رجال يبكون و يختفون من البرد في الكهوف في إقليم الاسكيمو بقالمة يعيشون هنا بين الأودية السحيقة و الجبال الصخرية الموحشة منذ مئات السنين حياتهم صراع دائم و مرير مع الجغرافيا المعقدة التي قهرتهم و أجبرت الكثيرين منهم على الهروب من الجحيم و الاستقرار بالمدن والقرى المجاورة ، لم يبق منهم إلا القليل بمشاتي الملعب ، العين الحمراء ، النشم و عين براهم الواقعة بالإقليم الغربي لولاية قالمة على ارتفاع يفوق ال900 متر عن سطح البحر . حيث الشتاء الطويل و الثلوج التي يقولون بأنها بقيت ثلاثة أشهر ذات سنة و أجبرت القوم على الاختباء داخل الأكواخ المبنية بحجارة القرانيت الأزرق و المغطاة بنبات الديس المقاوم لكتل الثلج السميكة و البرد القاسي و موجات الجليد التي تجتاح الإقليم كل شتاء. يشبههم البعض بالإسكيمو لقدرتهم على التكيف مع الظروف المناخية القاسية و صبرهم على العيش بواحدة من أصعب الأقاليم الجبلية النائية بقالمة. النصر عاشت لحظات مؤثرة مع سكان الإقليم الذين قطعوا مسافات طويلة لمقابلة والي الولاية الذي تنقل الى المنطقة يوم الأربعاء لمعاينة مشاريع فك العزلة عن البؤساء المحاصرين منذ أمد بعيد.كانت الطبيعة القاسية في استقبال الوفد الكريم لتذيقه بعض ما يعانيه الرجال هناك درجات حرارة اقتربت من الصفر ، أمطار ، رياح قوية و ضباب يعتلي قمم الجبال الصخرية الشاهقة ثم تبدده الرياح عبر المنخفضات و السهول يتجمع هناك ثم تدفعه التيارات الهوائية المعاكسة الى المرتفعات من جديد إنها بداية الانقلاب الشتوي الكبير بمرتفعات الإقليم الغربي و شاءت الصدف أن يتزامن ذالك مع زيارة الوفد الولائي الذي قرر الذهاب الى أقصى نقطة بالإقليم و هي مرتفعات عين سلطان نقطة تلاقي ثلاثة مشاتي النشم ، الملعب و العين الحمراء و لم تكن المهمة سهلة أغلب السيارات عجزت عن الوصول الى أقصى نقطة بسبب صعوبة المسلك الجبلي الموحل وحدها رباعيات الدفع من قهرت الجغرافيا الصعبة و تمكنت من الوصول الى مقابر الأحياء كان الأهالي في الانتظار منذ ساعات الصباح الأولى كاد الدم أن يتجمد في عروقهم من شدة البرد لكنهم صبروا و بقوا هناك للتحدث مع أصحاب القرار المحلي و إسماع صوتهم المغيب منذ سنوات طويلة كاد خلالها الإقليم أن يتحول الى منطقة تسكنها الأشباح و كائنات الجبال. رجال يبكون و يحلمون بفجر جديد لم يتمالك رجال الملعب أنفسهم و أجهشوا بالبكاء بمجرد وصول الوالي إليهم تقدم كبيرهم وقبل أيدي الوالي بخجل كبير و بكى طويلا دون أن يتكلم رسم صورة مؤثرة و اختصر مشهد المعاناة بدموع حارة سالت من عينيه ثم تجمدت على خديه من شدة البرد احتضنه الوالي و أرسل فيه بعض الطمأنينة و الدفء و طلب منه أن يكون شجاعا لأن السنوات الطويلة من المعاناة توشك على الرحيل و الى غير رجعة نحن هنا من أجلكم يضيف والي الولاية متحدثا لعمي السبتي الذي يعد واحدا من الرجال الذين صمدوا بإقليم الجحيم لكن العزلة التي عمرت طويلا و خنقت دوار الملعب بدأت تنال منه و لم يعد قادرا على السكوت و الانتظار لسنوات أخرى فلم يجد إلا البكاء ليعبر عن مكبوتات داخلية ضلت متراكمة على مدى ثمانين سنة قضاها عمي السبتي بين الجبال و الأودية و السهول و يخشى أن يغادر الى عالم الأبدية دون أن يرى الطريق المعبد يشق الى الملعب و العين الحمراء و النشم و عين براهم. يقول أهالي الملعب بأنه لم يعد يفصلهم عن الطريق الذي تجري به الأشغال حاليا سوى مسافة قصيرة و توسلوا الى والي الولاية كي يشق طريقا الى دوار الملعب و يخلصهم من المعاناة التي عمرت طويلا مؤكدين بأنهم حصلوا على إعانات لبناء مساكن ريفية جديدة لكنهم لم يتمكنوا من إيصال مواد البناء لانعدام الطريق فهم يستعملون مسلكا جبليا صعبا ينقطع تماما مع بداية كل شتاء و أضافوا بأنه و بعد أن وصلت الكهرباء و حصص البناء الريفي و مياه الشرب بدأت حياة سكان الإقليم تتغير بعض الشيء لكن مشكل العزلة مازال يشكل أكبر التحديات التي تواجه سكان المنطقة الذين يعتمدون على الزراعات البسيطة و الأنشطة الرعوية كمصدر أساسي للمعيشة. و يعاني سكان الإقليم أيضا من انعدام التغطية الصحية و التعليم و صعوبة التموين بالمواد الغذائية و أعلاف المواشي خلال فصل الشتاء الذي يمتد على مدى 7 أشهر كاملة. و قد أشار السكان الى أكوام من الرمل و الحصى و الإسمنت بقيت عرضة للأمطار منذ مدة طويلة دون أن يتمكنوا من إيصالها الى المشاتي المعزولة التي حجبتها كتل الضباب هناك خلف التلال و بين الصخور و الكهوف. و بالرغم من حياة البؤس و الشقاء التي يعيشه سكان مرتفعات الغربيةبقالمة إلا أنهم بدوا حالمين بفجر جديد و لم يتوقفوا عن الدعاء بالخير للجزائر التي تحررت بدماء العشرات من الشهداء الذين سقطوا هنا بالإقليم الغربي الذي شهد أبشع المجازر التي ارتكبها القائد الفرنسي لومان خلال الثورة التحريرية الخالدة. كهوف عجيبة تتحول الى ملاذ للهاربين من الشتاء القطبي الطويل يعيش سكان الإقليم الغربي بين سلاسل الجبال الصخرية الحادة التي يقولون بأنها سر بقائهم هناك منذ أمد بعيد يعتقدون بأنها تحميهم من العواصف العاتية التي تضرب المنطقة كل شتاء فهي تشكل حواجز طبيعية كاسرة للرياح القوية التي تهب على المنطقة على مدار السنة كما توجد بها كهوف عجيبة تتحول كل شتاء الى ملاذ لقطعان المواشي و الرعاة الذين يقصدونها للاحتماء من العواصف الثلجية يقولون بأنها تتوفر على الماء ودافئة خلال الشتاء درجة حرارتها مرتفعة تذيب كتل الثلج من حولها و توفر ملاذا آمنا كلما غضبت الطبيعة و غطت الإقليم بطبقة بيضاء تستمر طيلة الشتاء. كهوف غار الجماعة التي تتوسط الإقليم تمثل أيضا إحدى المعالم الأثرية و السياحية النادرة حيث يسعى المشرفون على شؤون الولاية إقامة مرافق سياحية هناك و تهيئة مداخل الكهوف العجيبة التي زارتها بعثات الاستكشاف الأجنبية أكثر من مرة لكنها لم تتمكن من كشف كامل أسرارها و اكتفت بوضع بعض العلامات التي تحذر الزوار من الغوص في الأعماق المظلمة التي يعرفها أهالي الإقليم بأدق التفاصيل فهي تمثل لهم الملاذ الآمن كلما حل الشتاء الى جانب مغارات جبل القرار و جبال طاية التي تقع على الحدود الفاصلة بين بلديتي بوحمدان و الركنية. و قد اكتسب سكان الإقليم خبرة كبيرة في التعامل مع الطبيعة القاصية فهم يحتمون بالكهوف الساخنة و يوفرون كميات كبيرة من الحطب لطهي الطعام و تدفئة المنازل المغطاة بالديس و التي تشبه منازل الإسكيمو الى حد كبير و قد بدأت بعض التغيرات تظهر عليها في السنوات الأخيرة بعد إطلاق برنامج البناء الريفي حيث أقام سكان الإقليم العديد من منازل الخرسانة المسلحة لكنهم لا يبقون فيها خلال الشتاء لأنها شديدة البرودة و تحتاج الى نظام تدفئة فعال و لذا يغادرونها الى بيوت الديس الدافئة كلما حل الشتاء تماما كما تفعل قطعان المواشي التي تعودت على موسم الرحيل الى المغاور والكهوف و غابات بوعربيد التي تمثل مصدر الطاقة للسكان. مشاريع كبيرة لفك العزلة و دعم الاقتصاد الريفي أمام الظروف الصعبة التي يعيشها سكان الإقليم الغربي بقالمة قرر والي الولاية العربي مرزوق إطلاق مشروع كبير لفك العزلة عن المنطقة و ينطلق المشروع الحلم من الولائي 27 الى أقصى نقطة بالإقليم على شطرين الأول يتعلق بتعبيد الطريق البلدي عين تويفزة – دحمون على مسافة تفوق ال5 كلم و الثاني موجه لشق مسلك ريفي يمتد من مشتة دحمون الى العين الحمراء على الحدود مع ولاية سكيكدة و قد وعد والي الولاية بتحويله من مسلك ريفي الى طريق بلدي معبد خلال المرحلة القادمة في انتظار مشاريع أخرى لشق مسالك فرعية نحو التجمعات السكانية البعيدة عن المسلك الريفي الذي توشك به الأشغال على الانتهاء. كما أعطيت تعليمات الى مديرية الزراعة و التنمية الريفية و الغابات لتسجيل المزيد من المشاريع المتعلقة باستصلاح الأراضي و تربية المواشي و زراعة أشجار الزيتون و توفير المياه حيث عبر سكان الإقليم عن ارتياحهم الكبير بعد نهاية الزيارة و وعدوا بتطوير المنطقة و تشجيع النازحين على العودة الى المناطق المهجورة مطالبين بضرورة الإسراع في شق الطرقات و تعبيدها للقضاء النهائي على حياة البؤس و الحرمان التي يعيشها سكان الإقليم الذين ودعونا بالدموع آملين أن تتغير أحوالهم بعد سنوات طويلة من المعاناة.