يقرع مختصون في علم النفس و علم الاجتماع و القانون و الدين، و كذا جمعيات و ناشطات في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ناقوس الخطر، بسبب تزايد جرائم القتل التي تطال النساء و تقترف بطرق وحشية و تتبع بالتنكيل بجثثهن و حرقها، مثلما وقع لكنزة ذات 32 عاما في سطيف، و عشرينية بتمنراست، و شيماء ذات 19 ربيعا ببومرداس، و هذه الجريمة الأخيرة أفاضت الكأس و حركت الرأي العام و دفعت بعض الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة و فنانات و غيرهن، إلى تنظيم وقفات عبر ولايات الوطن و حملات واسعة عبر مواقع التواصل للتنديد بهذه الجرائم و المطالبة بالقصاص، كما عمدت مجموعات نسوية إلى إحصاء الضحايا و جمع معلومات حولهن، تحت شعار «خسرنا وحدة منا»، و من بينها صفحة «فيمينيسيد الجزائر»، التي أحصت منذ بداية السنة الجارية إلى غاية شهر نوفمبر 44 جريمة قتل ضحاياها نساء، في حين كان عدد الضحايا خلال السنة الفارطة 60 ضحية، و ما خفي أعظم، فهناك عديد الجرائم العائلية التي تطمس و لا يتم التبليغ عنها أصلا! ملف: إلهام طالب وذهب البعض إلى ربط الظاهرة، بفترة الحجر المنزلي الطويلة، بسبب تفشي كورونا و تبعاتها من اكتئاب و فراغ و عزلة و مشاكل مادية و اجتماعية، في حين يرى مختصون بأنها امتداد للعنف و الغضب المتجذرين في المجتمع الجزائري منذ الحقبة الاستعمارية و العشرية السوداء، و عقدين من «الحقرة» خلال الحكم السابق للبلاد، و قد تكون بدافع غريزي حيواني محض، فبعد اختطاف بعض الضحايا يتم تعذيبهن و اغتصابهن ثم قتلهن و حرقهن أو تمزيق أجسادهن ، فالملفت أن عديد الجرائم التي تستهدف الجنس اللطيف، تصنف كجرائم عاطفية، أو جرائم شرف، و تسقط في بؤر الطابوهات المسكوت عنها، في حين يختبئ بعض الجناة خلف الأمراض العقلية و النفسية، أو الدوافع المادية، كالحرمان من الميراث، أو السرقة بسبب الفقر و البطالة أو الإدمان على المخدرات. قتل خالته و ضرتها من أجل الميراث في 19 أكتوبر المنصرم، اقتحم شاب في 19 من عمره منزل خالته بحي الجرف في باب الزواربالجزائر العاصمة، و كان يحمل ساطورا و سكينا، و باغت خالته بضربات قوية على رأسها فأرداها قتيلة ، ثم وجه عدة ضربات إلى ضرتها، و هي أيضا قريبته، على مستوى الرقبة، و لاذ بالفرار. الضحية الثانية نقلت إلى المستشفى و بالضبط إلى مصلحة العناية المركزة، لأنها كانت في غيبوبة، و بعد أسبوع توفيت هي أيضا متأثرة بجروحها. و عندما تم القبض على المشتبه فيه من قبل مصالح الأمن في 25 أكتوبر الفارط، اعترف بأنه ارتكب الجريمتين بواسطة خنجر و ساطور من الحجم الكبير، مشيرا إلى أن خالته فقدت زوجها منذ ثلاثة أشهر، و ترك لها إلى جانب المنزل العائلي عدة محلات تجارية، فطلب منها أن تمنحه محلا تجاريا، فرفضت، لأنه ليس وريثه الشرعي. عندئذ نشبت خلافات بينهما، و خطط الشاب للانتقام منها، فقتلها هي و ضرتها. قتل زوجته رميا بالرصاص ثم انتحر! شهدت بلدية المحمل ، شرق مدينة خنشلة ، في 9أكتوبر المنصرم جريمة قتل هزت أركان المنطقة الهادئة، فقد أطلق زوج في 61 من عمره، النار من بندقية صيد، داخل فم زوجته و أم أولاده الأربعة ذات 58 عاما، و أرداها قتيلة، ثم سكب البنزين على جسده و أضرم النار، في محاولة للانتحار، و عندما توجه أعوان الشرطة و الحماية المدنية إلى مكان الحادث، وجدوه على قيد الحياة يعاني من حروق من الدرجة الثالثة، فنقلوه إلى المستشفى للعلاج، و نقلوا المغدورة إلى مصلحة حفظ الجثث، و باشرت الجهات المختصة في التحقيق، و لا تزال أسباب الجريمة مجهولة. ثنائية القتل و الحرق تطال ثلاث نساء خلال عشرة أيام تم العثور في 10 أكتوبر الماضي على جثة متعفنة لفتاة في العقد الثاني من العمر، بضواحي تمنراست، و بين تقرير الطب الشرعي أن قاتلها أحرق كل جزء من جسدها، و تواصل المصالح المختصة تحقيقاتها للكشف عن هوية الفتاة و ملابسات الجريمة. تدخلت مصالح الحماية المدنية في 7 أكتوبر المنصرم من أجل نقل جثة «ب.ك» و هي شابة في ال 32 من عمرها، تقيم بشلغوم العيد بولاية ميلة، إلى مصلحة حفظ الجثث، فاكتشفوا أن الجثة أحرقت، ثم غطيت بعجلات مطاطية بغابة فيض غريب، ببلدية بازر سكرة بالعلمة، شرق سطيف، و بين تقرير الطب الشرعي أنها طعنت على مستوى البطن بخنجر، و تعرضت للحرق على مستوى الوجه لطمس ملامحها. و تقدم شاب في 31 من عمره من بلدية البلاعة بولاية سطيف إلى مصالح الدرك ،بعد ساعات من اكتشاف الجثة، ليدلي بشهادته، حيث قال أنه كان برفقة الضحية، التي كانت تربطه بها علاقة عاطفية، أخبرها أنها انتهت بعد زواجه من أخرى، و كانت في سيارته عندما انتحرت،حسبه، و من هول الصدمة أضرم النار في جثتها و غطاها بعجلات كانت في سيارته، حتى لا يكتشف أمرها. كما تم العثور في 1 أكتوبر على جثة الفتاة شيماء ذات 19ربيعا، القاطنة بالرغاية في العاصمة داخل محطة بنزين مهجورة ، متفحمة ، و بينت التحقيقات أن الضحية قتلت من قبل مغتصبها المسبوق قضائيا، الذي لم يتردد في سكب البنزين و إضرام النار لحرقها. و قد اعترف الجاني بجريمته التي هزت الرأي العام، و أعادت إلى الواجهة الجدل حول إعدام القتلة المختطفين و المغتصبين. ذبح سبعينية و قطع أطرافها و أخفاها في ثلاجة في يوم 11سبتمبر الفارط، تم ذبح السيدة «م. ق»، 75عاما ، في بيتها بحي شعبي بمدينة بوشقوف بولاية قالمة، و لم يكتف الجناة بذلك بل قطعوها إلى أجزاء ووضعوها في ثلاجة مطبخها، و بعد أيام من وقوع الجريمة، زارها أحد أقاربها و هو موظف بمصالح البريد و المواصلات، لتسليمها منحة التقاعد، كما تعود، فاكتشف ما وقع لقريبته. التحقيق في الجريمة، قاد إلى مشتبه بهم من أفراد عائلة الضحية، و يرجح أن الدافع هو السرقة و قد تكون هناك أسباب أخرى لم يتم تحديدها. ذبح زوجته الحامل و جنينها من أكثر الجرائم وحشية خلال شهر أوت الماضي، جريمة قتل مزدوجة لحامل و جنينها في بيت زوجها ببني مسوس بالجزائر العاصمة، ففي يوم 18 أوت نهض الزوج على الخامسة صباحا، و لم يتردد في ذبح زوجته «أ.ق»، 25عاما، الحامل في شهرها الثامن، ثم بقر بطنها و أخرج جنينها و ذبحه.. و قبل هذه الجريمة، و بالضبط في يوم 15أوت الفارط بتيبازة، خطف رجل متزوج و أب لطفلين، في 41 من عمره ، ابنة جيرانه «أ «، 16عاما، و كبلها، لكي لا تلوذ بالفرار، ثم اغتصبها، و بعد أن أشبع غريزته الحيوانية خنقها بكيس بلاستيكي، و تم العثور على جثة الفتاة لاحقا في منزله. في9 أوت وقعت جريمة في إيفليسن بتيزي وزو، لا تزال تطرح عديد التساؤلات، فالضحية «أ.ف» في الثمانين من عمرها و أم لتسعة أبناء، أطلق عليها النار من بندقية صيد أصغر أبنائها، فأرداها قتيلة. و في الفاتح من نفس الشهر، اهتزت قالمة، على وقع جريمة شنيعة أخرى، فقد عمد متقاعد من الجيش إلى إطلاق رصاصتين من سلاحه داخل فم زوجته و أم أبنائه الأربعة، فأرداها قتيلة. ثلاثة شبان يقتلون محامية على حافة الطريق في يوم 7 جويلية الفارط ، تعرضت المحامية الشابة «ي .ط» ،28 عاما، للقتل العمدي على الطريق الرابط بين مدينتي عين بسام و بئر غبالو، و تمكنت أجهزة الأمن من إلقاء القبض على الأشخاص الثلاثة المشتبه فيهم، و تتراوح أعمارهم بين 29 و 32عاما. و في العاشر من نفس الشهر، فتك مجموعة من المجرمين بشابة في ربيعها الثلاثين، و سكبوا على جثتها روح الملح «الأسيد» و تركوها في غابة بمنطقة تيبازة و لاذوا بالفرار. و في 20 جويلية الماضي قام زوج يقيم بقالمة بضرب زوجته «أ» الحامل و أم ابنتيه، ذات 28 ربيعا، ضربا مبرحا كعادته، و لم يشف غليله، فسلط عليها مختلف أشكال التعذيب، ثم قطع أذنها و طعنها بسكين، فلفظت أنفاسها الأخيرة. و في يوم 25 من نفس الشهر، لف شاب من أم البواقي خمارا حول رقبة أخته «أ.ك « 15عاما، و ظل يضغط عليها، حتى ماتت مختنقة، و بعد يومين احتجز شخص في بسكرة امرأة عمرها 61 عاما، و كبلها، و انهال عليها بالضرب المبرح، ثم أزهق روحها. يقتل زوجته و شقيقها و والديها هزت جريمة رباعية اقترفها شرطي، 27عاما ، الرأي العام في يوم جويلية الفارط ، حيث توجه الجاني إلى منزل حماه في حي لاروكاد الشعبي بالمسيلة، على الثامنة و 45 دقيقة صباحا، حيث كانت توجد زوجته إ.ب 25عاما، الحامل في شهرها الخامس و نشب شجار بينهما، و تدخل والدها و وقع تشابك بالأيادي بينهما، فأخرج الشرطي مسدسه و أطلق النار على حماه، و زوجته ، و شقيقها و حماته، فأرداهم قتلى، و اعترف لاحقا بجرائمه. هشم رأس زوجته و أم أبنائه الثمانية بمطرقة! في 19جوان الفارط، قام رجل من سكيكدة بتهشيم رأس زوجته و أم أبنائه بمطرقة، فسقطت أرضا و هي تنزف دما و حسرة، محدقة بعينين دامعتين في وجه قاتلها الذي استأمنته على حياتها، و كل ما تملك، فغدر بها و داس على الرباط المقدس الذي أثمر ثمانية أبناء، و أسلمت الروح إلى بارئها. و قبل ذلك في الرابع من نفس الشهر، عثرت مصالح الأمن بوهران على جثة امرأة قتلت و وريت الثرى، لكن «يا قاتل الروح وين تروح؟!»، و تم العثور بالشلف في يوم 11جوان على جثة فتاة في ربيعها العشرين، تم خنقها بسلك معدني، و في 23 من نفس الشهر، تم العثور على جثة «آ» ، 47عاما، أم لطفلة، بتبسة، و اتضح أن قاتلها سلط عليها كل أنواع التعذيب، قبل أن يضع فوقها طبقة من الإسمنت، لكي يضاعف عذابها و تموت ببطء. راقي يضرب طفلة حتى الموت من ينسى الجريمة التي اقترفها في 27 ماي الفارط بقالمة، راقي أو بالأحرى مشعوذ في حق طفلة في العاشرة من عمرها، فقد ضربها ضربا مبرحا و أحرق جسدها الصغير، مدعيا أنه يقوم بالرقية الشرعية، كما طلب والد القتيلة منه. و بعد يومين أي يوم 29 من نفس الشهر، تم العثور في الشلف على جثة «ع»، ابنة 25 عاما، و بينت التحقيقات أن خمسة رجال قتلوها و ألقوا بجثتها في الشارع. مفك البراغي و القدر البخاري لقتل الزوجات! و في 10ماي الفارط طعن رجل من وهران زوجته القابلة ذات 34 عاما، التي أنجب منها ثلاثة أبناء ، أصغرهم رضيع في الشهر السادس، بمفك براغي، فقتلها بدم بارد، و في تلمسان أطلق زوج النار على زوجته يوم 3 ماي، فأرداها قتيلة. و في العاصمة أطلق يوم 4 أفريل المنصرم شرطي النار على زوجته الشرطية و أم أبنائه الأربعة، فقتلها، و في 14من نفس الشهر، طعن شاب من غليزان أمه الخمسينية في ظهرها، فأزهق روحها. و في يوم 4مارس الماضي، ألقى رجل من ورقلة بقدر بخاري على زوجته ذات 23عاما، فقتلها و تركت أبناءهما الثلاثة يتامى. إ.ط نسويات يؤكدن العنف ضد المرأة سلسلة حلقتها الأخيرة قتلها ! أعربت المناضلة النسوية و النقابية سمية صالحي عن أسفها، لعدم توفر إحصائيات رسمية حول جرائم قتل النساء، مضيفة في حديثها مع النصر، أن ظاهرة قتل النساء عابرة للمجتمعات، و هي موجود في كل الأوساط التي يميزها الطابع الذكوري، و من بينها المجتمع الجزائري المبني على علاقات قوى تهمش المرأة و تتعامل معها تعاملا دونيا، و هذا العنف هو سلسلة حلقاتها غير منقطعة، من الاعتداءات الجسدية و النفسية و الجنسية و الرمزية، التي تبدأ بالإهانة و الشتم و تصل إلى غاية القتل. و ما يطلق عليه جرائم شرف، كما قالت المتحدثة، عبارة عن ذرائع و أعذار يقدمها المجتمع، و كذا مرتكبي جرائم قتل النساء، للتخفيف، في عرفهم، من بشاعة ما اقترفوه، و الغرض منها ، هو استمرارية الهيمنة الذكورية، و غالبا ما تكون النساء ضحايا لإشاعات كاذبة، و هذا من أبشع أنواع العنف، مشددة «المرأة المعنفة غالبا ما تتحول إلى قتيلة، و التسامح الاجتماعي و رخصة التبرير مرفوضين، فالعنف قضية مجتمع و كل فرد معني و مهمتنا التنبيه، و التحسيس و لا نقبل الإحالة على الصمت، و نرفض تبرير العنف و التسامح مع مقترفيه وإفلاتهم من العقاب» . في المقابل أنشأت النسويتان ناريمان مواسي و وئام أوراس، مجموعة «فيمينسيد الجزائر»، في فايسبوك و على موقع ويب، بشكل تطوعي مستقل عن كل جمعية أو منظمة، تحت شعار «خسرنا واحدة منا»، للتصدي لجرائم قتل النساء، موضحتين في حديثهما للنصر، أنهما قررتا تسليط الضوء على الظاهرة و إخضاعها للدراسة و البحث و التحليل. و أضافت الجامعيتان أن الجرائم التي تستهدف النساء منتشرة عبر كافة أنحاء العالم، لكن هناك دول تهتم بها و تتحدث عنها أكثر من أخرى، بفضل مناضلات تدافعن عن حقوق المرأة، فهذا النوع من الجرائم له خصائص ترتبط بالظروف و الوضع الاجتماعي، ما جعلهما تقرران تحديد مدى انتشار هذه الجرائم بمجتمعنا، لجعلها مرئية و بارزة، و بالتالي محاربتها، بشكل فعال. و أكدت المتحدثتان «استعملنا هاشتاغ «خسرنا وحدة منا» من أجل ترك أثر و تأثير عبر مواقع التواصل، و أيضا من أجل الحث على التضامن و توحيد الصفوف من أجل محاربة الظاهرة». و تابعت ناريمان أنها و زميلتها تصطدمان أحيانا بعدم تطابق المعلومات، بل تناقضها، و كذا غياب التفاصيل في الصحف، كاسم و سن الضحية، وظيفتها، وضعيتها الاجتماعية ، و إذا كانت ضحية للعنف قبل قتلها، و إذا كان القاتل زوجها.. إلخ، ما يدفعهما للاتصال بعائلات و محيط الضحايا، فتصطدمان بمشكلة أخرى، ففي معظم الأحيان، كما قالتا، ترفض العائلات التحدث عنها و تعتبرها طابوهات. و ختمت النسويتان حديثهما بالقول «هدفنا هو معالجة قضايا قتل النساء بشكل كامل و شامل، و هذا يبدأ بالاعتراف بأن جرائم قتل النساء بسبب جنسهن، موجودة في الجزائر، و لا بد من التعامل معها من هذا المنطلق، و من ثمة دراسة خصائص هذه الجرائم و الميكانيزمات التي ترتبط بها». إ.ط الدكتورة خديجة سبخاوي أستاذة علم الاجتماع الجنائي بجامعة البليدة 2 الثقافة الذكورية سبب العنف «ترتبط جرائم قتل النساء بثقافة قانونية و اجتماعية تعتبر المرأة أقل مكانة من الرجل، و بالتالي عدد كبير من التشريعات، تعزز دونيتها في المجتمع، و تسمح بمثل هذه الجرائم، و لو بشكل غير مباشر، مثلا قانون العقوبات لا يتدخل عندما يفرض الزوج أو الأخ سيطرته على زوجته أو أخته، و المرأة المعنفة لا تجد من يدافع عنها. عموما لا توجد جريمة قتل فجأة.. إلا إذا كانت المرأة معنفة من قبل. و قانون العقوبات لا يطبق في حالات العنف الأسري و كل الاعتداءات التي تكون خلفيتها الثقافة الذكورية، فالرجل إذا قتل امرأة نجد أن المجتمع يتسامح معه، و يجد له مبررات، و إذا عوقب تكون العقوبات مخففة، بحجة أنه ارتكب جريمة شرف، و أحيانا نجد جريمة دون سبب، نتيجة الغيرة التي ترجع بالأساس إلى التعلق بالطرف الآخر. كما نعلم القانون يبنى على القاعدة الاجتماعية، و قد تحدث تغيرات متلاحقة و عديدة و سريعة في هذه القاعدة الاجتماعية أو البناء الاجتماعي، دون أن يكون لها صدى في القانون، مما يؤدي إلى حدوث حالة تشبه القطيعة بين الجسم الاجتماعي و متطلباته و الجسم القانوني، فتنتج عن ذلك أضرار وخيمة على المجتمع و استقراره و قوانينه، فالجميع، كما يقال، «يغني على ليلاه» وهو ما يحدث بالضبط عندنا، خاصة في الفترة الأخيرة، فالقاتل أصبح يستهين بجريمته، و يجد المجتمع له مبررات. بينما الشريعة الإسلامية تشترط أربعة شهود و القسم، لإثبات أن المرأة خائنة أو زانية، حتى لا تبرر جريمة قتل الرجل للمرأة، على أنها جريمة شرف.. من بين الأسباب هناك أيضا الصراع الثقافي، حينما ترى الأغلبية أن القواعد القانونية أو بعضها، لم تعد تناسب الحياة الاجتماعية و تطورها، و التي صاحبها تطور في النظر إلى القيم الأخلاقية و يستمر هذا الصراع إلى أن يتدخل المشرع الجنائي و يلغي بعض هذه القواعد القانونية لعدم نفعها، فالمجتمع تغير وعلى القواعد القانونية أن تتغير ، فالتناسب طردي، و آن الأوان أن تلغى الثقافة الذكورية و العودة إلى الشريعة و قوانينها الحضارية التي تتماشى مع كل التغيرات و التطورات. إ.ط المحامية و الناشطة الحقوقية فتيحة بغدادي ترعي رجال يضعون أنفسهم في مكان القاضي و المشرع و يطبقون قانون الغاب «الملاحظ أن التراث و الثقافة الشعبية و الأمثلة الرائجة ببلادنا و البلدان العربية تعتبر المرأة رأس الحرباء و مصدر كل المشاكل ، و بالتالي توضع دائما في قفص الاتهام، و قد لاحظت ذلك حتى خلال مرافعات الزملاء، فهي تتعرض للطعن في شرفها و كل أنواع الضغوطات و العنف. و أرى أن العنف المسلط عليها من ترسبات العشرية السوداء، و قد تطور بمرور الزمن و أصبح خارج الإطار الإنساني، فبعد الاعتداء على شرفها، أصبحت تتعرض للقتل بالأسلحة البيضاء و تقطيع جسدها إربا إربا، فهناك حقد دفين انفجر ضد النساء و الأطفال، أضعف المخلوقات، مما يتطلب إجراء دراسات نفسية و سوسيولوجية و بحوث معمقة حول هذا المرض الاجتماعي، لا تترك في الأدراج أو رفوف الجامعات، بل تخرج نتائجها للعلن، مع ضرورة تنظيم حملات تحسيس و توعية، تشارك فيها وسائل الإعلام و المجتمع المدني و المساجد و غيرها. لاحظت أيضا أن بعض الأزواج الجناة يختبئون خلف ما يعرف بجرائم الشرف، و يطبقون قانون الغاب، أي أن القوي يفتك بالضعيف و ينتقم أو يثأر منه، في حين توجد نصوص قانونية تطبق على المرأة التي يثبت اقترافها للخيانة الزوجية، و غيرها من النساء في حال أخطأن أو ظلمن أو أجرمن، كما تضمن حقوق كل أفراد المجتمع، حتى الأجنة في بطون أمهاتهم. وأشير هنا إلى أن الدستور هو القانون الأساسي الذي يترجم في النصوص العضوية و تتطابق معه. المشكل أن بعض البشر أصبحوا لا يحترمون القانون و يضعون أنفسهم مكان المشرع و القاضي و يطبقون قانون الغاب من قتل و تنكيل بالجثث و عقوبة ذلك تصل إلى الإعدام، لكن هذه العقوبة تم تعليقها ببلادنا منذ 1993، لأن الجزائر صادقت على اتفاقية عدم تنفيذ الإعدام، و هذا وضعها أمام التزام أممي دولي، مما يحتم علينا احترام الاتفاقية و الالتزام بها، و عدم تنفيذ عقوبة الإعدام، خاصة و أن الحق في الحياة ، حق دستوري أي يكفله الدستور. أعتقد أن ذلك زاد من جرائم قتل الأطفال و كذا قتل النساء و حتى حرقهن و التنكيل بجثثهن، عبر مختلف أنحاء الوطن، فالجاني عادة يصدر في حقه حكم بالسجن المؤبد و يقضي في الغالب 20 عاما في السجن و يطلق سراحه. في المقابل ترسانة القوانين الجزائرية تحمي كل أفراد المجتمع، حتى الأجنة في بطون أمهاتها، و قد استفادت المرأة من التعديلات الأخيرة في قانون العقوبات، لحمايتها من كل من تسول له نفسه المس بشرفها و كرامتها و كيانها و تعنيفها، لكن هذه القوانين و تشديد العقوبات لم يوقف تطور الإجرام الذي يستهدفها بكل وحشية من قبل الرجال». إ.ط الدكتور نور الدين مزهود أستاذ علم النفس بجامعة قسنطينة 2 مجتمعنا الذكوري «يشرعن» العنف ضد المرأة و يبرر للرجال قتلها « للأسف لا توجد لدينا إحصائيات من مركز مستقل أو من المركز الوطني للإحصاء حول جرائم قتل النساء، لكي نتمكن من مقارنة الإحصائيات مع عينة من السنوات الفارطة نأخذها عشوائيا، حتى نتمكن من الحكم، هل فعلا هذه الجرائم تشكل ظاهرة منتشرة، أم أنها حالات عابرة، بناء على ذلك أقول إن تعرض المرأة للعنف الأسري أو المجتمعي، ليس جديدا في مجتمعنا، و أظن أن ما جعلها تطفو على السطح، هو تطور وسائل الإعلام و الاتصال و سرعة انتشار الأخبار من خلال الأنترنت. عموما هناك عدة دوافع قد تجعل شخصا يقتل زوجته، و من بينها إصابته باضطراب عقلي خطير، و معاناته من هذيانات غيرة ، فيعتقد أنها تخونه. في المقابل هناك عوامل قد تجعل الزوجة محل اتهام، مثل ممارستها لسلوكيات تمس بشرف زوجها، فيرى أن الوسيلة الوحيدة لتطهير شرفه مما لحق به، هو قتلها. كذلك من الأسباب التي قد تؤدي إلى قتل الزوجة أن يكون الرجل تحت وطأة الإدمان على المخدرات أو الحبوب المهلوسة، و بذلك يفقد القدرة على السيطرة و التمييز و كبح النزوات العنيفة، لكن في هذه الحالة يكون القتل غير عمدي، عكس الحالات السابقة التي يتم فيها التخطيط لارتكاب الجريمة. بالنسبة لعلاقة الحجر المنزلي بارتفاع الجرائم ضد المرأة ، فالملاحظ أن الحجر استمر لفترة طويلة، ما أدى إلى انتشار كم كبير من المعلومات غير الصحيحة و الغامضة و المتناقضة حول الوباء، ما جعله يصبح مصدر قلق وضغط نفسي على الناس، و كما هو معروف في استراتيجيات المساعدة النفسية، فهي تعتمد بالدرجة الأولى على التواصل المباشر، و تكثيف الاتصال الاجتماعي و مزاولة النشاطات الترفيهية أو الرياضية، لكن في ظل جائحة كورونا، كل هذه الأشياء ممنوعة، ما جعل الفرد في حالة انعزال اجتماعي و توتر و قلق متصاعد، لا يستطيع صرفه و التخلص منه بمختلف طرق إثبات الذات، من خلال الأنشطة، العمل، والاتصال الاجتماعي. كل هذا يخلف آثارا سلبية على الصحة النفسية والعقلية، خاصة بالنسبة للأفراد ذوي السوابق النفسية، الذين يكونون قد تعرضوا للعنف أو ظروف قاهرة أو حرمان و انقطاع عن وسطهم الأسري و الاجتماعي، لأسباب ما، هؤلاء قد تنفجر لديهم سلوكات عنيفة و حالات مرضية، تستدعي التكفل العاجل، لكي لا تمتد إلى غيرهم، على شكل اعتداء على أفراد الأسرة، سواء الآباء، الأطفال أو الزوجات. و أشير هنا إلى أن في مقدمة الأمراض التي يمكن للمصابين بها قتل الطرف الآخر هي أمراض الذهان، و هذيانات الغيرة المرضية بين الزوجين. كما أن مرضى الفصام أو انفصام الشخصية، الذين يعانون من أعراض الهذيان و أوهام الاضطهاد، يمكن أن يقترفوا جرائم قتل إذا لم يتابعوا العلاج، فقد يقتل هذا النوع من المرضى أخواتهم أو إخوتهم أو أمهاتهم، و قد تابعنا بمستشفى جبل الوحش للأمراض العقلية، حيث عملت17 عاما، كأخصائي نفساني، حالة مريضة مصابة بالفصام قتلت أمها و مريض مصاب بنفس المرض قتل أمه ثم مزق جسدها. مثل هذه الحالات يتم تحويلها عموما إلى مستشفى الأمراض العقلية بوادي العثمانية، ولاية ميلة، ولا يتم إدخالها إلى السجن، لأنها لا تتحمل المسؤولية الجنائية، بسبب مرضها، لكنها تخضع للتقييم العقلي من حين لآخر، و نتائجه تحدد إذا كانت قادرة على تحمل عقوبة السجن، أم تمكث في المستشفى. و أشدد أن الفقر و الجهل من العوامل التي تنمو فيها كل الظواهر السلبية، على غرار احتقار و تعنيف المرأة و حتى قتلها، و كلما كان الوسط الاجتماعي ميسورا و التمدرس سهلا، ساهما في اكتساب المرأة المزيد من الحقوق و الاحترام. من جهة أخرى تؤثر التربية التي يتلقاها الفرد في كنف أسرته على شخصيته و كل جوانب حياته، و أؤكد هنا أن كل المفاهيم والقيم الاجتماعية بمفهومها الواسع، هي نتاج النموذج التربوي ومختلف القيم الأخلاقية التي زرعت في عقولنا، و يمكن تشبيه العملية التربوية بعملية إشراط اجتماعي، فيصعب على الفرد الخروج عن هذه العملية، و بدوره ينشر تلك القيم من خلال تصرفاته اليومية، فالمعروف أن النموذج التربوي الذي يتلقاه الطفل الجزائري ويغرس فيه هو نموذج ذكوري، فيه احتقار للمرأة إلى حد شرعنة استعمال العنف ضدها، و يظهر ذلك من خلال بعض النماذج السلوكية، فالأخ له الحق في التحكم في أخته و مساءلتها و إملاء عليها ما يراه سلوكا مثاليا، كذلك ترسيخ فكرة أن المرأة ضعيفة و قاصرة و عورة ، و على النقيض من ذلك يرى البعض أن المرأة شيطان و هي سبب خراب و فساد المجتمعات. كل هذا المخزون، يصبح بمثابة مرجع لسلوك الفرد الاجتماعي، يمارسه بطريقة لاشعورية، بل أنه يكون تقريبا مرغما على هذا السلوك، باعتباره نموذج السلوك المثالي، وعليه في كثير من الأحيان يمارس الرجل العنف ضد المرأة من هذا المنطلق، و يصل إلى القتل، إذا تعلق الأمر بالشرف، حيث أنه السلوك الأكثر تكيفا مع تلك الوضعيات و يلقى التشجيع من المجتمع، حتى ولو بطريقة غير مباشرة، فعدم ازدراء الجرائم، هو في حد ذاته تعزيز و إبقاء عليها. و ما يسمى بجرائم الشرف، هي من الأسباب المؤدية إلى قتل المرأة، خاصة وأن هذه الجرائم تلقى قبولا اجتماعيا، بل أن المجرم يلقى احتراما و تقديرا اجتماعيا، لأنه استرجع شرفه و شرف أسرته، في نظر محيطه. بالنسبة للمساواة بين الجنسين، للأسف لا يزال مجتمعنا ذكوريا بامتياز، و الرجل يعتبر أحسن من المرأة، لأنه يحمل اسم الأسرة، و مهما بلغت المرأة من تفوّق مهني وعلمي و دراسي، تظل أقل شأنا، ليس لكونها أنثى فقط، بل لأن هذه القيّم راسخة في العقل الباطن و لم تتغير، فمظاهر التقدم و العصرنة و تحرر المرأة، تبقى سطحية و شكلية". إ.ط الدكتور عبد الرحمان خلفة أستاذ بقسم الشريعة والقانون بجامعة الأمير بقسنطينة قتل النساء انتهاك لحرمات الله يستوجب عقوبات دنيوية و آخروية "إن الإقدام على قتل النساء من قبل الرجال بطريقة وحشية يندى لها الجبين، سواء من قبل الأقارب من أزواج أو إخوة أو آباء أو أجانب، يعد إثما كبيرا لا مبرر له شرعا، يستحق صاحبه أشد العقوبات في الدنيا و الآخرة، بغض النظر عن ظروف الاستفزاز التي قد تقترن بالجريمة، لأن ذلك له علاقة بالتخفيف في العقوبة و ليس في الحكم. و أيضا بغض النظر عن موقف المجتمع الذي قد يبرر هذه الجرائم أو يتكتم عنها أو يتواطأ عليها، سواء بداعي الشرف أو بداعي النشوز أو الطمع، لأن هذا يشي بانحراف اجتماعي خطير، لاسيما إن تمادى أكثر حتى يتخذ شكل الظاهرة، حيث يتجاوز القتل دائرة الفتك بالقريبات إلى الفتك بأجنبيات، لا لشيء إلا كرد فعل انتقامي عن انتكاسة عاطفية أو وسوسة، لأن الأمر يتعلق بانتهاك حرمة نفس، قال الله تعالى ((وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ))، وكل المبررات التي يستند إليها هؤلاء لا تندرج ضمن هذا الحق، و الإسلام الذي حرم قتل الأولاد خشية الفقر، حرم قتلهم بما هو دون ذلك. كما أن قتل الأمهات لا تبرره شريعة ولا أخلاق اجتماعية، لأن مقام الوالدين مقام عظيم يستوجب طاعتهما و يحرم كل أذى حسي أو معنوي لهما، قال الله تعالى ((فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا))، ومن تجرأ وأزهق نفس أمه أو نكل بها، فقد كل صفات الإسلام وأخلاق الإنسانية، أما قتل الشقيقات والقريبات من قبل الرجل بدعوى الشرف والمروءة وغيرها، فلا مبرر له شرعا، لأن الشقيق لا سلطان له شرعا على شقيقته، إلا من باب الإحسان والمعروف، و الأعراف الفاسدة هي التي أعطت للشقيق مرتبة الآمر والناهي. و من رأى منها اعوجاجا يقومها بالنصح و الإٍرشاد و ليس بالعنف، ومن استباح دمها، فهو آثم يترتب عليه القصاص كما قرر الفقهاء. أما الزوج وإن كانت له القوامة، فلا مبرر له هو الآخر للإقدام على هذا السلوك المشين، لأن الشريعة وضعت إزاء كل حالة أسرية طارئة ما يناسبها من علاج، فلا يتأتى لأي كان تجاوز ما قررته من إجراءات إلى العنف الذي يفضي إلى إزهاق الأنفس. فإن كان الأمر يتعلق بالنشوز، فلا يجوز للزوج أن يسلك سلوكا عنيفا تجاه زوجته قتلا أو تنكيلا، بل قصارى ما يمكنه القيام به ما ورد من إجراءات في قوله تعالى ((وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ))، والضرب هنا مكروه و ليس واجبا أو مستحبا، كما يلجأ الزوجان للتحكيم الاجتماعي بعد ذلك، أما إن كان الأمر يتعلق بالشرف، فهنا ينبغي التريث واتخاذ الإجراءات التي سطرتها الشريعة الإسلامية. وليعلم الزوج أن للزوجة حقوقا أقرتها الشريعة، فهي ليست أمة أو خادمة، يضربها حيث شاء و يقتلها حين يشاء، أو يتهمها دون دليل، بل لمجرد شك قد يكون ناتجا عن وسواس أو وحي شيطان بشري، وهذا لا يعني رضاه بالذل وقبوله الخيانة، لأن الدفاع عن الشرف ممدوح والاعتزاز به واجب والغيرة على المحارم من صفات المسلم، لكن عليه التحري والتثبت وسلوك الطريق الشرعية حتى يستعيد حقه ويحافظ على أسرته وشرفه، وعلى الزوج ألا ينساق خلف نزواته أو ضغوط الأعراف الاجتماعية في الإقدام على رد فعل سلبي قاتل، لأن الشرع هو الحاكم وليست الأعراف والعادات، وعلى الزوجة أن تكون في مستوى الأمانة حفظا وعفة وظهرا. في ما يتعلق بقتل النساء أو خطفهن من قبل أجانب، تحت أي سبب، فأمر مستنكر شرعا، بل يعد من أقبح الجرائم حتى ألحقه البعض بجرائم الحرابة، لاسيما إن كان قتل غيلة غدرا و تنكيلا". إ.ط طبيب الأمراض العقلية و العصبية نصر الدين تيطاح عدد من قتلة النساء مصابون بالفصام أو جنون العظمة " لا توجد جريمة دون كواليس و أرضية تتطور فيها خلال عدة سنوات، و تضم ما يتعلمه الفرد من النت و الألعاب الإلكترونية التي ترسخ العنف و الانحراف، و كذلك وسائل الإعلام، خاصة القنوات التليفزيونية التي تعرف بأنواع المخدرات و تروج لأنواع الجرائم و طرق ارتكابها و الإفلات من العقوبة، و ذلك قبل بلوغ أغلب المشاهدين سن الرشد و النضج ، إلى جانب نمط التربية و ما يتعلمه الفرد من محيطه من سلوكيات و قيم ، و كذا تفشي ظاهرة التسرب المدرسي و الفراغ، التي أدت إلى تشكيل منحرفين هم مجرمو المستقبل، ما أدى إلى تطور أشكال الإجرام في مجتمعنا، و بروز الجرائم العائلية في الواجهة. و استخلصت من خلال خبرتي المهنية الطويلة، أن الشخص الذي لديه استعداد للسرقة، لا يقصد أي شخص، فشخصية الضحية هي التي"تنادي" أو تجذب اللص، فمثلا إبراز شخص محفظة نقوده و تلعثمه في الكلام، و بروز الخوف في ملامحه و حركاته، عوامل تفتح شهية اللص، كما أن الجاني تكون لديه في معظم الحالات نقاط مشتركة مع الضحية، كروابط القرابة أو تقاسمهما لنفس الهوايات، أو حبهما لنفس الأمكنة أو انجذابهما عاطفيا، لكنهما يصطدمان لاحقا بنقاط اختلاف و خلاف صادمة، مثل الإرث، المال، الشذوذ الجنسي، الدعارة، المخدرات و غيرها، عندئذ قد يفكر من لديه استعداد للقتل في اقترافه بسرعة في مرحلة الإصرار و الترصد، لكنه إذا تردد و اعتراه الشك، يتراجع، كما لاحظت كخبير، أن عديد الفتيات و حتى الفتيان المقتولين، ضحايا زنا الأقارب . كما أشير هنا إلى أن القتلة في الغالب مصابون بالفصام أو البارانويا ، أي جنون العظمة أو جنون الارتياب، فيقتلون، خاصة زوجاتهم، بسبب الشك و الغيرة. و أرى أن من يحرق و ينكل بجثة ضحيته، له سوابق في القتل، ربما يتم اكتشافها خلال التحقيق أو يعترف بها الجاني، و قد يكون قد حاول الانتحار من قبل، و فشل، فهذه الفئة خطيرة جدا، إذا فشلت في الفتك بنفسها، فتكت بالآخرين، دون رحمة. و لاحظت أن هناك من يربط زيادة الإجرام ، خاصة قتل النساء، بالحجر الصحي، لكنني أؤكد أن عواقبه مادية بالنسبة للعمال اليوميين الذين ليس لديهم مداخيل، في حين لا يزال مجتمعنا يحمل رواسب العنف منذ العشرية السوداء. و إذا لم تتوصل بلادنا إلى حلول مسبقة للقضاء على جنوح الأحداث و تعاطي المخدرات، و هما بوابة الإجرام، فستتراوح نسبة المنحرفين في مجتمعنا بين60 و 70 بالمئة بعد 10 سنوات تقريبا، و يكون الانفلات جماعيا و غير مسبوق، و أول حل في نظري هو وضع حد للتسرب المدرسي، و توجيه الراسبين إجباريا إلى مراكز التكوين المهني، بدل تركهم في الشارع، ثم إدماجهم مهنيا. لاحظت أيضا أنه عندما يتم اقتراف جريمة قتل شنيعة ضد امرأة، تتقلص مدة الصدمة عند الرأي العام، فهناك ميل لتبسيط الجريمة و اختلاق الأعذار للجاني، لهذا لابد من تنظيم ملتقيات و حملات تحسيس و توعية متواصلة، بهذا الخصوص، فقد آن الأوان للتخلص من الأنا الجماعي السلبي، و تعويضه بالإيجابي المتوازن"..