يفتتح اليوم أزيد من أربعة ألاف مسجد من مساجد الجمهورية العديدة بعد غلق اضطراري ناهز الخمسة أشهر؛ ظلت فيه قلوب روادها معلقة بها تنبض بحبها وتترقب اليوم الذي يعاد فيه فتحها؛ لاسيما وأن الجزائريين كغيرهم من شعوب العالم الإسلامي لم يشهدوا غلقا اضطراريا بهذا الشكل، وسيعانق الجزائريون مجددا بيوت الله تعالى تعلوا أصواتهم بالصلاة والذكر والتسبيح والدعاء لعل الله تعالى يرفع برحمته البلاء ويعود الحال كما كان. لكن؛ في ثنايا هذه العودة ينبغي على المصلين استحضار أمرين مهمين أولهما أن تكون عودتهم بعد نقد ذاتي لعلاقتهم مع المساجد سابقا؛ فيدخلونها هذه المرة في ظل تجديد العهد على الحفاظ على آدابها ومراعاة حرمتها؛ فيتعلمون أنها أماكن عبادة وعلم فقط، جاعلين نصب أعينهم قوله تعالى: ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)) فليست المساجد أماكن سمر أو بيع وشراء أو لغو الحديث، فمن اعتاد على الإخلال ببعض الآداب والوقوع في بعض المخالفات عليه اليوم أن يفتح صفحة جديدة في علاقته مع المسجد حتى يحفظ له مهابته ويكون الغلق درسا له، وثاني الأمور أن يلتزم بالإجراءات الصحية التي واكبت فتوى إعادة فتح المساجد؛ وهذا أمر واجب؛ وذلك حفظا للنفوس من أن يطالها أي أذى أو عدوى، فلا معنى للعودة إلى صلاة الجماعة التي تعد سنة وانتهاك حرمة الأرواح التي يعد حفظها واجبا وضروريا، وكل إخلال بالإجراءات سينجر عنه إثم لصاحبه من حيث كونه سيتسبب في أذى الناس من جهة، وفي احتمال إعادة غلق المساجد مجددا من جهة ثانية، فيكون قد اضر بنفسه وبالمسلمين عموما وجماعتهم، لأنه سيتحمل مسؤولية فردية وجماعية عن ذلك. ع/خ إجراءات ينبغي التزامها للراغبين في الصلة بالمساجد أوصت لجنة الفتوى بضرورة التقيد ببعض الإجراءات الصحية بالمساجد حين فتحها، ومنها: عدم حضور أصحاب الأمراض المزمنة للمسجد والأطفال الصغار، وخضوع الرواد لقياس درجة الحرارة، ودخول كل مصل بالكمامة واصطحابه سجادته الشخصية، والالتزام بتعليمات المنظمين في الدخول والخروج ومكان الصلاة، وترك مسافة 1.5م بين كل مصل، رفع المصاحف و السجادات و الزرابي كل الفرش والسبحات وأحجار التيمم من بهو الصلاة، وفتح المساجد قبل 10 دقائق من الآذان وإقامة الصلاة بعد الأذان مباشرة وعدم تطويل الإمام فيها، وعدم فتح المائضة مهما كان الأمر ووضع محلول مطهر في متناول المصلين. وغيرها من الإجراءات التي تطبق في المساجد التي ستحصل على رخصة الفتح من والي الولاية بعد تقديم طلب مرفق بملف ومحاضر لمختلف المصالح، والحرص على التعقيم قبل وبعد الصلاة، وفي حالة نجاح تجربة فتح المساجد للصلوات الخمس ولم يسجل أي حادث ذي بال فقد تفتح قريبا لصلاة الجمعة ولو بشكل تدريجي أيضا حتى تعود الأمور لنصابها، لاسيما وأمن الجمعة فرض بنص القرآن الكريم. ع/خ فتح المساجد فرصة للعلاج الروحي لآثار أزمة كورنا
تتجه الكثير من الدول الإسلامية لفتح المساجد بعد غلقها زمن وباء كورونا،وقد أقدمت السلطات الجزائرية على اتخاذ قرار الفتح التدريجي مع أخذ الاحتياطات الوقائية، وتحتاج العملية لتجند اللجان الدينية والمتطوعين لإنجاح العودة والبرتوكول الوقائي. هنا سيسير المجتمع أشواطا بعيدة في علاجه الروحي القلبي، في مواجهة كل الضغوطات التي تعرض لها بسبب الوباء، وسيكون للخطاب المسجدي الدور الفعال،كما ألححنا عليه كثير في مقالات ومقامات سابقة، فلكل مجتمع ملامحه وهويته، ومواقفه الثقافية والقيمية اثناء المرض، ولا يخفى علينا الأثر المجتمي والثقافي والديني في علاج الشخص المريض ودور القيم في الصحة المجتمعية والوطنية. وقد أدى الأئمة الدور المتميز في التوعية والنصح ودعم الجيش الأبيض زمن وباء كوروما. مع ترقب لمزيد من الدور الديني الفعال لهم. ليست عملية فتح المساجد زمن الوباء بالعملية السهلة، وليست لحظات الصلاة ورقائقها مع كورونا وأخطاره بالعبادة التي تتجسد من دون أخطار، والأمر بيد الله، ونؤمن بالقضاء والقدر، والمرض والداء والدواء من عند الله، لكن الإيمان لا يغيب العقل أو يلغيه، فعلينا الوقاية وتجنب الزحام، والالتزام بأوامر ونصائح الإمام ومن معه من متطوعين لتنظيم الصلاة، ونطلب من الجميع إحضار الكمامة، السجادة، المعقم، والتباعد الجسدي، عدم التجمع مع الغير، وعدم التزاحم على عربات الخصر والفواكه التي ستعود لبوابات المساجد بالتأكيد؟؟ إنها الفرصة ليمارس الخطاب المسجدي دوره، وهي الخطوة لتقوية الجانب الإيماني ومنح الأمل الروحي للقلوب، زمن الوباء والبلاء، لتجاوز كل الآثار السلبية التي أوهنت القلوب والأجساد، وأحدثت الخلل في المجتمع، فانتشر الطلاق، وعم الانهيار العصبي،وكثر الصراع والإجرام والتقاتل...مع آثار اجتماعية وأخلاقية سلبية عديدة، فيها الرذائل التي تقاتل الفضائل، والآفات التي تحاصر المكارم وقيم التكافل والتعاون...في ظل الفراغ وغياب فرص العمل وتراجع المنظومة الاقتصادية بسبب وباء كورونا. فاللهم اللطف اللطف يا الله، وإن شاء الله ستخرج أمتنا سالمة، وسترفع الدعوات في المساجد وستجدد الصحة الدينية والإيمانية لتقوي مناعتنا الروحية،مع ظهور الخييرين الشرفاء،في كل زمن جزائري، وتواصل التضحيات من الرجال والنساء، في كل مجال خادم للأمة والوطن،واللهم نجنا من البلاء واحفظ وطننا من الوباء، وامنحنا كل سبل الوعي والوقاية والاتحاد لتجاوز المحنة. الجزائريون يعبرون عيد الأضحى بسلام بعد النقاش الكبير الذي استبق عيد الأضحى المبارك؛ الذي تخلى فيه الفقهي والصحي والاجتماعي والاقتصادي؛ حين أبى الكثير من المتخلين تخوفات من بعض الآثار السلبية التي قد تصاحب الشعيرة عموما من ذبح وتغافر وزيارات، من حيث تفاقم عدد الإصابات بكورونا فقد مر العيد بسلام ولم يسجل ارتفاع للأرقام مقارنة بسائر الأيام الماضية والمناسبات، فبعد مرور أسبوعين من العيد بقيت الأرقام المسجلة في حدود الحالات والنسب التي سجلت قبل العيد بأيام أو أسابيع ما يعني أن لا تأثير كبير لشعيرة العيد هذا العام في تفاقم الأرقام. ولئن كانت كل وجهات النظر السابقة محترمة وأصحابها ذوو نيات حسنة بما في ذلك الذين طالبوا من منطلق الحرص على صحة الجزائريين وحياتهم بتعليق عملية الذبح فإن لجنة الفتوى أحسنت فعلا حين عمت إلى الإبقاء على هذه الشعيرة الضاربة في أعماق الذاكرة الجزائرية عبادة وعادة، وضبطها بمجموعة ضوابط حالت دون أي انعكاس سلبي معتبر لها، وهي ضوابط استخلصتها بعد مشورات موسعة مع كل المعنيين، وهذا ما يجعل الجزائريين مطمئنين إلى هذه الجهة مستقبلا؛ حيث لم تنساق خلف دعوات لتعطيل الشعيرة ببساطة؛ دعوات صدرت أحيانا من بعض من عرف عنه التشويش كل مرة على تدين الجزائريين والجرأة على بعض الشعائر؛ على غرار ما روجوه من أن رمضان غير واجب وأن في الحج مظاهر وبقايا الجاهلية وغيرها من المقولات غير المستندة لأي دليل شرعي أو علمي صحيح سوى أن أصحابها لا يروق لهم رؤية الجزائريين متمسكين بالدين بهذا الشكل جيلا بع جيل، فقد فرحت الأسر الجزائرية مع أطفالهم وكباشهم المفضلة بالعيد وجعلوا منه محطة تفاؤل للتمسك بالحياة وإخلاص الدعاء لله تعالى لرفع البلاء. .ع/خ ألف حاج لكن دون حوادث ! كان يفترض أن يحج هذا العام قرابة ثلاثة ملايين حاج بيد أن جائحة كورونا والاحتياطات المتخذة حيالها قلصت العدد إلى ألف حاج فقط، وقد تحسر المسلمون الذين ظهرت أسماؤهم في القرعة عن التأخر الاضطراري عن هذا الموعد الذي بدأوا يحضرون أنفسهم لشد الرحال إليه؛ لكن شاء الله تعالى أمرا آخر. وعلى الرغم من بعض الأصوات المنتقة لمقادر الحصة التي اعتمدتها السعودية هذا العام؛ حيث رآها البعض ضئيلة وكان حسب رأيهم متسع لحجيج أكثر، خلاف ما ذهبت إليه المصالح المنظمة للحج وفق تقديراته ودراساتها، فإن ما يمكن تسجيله هذا العام خلو الحج من أي حادث جرت العادة أن يفتك ببعض الحجيج أو يسبب لهم جروحا؛ لاسيما وقت الزحام؛ وهو ما يدعو للتفكير مستقبلا في التحكم في عدد الحجيج حفظا للأنفس والشعيرة في الآن نفسه؛ لأنه على الرغم من أن السعودية تعتمد نظام حصص يجعل لكل ألف نسمة حاجا إلا أنه عمليا يقترب الرقم من العدد النظري، ما يتسبب في كل عام في حوادث تزهق الأنفس، وليس المقصود بالتحكم في العدد حرمان المسلمين من هكذا فريضة بل المقصود الالتزام بالنسبة المتفق عليها وعدم السماح بأي تسلل سواء من المواطنين أو المقيمين هناك، ما يعني منع تكرار الحج لمن سبق له أداؤه لأنه بالنسبة إليه نافلة فليترك مكانه لأخيه المسلم الذي يؤديه فريضة وله أن يتصدق بماله في أبواب الخير ومصالح المسلمين فهي كثيرة، فالتباهي المبالغ فيه بالحج على حساب حياة المسلمين وأبدانهم أمر غير مقبول، كما يمكن التخلص نهائيا من كل صيغة حج سوى حصة القرعة، سواء تعلق الأمر بحصص الامتياز أو التكريم أو المجاملة أو غيرها، وليبقى الحج شعيرة وفريضة تعبدية بعيدا عن التجارة والسياحة والسياسة والاستثمار؛ حتى لا يخرج عن مقصده الأسمى الذي شرع من أجله.