كشف الفنان حسان كربيش في هذا الحوار مع النصر، أنه استغل فترة الحجر المنزلي و توقف النشاط الفني، في كتابة و تلحين 24 أغنية، موزعة على ثلاثة ألبومات، مشيرا إلى أن الجائحة أثرت على الفنانين و جعلتهم يعانون من نقص المداخيل، كما تحدث عن مستقبل الأغنية الشعبية التي لن تندثر، كما أكد، ما دام هناك جيل صاعد مهتم بها، و ما دام انتشارها لم يعد مقتصرا على العاصمة، بل توسع ليشمل أغلب ولايات الوطن . حاوره : عثمان / ب النصر: هل أديت الأغنية الشعبية وحدها طيلة مسارك الفني أم أنك خضت تجارب مع طبوع أخرى؟ حسان كربيش: أنا من مواليد 1962 ، عايشت مختلف الأجيال من الفنانين ، و خضت عديد التجارب، قبل أن اختار طابعا واحد و أؤديه. التحقت سنة 1969 بالمدرسة الأندلسية الجزائرية الموصلية، و من هناك بدأت مساري الفني. تكويني الأول كان في الطابع الأندلسي، ثم بدأت أميل للشعبي الذي كان منتشرا بقوة في تلك الفترة و كان مسموعا وسط عائلتي. في بداياتي كنت أحيي حفلات الأعراس و الأفراح، ثم اخترت الفن الشعبي و بقيت وفيا له إلى غاية اليوم. في التسعينات التي كانت سنوات قاسية على الفنانين، توقفت عن الغناء، ثم عدت إلى الساحة الفنية مع بداية الألفية الجديدة، أي منذ أزيد من 20 سنة. نفهم من كلامك أنك لم تكتف بالموهبة، بل صقلتها بالتكوين، و الاحتكاك بالمشايخ.. صحيح اهتمامي و شغفي بالفن و الموسيقى رافقني منذ الصغر، فقد بدأت الغناء و أنا في الخامسة من عمري، و صقلت موهبتي بالتكوين في المدرسة الموصلية، ثم هاجرت سنة 1987 إلى أوروبا، و لم يكن ذلك حاجزا أو عائقا في مسيرتي الفنية، بل الهجرة زادت من إصراري على التعريف بفن بلادي و موروثه الغنائي و الترويج له، فواصلت رسالة شيوخ الأغنية الشعبية، الذين كان لي احتكاك بأغلبهم، و أخص بالذكر الحاج الهاشمي قروابي و عبد القادر شاعو و القائمة طويلة.. الملاحظ أن الجيل الحالي من الشباب توجه إلى الأغنية القصيرة و الطبوع الخفيفة لإضفاء لمسة عصرية عليها، ألا تعتقد أن هذا غطى على الأغنية الشعبية الأصيلة التي تعتمد على القصيد ؟ لا أعتقد ، فلكل طابع مقامه، فكما للقصيد قعداته وعبقه الأصيل، للأغنية القصيرة أيضا بريقها و الحتمية التي أوجدتها و استدعت حضورها. أنا أيضا أديت أغان إيقاعية قصيرة و طبوع أخرى، لنقدم هذا الفن في الخارج و نروج له، و نجد من يستمع إليه و يستمتع به، فالأغنية الشعبية موروث فني جزائري و الأغنية القصيرة و (البروالي) تخدم هذا الموروث، باعتبار أن الموسيقى لغة عالمية. أما القصيد فله جلساته الخاصة، و كل يستمع لما يناسب مزاجه، ونحن كفنانين نضع في الحسبان جميع الطبوع في خياراتنا للوصول إلى جميع الفئات من الجمهور. نفهم من كلامك أنكم كفنانين محترفين متخصصين في الأغنية الشعبية، وجدتم أنفسكم أمام حتمية مواكبة إيقاعات العصر، و في نفس الوقت لا بد من الحفاظ على أهم مقومات هذا الطابع، أليس كذلك ؟ نعم فلا يخفى عليكم أن الحفلات، يحتاج فيها الحضور إلى أجواء احتفالية، ففي الأعراس يزيد الطلب على الأغاني القصيرة و الإيقاعية، والموسيقى الخفيفة، خاصة بالنسبة للجيل الجديد، و نحن مرتبطون بالجمهور، لهذا نقدم ما يطلبونه منا، لكن هذا لا يعني أننا سنفرط في القصيد و موروثنا الشعبي الذي يعود إلى قرون مضت. هناك أغان تعود إلى سنة 1890 في هذا الطابع، و لا يمكن أن نتخلى عنه، كما أن الأغاني القصيرة ليست حكرا على الجيل الحالي، بل بدأت مع شيوخ الأغنية الشعبية، مثلا المرحوم الباجي، وهو فنان كبير، و بوجمعة العنقيس و دحمان الحراشي، جميعهم اشتهروا بالأغنية القصيرة، و نفس الشيء بالنسبة لعبد القادر شاعو، و يعود الفضل في أدائهم هذا الطابع للفنان و الملحن الكبير محبوباتي. و هناك أجيال جديدة من الفنانين و الكتاب والملحنين، على غرار ياسين أوعابد و ياسين بورزامة و قدور فراحت و غيرهم، من فناني الجيل الصاعد يمكن أن نعتمد عليهم في الحفاظ على هذا الموروث، كما لا يخفى عليكم أن الاذاعات و وسائل الميديا الحديثة، أصبحت تشترط ألا تتجاوز مدة الأغنية من 03 إلى 04 دقائق، و هذا ما خدم الأغنية القصيرة على حساب القصيد . كان للأغنية الشعبية جيلها الذهبي و لطالما تألقت على يده، لكنها بدأت تتراجع بظهور الأغنية العصرية و أغنية الراي تحديدا، فهل ترى أنها ستصمد ما دام هناك من يهتم بها، أم أن إيصالها للجيل الحالي أصبح صعبا أكثر من أي وقت مضى؟ الأغنية الشعبية لن تندثر، لأنها أغنية العائلة، كما أنها في السابق كانت متمركزة في عنابة و العاصمة، أما اليوم فقد انتشرت عبر مختلف ولايات الوطن، و يوجد فنانون صاعدون يشتغلون بجد، و هم الدعامة المستقبلية للأغنية الشعبية، نراهن عليهم للحفاظ على هذا الموروث. أما الراي، فيبقى طابعا «ريتميا» له مستمعيه و عشاقه و قد انتشر عالميا، لكن شخصيا لا أستطيع سماع الأغنية الرايوية مع العائلة، و أعتقد أن أغنية الشعبي الملتزمة هي الأغنية المناسبة في الأعراس و الأفراح في أجواء عائلية بهيجة و هادئة، هناك اختلاف كبير في الطبوع، و لكل طابع موسيقي مميزاته و عشاقه. يعيش العالم على وقع وباء كورونا المستجد، الذي قلب الكثير من الموازين و أثر على الفنانين من الناحية المادية و النفسية، إلى درجة خروج البعض عن صمتهم و التلويح بالاعتزال والتنديد بمعاناتهم من أوضاع اجتماعية صعبة، كيف أثرت عليكم هذه الجائحة؟ الفنان جزء من المجتمع يتأثر بمن حوله، و لاشك أن تأثير هذه الجائحة على الفنانين قاس و غير متوقع، نظرا لتوقف النشاط. كنا ننتظر فترة الصيف للعمل، و نضبط مواعيد الأعراس و مختلف الحفلات. كنا في سباق مع الوقت لضبط مواعيد السهرات الفنية، لكن في هذا العام، تقلصت كثيرا، بحكم التدابير والإجراءات المتخذة للوقاية من الوباء و الحد من انتشاره. لقد أصبح حضور الفنان يكاد ينحصر على بلاتوهات التلفزيونات و الإذاعات، و المؤكد أن الجائحة غيرت من عادات الفنان اليومية، فأثرت على حالته النفسية. أما من الجانب المادي، فقد تلقينا دعم من وزارة الثقافة، لكن هذا لا يكفي، و من لم يكن له عمل غير الفن، كيف السبيل لتوفير قوت عائلته؟، خاصة و أن المدة طالت و في كل شهر نقول ربما سيختفي الوباء عما قريب، لكنه لا يزال مستمرا. ألا ترى أن الفنان أيضا يتحمل جزءا من المسؤولية عن هذا الوضع، ربما لأنه لم يتخذ جميع الاحتياطات بما فيها امكانية توقفه عن النشاط، و ما قد يترتب عنه من ضرر مادي؟ الفنان عمله مرتبط بالجمهور و السهرات و حفلات الأعراس، و إذا تم تجميد هذه النشاطات، ليس له مصدر دخل آخر، كما قلت هو مرتبط ببرنامج عمل يعد مسبقا لضبط المواعيد، خاصة خلال فترة العطلة الصيفية و موسم الأفراح، لكن الوباء أخلط جميع الأوراق، و لا يخفى على الجميع أن التطور التكنولوجي أدى إلى كساد سوق الأشرطة والأغاني المحمولة في الأقراص المضغوطة ( السي دي) التي ظهرت في ما بعد، ما جعل مداخيل الفنان تقتصر ربما على الحفلات والأفراح، لأن الأغاني أصبحت متداولة على مواقع التواصل ويوتيوب والمواقع المخصصة لتحميل الأغاني، فلم يعد المتلقي يقبل على شراء الألبوم، مادام يجده متوفرا مجانا . هذه إشكالية أخلاقية وقانونية تضر بحقوق المؤلف والفنان ، لكنها واقع ، علينا التعايش معه والبحث عن بدائل لتوفير المداخيل . كتجربة شخصية كيف تعايش فترة الوباء ؟ أنا في الحجر كغيري من المواطنين، ألتزم بإجراءات الوقاية، حرصا على تجنب العدوى و حماية عائلتي و محيطي. كان من المفروض أن أعود إلى مقر إقامتي بفرنسا، لكن الظروف و الإجراءات حتمت علي البقاء بأرض الوطن، و مادام هذا الإجراء وقائي، فليس لدي أي حل سوى التقيد بالتعليمات الاحترازية لحماية نفسي ومن حولي، فهذا الوباء المعدي و لا يقتصر على الجزائريين فقط، بل يشمل العالم كله. ألم تتح لكم هذه الجائحة فرصة لأخذ قسط من الراحة و إعادة ترتيب أموركم و مشواركم الفني، و التفرغ لإنتاج ألبومات و أغان جديدة ؟ أستغل هذه الفرصة في كتابة الأغاني و التنقيب عن ألحان جديدة لإثراء ريبرتوار الأغنية الشعبية، فلا يمكن أن نبقى طيلة فترة الحجر مكتوفي الأيدي بالمنزل، و بما أن العمل متوقف، كان لزاما علينا أن نعيد مراجعة بعض القصائد و البحث عن الجديد . هل من ألبوم جديد سينزل للسوق عما قريب؟ لدي ثلاث ألبومات طور الإعداد، قمت باستغلال فترة توقف العمل بسبب كوفيد 19، لتسجيل أغان جديدة من كلمات و ألحان ياسين بورزامة، في محاولة لاستثمار الوقت الضائع. لقد سجلت 24 أغنية تتطرق لمواضيع متعددة، منها أغاني حول الوالدين و حب الوطن، و كذا أغنية «ابنة بلادي» التي سأطرحها قريبا. أتضرع إلى الله أن يرفع عنا هذا الوباء، و أدعو المواطنين إلى الحذر و الحيطة، دون أن أنسى الترحم على أرواح ضحايا الفيروس، إنه ليس بالأمر السهل لكي نستهين به. للأسف هناك من يقول أن الوباء «غير موجود»، و نشاهد الاكتظاظ ببعض المحلات التجارية و عدم احترام إجراءات الوقاية، و هذه تصرفات غير لائقة، علينا جميعا أن نحترم توصيات الوقاية و بالأخص مطلب التباعد، لتجنب العدوى و نقلها إلى الأهل في المنزل و كبار السن الذين يعاني أغلبهم من أمراض مزمنة و نقص في المناعة، ما يهددهم بالموت.