وضع اللاعب الدولي السابق عبد الحميد بهلول، كتلة رؤساء النوادي في خانة المتهمين باعتماد الأساليب، التي أدت إلى تفشي الفساد في المنظومة الكروية الوطنية، وأكد بأن فشل تجربة الاحتراف في الجزائر يبقى أبرز دليل ميداني على صحة كلامه، كما أرجع المهاجم السابق لفريق شبيبة القبائل ذلك إلى فسح المجال أمام «الدخلاء» لاقتحام عالم المستديرة، وانتهاج طرق «مافياوية» في التلاعب بالمال العام، مقابل التضحية باللاعبين والمدربين وحتى المستوى الفني للمنافسة. حاوره: صالح فرطاس ابن مدينة قصر الصبيحي، وفي حوار خص به النصر، أكد بأن تجاهل التكوين والعمل القاعدي يبقى سبب تراجع الأندية، في غياب سياسة مدروسة، كما تحدث عن مغامرته الاحترافية في تونس وحادثة تلقيه الدعوة بالخطأ لحمل ألوان المنتخب التونسي، مقابل تهميشه في الجزائر، وعرج أيضا على فترة «الزمالة» التي كانت له مع بلماضي. *ماهي قراءتك في الوضعية السائدة حاليا في الساحة الكروية الوطنية خاصة بعد كثرة الحديث عن قضايا الفساد؟ هذه القضايا ليست وليدة هذه المرحلة، بل أن الفساد يهز المنظومة الكروية الجزائرية منذ سنوات عديدة، لكن الأمور تجاوزت الخطوط الحمراء في الفترة الأخيرة، وذلك بسبب بلوغ التعفن في المحيط أعلى درجاته، خاصة على مستوى النوادي، التي تحوّلت إلى بؤرة لانتشار الفساد، كنتيجة حتمية للسياسة المنتهجة، لأن عدم سن نصوص قانونية صارمة، تضبط شروط التواجد في منصب الرئاسة، فسح المجال أمام الدخلاء الذين لم يكن تربطهم أي علاقة بعالم كرة القدم، إلا أن ربط النشاط الكروي بالمال، عبّد الطريق أمام هذه الشريحة لاقتحام مجال التسيير، فكانت عواقب هذه الاستراتيجية وخيمة، مما جعل الممارسة الكروية تحيد عن إطارها القانوني، والأندية أصبحت تحت سيطرة «المافيا»، في غياب أي هيكلة من الجانب الرياضي. *يعني هذا الكلام، بأنك تضع رؤساء الفرق في خانة المتهمين في انتشار الفساد؟ الأكيد أن رؤساء النوادي هم الطرف الأبرز في هذه المعادلة، والدليل على ذلك الوضعية التي نعيشها، لأن كل الفرق الناشطة في الرابطة المحترفة تتخبط في مشاكل مالية، وتنتظر إعانات السلطات العمومية، رغم أن قوانين الاحتراف واضحة، وتمنع تحويل أموال الإعانات لشركات الأندية المحترفة، دون تجاهل عامل مهم جدا، يتمثل في انتهاج الرؤساء نفس الطريقة في التسيير، وذلك بالبحث عن النتائج الفورية، وحصر الاهتمام في صنف الأكابر، مقابل التهميش الكلي للفئات الشبانية، لتكون المشاكل المالية أكبر عقبة في منتصف الموسم، بسبب الأخطاء المرتكبة منذ البداية، ولو أن نادي بارادو يبقى الاستثناء الوحيد في الجزائر، لأن الفريق مهيكل من الناحية الإدارية، وسياسة تسييره مبنية على أسس سليمة، بالانطلاق من «الأكاديمية»، مع عدم طفو مشاكل على السطح تخص الجانب المالي، فضلا عن الاعتماد على الشبان الذين يستفيدون من تكوين في النادي، دون اللجوء إلى الاستقدامات بطريقة عشوائية، لأن ملف الاستقدامات يخفي الكثير من التلاعبات. *هل يقترن حديثك عن التلاعبات في الاستقدامات بقضية أجور اللاعبين والمبالغ الخيالية، التي تشهدها سوق الانتقالات؟ قضية الرواتب تبقى من أهم الجوانب التي يسعى أغلب الرؤساء للاستثمار فيها، وتحقيق أغراضهم، ولو أن هذا المجال يجعل دائرة الاتهامات تتسع لتضم أطرافا عديدة، لأن سوق انتقالات اللاعبين أصبحت تتحكم فيها «مافيا» أخرى، استغلت الظرف لفرض منطقها، ويتعلق الأمر بشريحة «الوسطاء»، التي أصبحت تسيّر النوادي بطريقة غير مباشرة، انطلاقا من جلب اللاعبين وفرضهم على الرؤساء، باستغلال تنازل عديد المدربين عن الضمير المهني بسبب الامتياز المالي، لتصل الجرأة حد التدخل في ضبط التشكيلة، ووضع الخطة التكتيكية من طرف كل من «المناجير» والرئيس، وحتى الأطراف المحسوبة على المحيط المقرب، بما في ذلك فئة من ممثلي الأنصار، لتبقى كرة القدم الجزائرية، الخاسر الأكبر من هذه الأساليب «المافياوية»، بينما يجد اللاعب نفسه مجبرا على المشاركة في التحايل، من خلال الامضاء على وثائق في شكل اعتراف منه، يقضي بحصوله على رواتب شهرية، رغم أنه في الواقع لم يتقاضاها، وهذا كله من أجل الحصول على وثيقة التسريح، فضلا عن التلاعب في القيمة الحقيقية التي يتحصل عليها، وهذه التلاعبات كانت من الأسباب الرئيسية، التي أدت إلى ارتفاع أجور اللاعبين وتجاوزها حدود المعقول، لأن هذه الرواتب تعرف اقتطاع أطراف عديدة لحصتها، من المستحقات المتفق عليها مع اللاعب. *وما تعليقك على قضية التسجيل الصوتي المسرّب التي طفت مؤخرا على السطح؟ شخصيا استغربت البعد الاعلامي الكبير التي أخذته هذه القضية، لأننا سجلنا من قبل العديد من القضايا المشابهة في مواسم سابقة، وهناك حتى ملفات أخطر، لكنها ظلت رهينة الأدراج، والعقوبات الإدارية المتخذة تبقى مجرد إجراء شكلي، بدليل أن العديد من مسؤولي النوادي يتواجدون تحت طائلة عقوبات صادرة من الرابطة، إلا أنهم يزاولون نشاطهم بصورة عادية، وعليه فإن الاشكال المطروح يتمثل في غياب نصوص قانونية صارمة، للتعامل مع مثل هذه القضايا في شقها الرياضي، واستئصال الفساد لن يكون بمعالجة قضية واحدة، بل يجب الضرب بيد من حديد، وجر المشتبه فيهم إلى العدالة، مع الشطب النهائي من الساحة الرياضية، لأن هذه الأساليب غير الرياضية كانت موجودة في السابق، لكن الاجراءات العقابية المعمول بها، والتي تبقى مخففة، ساهمت في تفاقم الظاهرة، واتسعت لتشمل الرؤساء، «المناجرة» والحكام وحتى مدربين. *تحدثت عن تلاعبات في قضية مستحقات اللاعبين، فهل كان هذا الجانب السبب في كثرة انتقالاتك بين الأندية في مشوارك الكروي؟ كلا... في الفترة التي كنت فيها لاعبا لم يكن المال عصب النشاط الكروي، وكنا نتحصل على علاوات إمضاء رمزية، والوضعية تغيّرت كلية منذ مطلع الألفية الجارية، فأصبح اللاعبون يتحصلون على رواتب بمبالغ مرتفعة جدا، ولا أخفي عليكم بأن انتقالي بين الكثير من الأندية في مشواري الكروي، كان بسبب ميولاتي الشخصية لتغيير الأجواء من موسم لآخر، كما أنني في بعض الأحيان لم أتمكن من التأقلم مع الأجواء التي كنت أعيشها، ولو أنني ندمت كثيرا على هذه الحركية، واعتبرها بمثابة الخطأ الفادح الذي ارتكبته في مسيرتي، لأنني كنت قادرا على تأدية مشوار أفضل لو بقيت في فريق واحد لمدة أطول، إذ أنني بدأت مشواري مع اتحاد الشاوية، ثم لعبت لمولودية قسنطينة موسما واحدا بعد صعودها إلى القسم الأول سنة 1991، والمواسم الثلاث التي قضيتها في مكارم ثليجان، عبّدت لي طريق الاحتراف إلى تونس، من بوابة أمل جربة ثم شبيبة القيروان، ومع ذلك فإن نصيحتي للجيل الحالي من اللاعبين تصبّ في هذا الاطار، وذلك بحثّهم على السعي لضمان الاستقرار في نفس النادي لأطول فترة ممكنة. *لكن هذه «الحركية» لم تمنعك من التألق وكسب ثقة الطاقم الفني الوطني للتواجد مع المنتخب لفترة معيّنة، أليس كذلك؟ حقيقة، فقد حظيت بشرف التواجد مع المنتخب الوطني بعد دورة «كان 2002»، حيث قرر رابح ماجر ضمي إلى التعداد بعد تألقي في شبيبة القبائل، وقد شاركت في 4 تربصات، وسجلت حضوري في المباراة الودية ببلجيكا في ماي 2002، وهي المقابلة التي كانت الأخيرة لماجر مع المنتخب، بعد الحادثة التي وقعت له مع رئيس الفاف، ولو أن استدعائي لتقمص الألوان الوطنية كان جد متأخر، لأنني كنت في تلك الفترة على وشك الاعتزال، بسبب عامل السن، وإنضمامي إلى فريق بحجم شبيبة القبائل، كان الدافع الذي جعل الناخب الوطني يوجه لي الدعوة، رغم أنني كنت قادرا على ضمان تواجدي مع «الخضر» في سنوات سابقة، وهنا بودي أن أكشف عن تفاصيل حادثة طريفة تبقى راسخة في ذهني. *هل لها علاقة بمكانتك في المنتخب؟ ما حز في نفسي أكثر وأبقاني أتساءل عن الأسباب التي قطعت أمامي الطريق للانضمام إلى المنتخب، منذ منتصف أو أواخر تسعينيات الألفية الماضي، هي الخرجة التي قام بها التقني الإيطالي فرانشيسكو سكوليو، الذي وبمجرد تعيينه على رأس المنتخب التونسي بعد مونديال 1998، أدرجني في قائمة اللاعبين المعنيين بالتربص الأول، لأنه كان يعتقد بأنني تونسي الجنسية، خاصة وأنه كان قد تابع عديد مباريات البطولة المحلية، وكنت أنداك، قد صنعت الحدث بألوان شبيبة القيروان، لأنني سجلت 8 أهداف في 12 مباراة شاركت فيها، وكل أهدافي كانت حاسمة، ضد أحسن الأندية التونسية، خاصة الترجي، النادي الإفريقي والنجم الساحلي، والمنتخب الوطني كان حينها قد تراجع كثيرا، لكنني لم أتلق الدعوة بسبب التهميش، بعدما تجاهل مهداوي تألقي اللافت للانتباه في البطولة التونسية، وحتى بعد عودتي إلى أرض الوطن، لأنني قضيت فترة مميزة مع اتحاد عنابة، قبل حط الرحال بشبيبة القبائل. *ولماذا لم يكن هذا البروز كافيا لالتحاقك بأحد أكبر الأندية التونسية؟ الفترة التي قضيتها في القيروان لم تدم سوى نصف موسم، لكنها جعلتني محل اهتمام إدارة الترجي التونسي، حيث تم الاتصال بي، وأشعرني مدرب الشبيبة آنذاك خميس لعبيدي بالعرض، إلا أنني وجدت نفسي مضطرا لتغيير الأجواء ومغادرة تونس، بعد الوعكة الصحية التي تعرضت لها على مستوى الصدر، فانتقلت إلى نادي اتحاد كلباء الإماراتي، قبل العودة إلى الجزائر والإمضاء لاتحاد عنابة، ومع ذلك فإن الأهداف الحاسمة، التي سجلتها مازالت تصنع حديث الأنصار في مدينة القيروان إلى حد الآن، حيث وجهوا لي الدعوة مؤخرا، وأقاموا حفل تكريم على شرفي، اعترافا بما قدمته للفريق في فترة ذهبية، وتم تنظيم استفتاء، اختير على ضوئه هدف سجلته في مرمى حارس الترجي شكري الواعر كأفضل هدف في تاريخ الشبيبة، رغم أنني أحتفظ بذكريات الثنائية التي سجلتها في شباك النادي الإفريقي، والمكانة التي مازالت أحظى بها في مدينة القيروان، وباقي الأندية التي لعبت لها تبقى أبرز مكسب في مشواري. *ألم تتح لك الفرصة للتواجد إلى جانب بلماضي في الفترة التي تقمصت فيها الألوان الوطنية؟ بلماضي شارك معنا في تربص واحد في تلك الفترة، وكان ذلك في المعسكر الذي أجريناه تحسبا للمقابلة الودية ضد بلجيكا، حيث كان عدد محترفي المنتخب قليل بالمقارنة مع الوضع الحالي، وماجر كان قد فضل تخصيص 3 تربصات للعناصر المحلية فقط، ومع ذلك فإن محطة بلجيكا سمحت لنا باكتشاف الشخصية القوية لبلماضي، لأنه كان فعلا بمثابة مؤطر المجموعة، ويتواصل مع جميع الزملاء دون أي اشكال أو عقدة، خاصة وأن المنتخب كان في تلك الفترة في مرحلة إعادة بناء، تحسبا لخوض التصفيات المؤهلة إلى «كان 2004»، رغم أن الكرة الجزائرية كانت في ذلك الوقت تتخبط في جملة من المشاكل الداخلية، لكن بلماضي كان بمثابة النموذج للمحترف الحقيقي، وكان يسعى لزرع الروح الإنتصارية لدى كل اللاعبين، بمحاولة إعطاء المزيد من الثقة في النفس والامكانيات لجميع العناصر، دون التمييز بين المحترف والمحلي، وتلك المقومات التي وقفنا عليها في مشواره كلاعب، كانت المؤشر الأولي لنجاحه في عالم التدريب، لأن الأمثلة من هذه العيّنة كثيرة، أمثال زيدان، ديشان، غوارديولا وحتى لامبارد، لأن اللاعب صاحب الشخصية القوية يحافظ على هذه الميزة كمدرب، وما حققه بلماضي في قطر كان مؤشرا أوليا على قيادة النخبة الوطنية نحو بر الأمان، فكان التاج القاري أغلى هدية يقدمها للجزائريين في مرحلة جد حساسة، وهو قادر بفضل قوة الشخصية على كتابة صفحة جديدة في تاريخ الكرة الجزائرية، شريطة ضمان الاستقرار وتوفر الظروف المواتية للعمل.