيرة، الاستثمار فيها بعقلانية، كفيل بإعطائنا نتائج أفضل على مستوى قائمة الدوليين، كما أن القائمة الحالية ستعرف اعتزال العديد من الحكام بعد 4 مواسم على أقصى تقدير. - لكن ذلك لم يمنع بعض الأطراف من توجيه انتقادات لاذعة للحكام، فما تعليقكم على ذلك؟ كما سبق وأن قلت، فإن التجسيد الميداني لسياسة التشبيب لا يجب أن يكون دفعة واحدة، بل أن ذلك يتم على مراحل، وهذا لا يعني بأننا لا نضع ثقتنا في باقي حكام النخبة، لأن محاولة المزاوجة بين التشبيب والخبرة، كفيل بالتخفيف من آثار عملية الانتقال من مرحلة إلى أخرى، والانتقادات تبقى «موضة» في البطولة الوطنية على اختلاف مستوياتها، لأن الفشل في تسجيل النتائج الإيجابية، يضع الحكم في قفص الاتهام من طرف رؤساء النوادي، ولو أن الغريب في هذه القضية هو ظهور أطراف لا علاقة لها بالمنافسة، تعمل على استغلال تواجدها المنتظم في «بلاطوهات» بعض القنوات التلفزيونية لتوجيه اتهامات باطلة للحكام، دون الالمام حتى بقوانين اللعب، والمغزى من ذلك البحث عن «الشعبية» أكثر في أوساط المتتبعين للشأن الكروي، وكذا تسويق المادة الاعلامية بمعلومات خاطئة، وهذا على حساب المصداقية، مع محاولة فرض ضغط إضافي على الحكام ولجنة التعيينات على حد سواء، لكن الحقيقة أن هذه «الاستراتيجية» التي تنتهجها بعض القنوات التلفزيونية الخاصة أصبحت مكشوفة، ولم يكن لها أي تأثير على عمل اللجنة المختصة، لأن الإعلام ليس طرفا مباشرا في المعادلة، غير أن بعض الصحفيين أصبحوا ينصبون أنفسهم خبراء في سلك التحكيم، الأمر الذي يؤدي في الكثير من الأحيان إلى مغالطة رؤساء النوادي في قرار معين، وهنا بودي أن أستغل الفرصة لتوضيح شيء مهم. - تفضل.. ما هو؟ قضية التسجيل الصوتي المسرّب التي طفت على السطح مؤخرا، وما فتئت تصنع الحدث في الساحة الكروية الوطنية، جعلت الجميع يتحدث عن الفساد في المنظومة الكروية، وتوجيه كل أصابع الاتهام إلى رؤساء الأندية، مع بقاء الحكام بعيدين عن الاتهامات، وهذا الطرح يخدم مصلحة الحكام، ويؤكد على أن المشاكل التي تتخبط فيها البطولة الجزائرية لا تنحصر في أصحاب الصفارة، بل هي عبارة عن سلسلة طويلة تضم كل الأطراف، وقضية الساعة جعلت الرماح تصوّب نحو مسؤولي الفرق ووكلاء اللاعبين، مادام الحديث المتداول كان قد تمحور حول ترتيب نتائج المباريات، دون أن يتم إدراج الحكام بتاتا في مضمون الحديث، واستعمالهم كورقة لتنفيذ المخطط الذي تم رسمه في «الكواليس»، ولو أن القضية أخذت أبعادا أخرى، بعدما أصحاب المادة الاعلامية الدسمة في منابر القنوات التلفزيونية، لدخول أطراف أخرى لا علاقة لها بالملف في هذا الصراع، سعيا لتصفية حسابات شخصية، وهذا المشهد كان كافيا لحجب الرؤية عن الحكام، بالإسقاط الظرفي والمؤقت للأفعال المشبوهة التي ما فتئت تنسب لهم، وما على من نصبوا أنفسهم أوصياء على شؤون كرة القدم الجزائرية، إلا البحث عن مصدر الداء الذي كان وراء الفساد الذي ظلوا يتحدثون عنه إعلاميا، دون توفرهم على الأدلة المادية القاطعة.