في هذا الحوار، تتحدث القاصة والروائية سارة النمس، عن وصول روايتها «جيم» الصادرة عن دار الآداب، إلى مرحلة القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» دورة 2021، وفي ذات السياق عن الجوائز وما يمكن أن تضيفه للكاتب، قائلةً: «من المؤّكد أنّ الجوائز تضيف للكاتب الكثير فهي تسلط الضوء على أعماله وتُلفتُ الاِنتباه إليها، وهي أيضا تُشبهُ ضوء مصباحٍ يدوي في غرفةٍ مظلمة، تُساعد القُراء في العثورِ على أعمالٍ لم ينتبهوا إليها من قبل». حوارتها/ نوّارة لحرش كما تتحدث صاحبة «حب بنكهة جزائرية»، عن روايات الجيل الشاب الّذي تنتمي إليه، إذ ترى أنّها روايات مختلفة ومتنوّعة، فالبعض -حسب قولها دائماَ- يرتكز على الواقعية والبعض الآخر يفضّل الغرائبية أو الواقعية السحرية وهنالك من يتجّه للنبش في التاريخ والكتابةِ عنه. وفي ذات السياق ترى، أنّ كلّ كاتب هو اِبن بيئته وظروفه وزمانه ولكن تبقى التجربة مختلفة من كاتب شاب لآخر. كما تتحدث عن بعض موضوعات روايتها «جيم»، مثل ذاكرة العشرية السوداء، وأزمة اللّغة والهوية في الجزائر، وعن اِنتماء الإنسان إلى أرضه وتغربه عن جسده. للإشارة، سارة النمس، قاصة وروائية جزائرية من مواليد 1989 بمدينة تيارت. تخرجت من جامعة الآداب واللغات فرحلت عباس، ولاية سطيف بشهادة الليسانس في اللّغة الإنجليزية. صدر لها رواية بعنوان «الحب بنكهة جزائرية» عام 2012، و»ماء وملح -رسائل إلى أسير فلسطيني» عام 2016، و»جيم» 2019. شغلت منصب أستاذة للغة الإنجليزية وعملت كمحررة، وتتولى حاليًا الإدارة العامة لدار أجنحة للنشر والتوزيع. روايتك «جيم» ضمن اللائحة الطويلة لجائزة البوكر دورة 2021. ربّما هذه أوّل مرّة في تاريخ الجائزة، تصل فيها كاتبة جزائرية القائمة الطويلة. فما الّذي يمكنك قوله بهذا الخصوص؟ سارة النمس: في الواقع لم أنتبه قبل الآن بأنّني أوّل كاتبة جزائرية تصل روايتها للقائمة الطويلة لجائزة البوكر وهذا مؤسِف أكثر من كونه مُبهجًا إذ يطرحُ التساؤل عن السبب الّذي غيّب روايات كتبتها كاتبات جزائريات طيلة هذه السنوات؟ نتمنى أن تكون الطبعات القادمة زاخرة بالمواهب الشابّة والأعمال الجيّدة عمومًا من الجنسين. هل كنتِ تتوقعين وصول روايتك «جيم» إلى مرحلة القائمة الطويلة؟ وكيف تنظر سارة النمس إلى الجوائز وما الّذي تُضيفه هذه الأخيرة إلى مسار الكاتب؟ سارة النمس: كلاّ، لم أتوقّع وقد قال لي أكثر من صديق بأنّ رواية «جيم» قد تُرّشح للبوكر ولم أفكّر في هذا الاِحتمالِ كثيرًا حتّى تواصلت معي ناشرتي السيدة رنا إدريس وعرضت عليّ أن نُرشّح العمل للجائزة حينها تأمّلت وتوّقعت.. من المؤّكد أنّ الجوائز تضيف للكاتب الكثير فهي تسلط الضوء على أعماله وتُلفتُ الاِنتباه إليها، وكما قلتُ في حوار مكتوب منذ أيّام، هي تشبه ضوء مصباحٍ يدوي في غرفةٍ مظلمة، تُساعد القُراء في العثورِ على أعمالٍ لم ينتبهوا إليها من قبل. الرواية عن أحلام الشباب وأوجاعهم. وأنتِ كاتبة شابة. ما يعني أنّ الجيل الجديد لا يبتعد كثيرا عن همومه وانشغالاته اليوميّة. فهل يمكن القول إنّ روايات هذا الجيل الشاب تتكئ على واقعية خالصة؟ سارة النمس:ليس تمامًا، روايات هذا الجيل مختلفة ومتنوّعة، البعض يرتكز على الواقعية والبعض الآخر يفضّل الغرائبية أو الواقعية السحرية وهنالك من يتجّه للنبش في التاريخ والكتابةِ عنه وهكذا. صحيح كلّ كاتب هو اِبن بيئته وظروفه وزمانه ولكن تبقى التجربة مختلفة من كاتب شاب لآخر. الرواية أيضا تستثمر في العشرية السوداء. وهذا مؤشر آخر على أنّ الكُتّاب الشباب لديهم رغبة كبيرة في اِستلهام فترة الإرهاب أدبيًا والعودة إليها والغوص فيها من خلال أدوات الفن والإبداع. لماذا برأيك؟ سارة النمس: لأنّها فترة حسّاسّة من تاريخنا وذاكرتنا وجزء موجع من خساراتنا المؤلمة، العودة للحديث عن تلك الذاكرة هو ليس بغرض التذكير واستعراض الماضي بقدر ما هو سرد لجانب من جوانب الشخصية في الرواية حسب عمرِها وسنة ميلادها وظروفِ حياتِها، وينبغي أن تكون العشرية السوداء جزءا من ماضي الشخصية أو زمنها ليكون السردُ منطقيًا وواقعيًا، حينها نفهم مثلاً لماذا الشخصية تيتّمت في وقت مبكّر وعانت الفقر واليتم والظلم وأصبحت ما هي عليه بسبب اِغتيال الوالدِ ذبحًا في جبال قرطوفة بتيارت. مثلاً هذه هي قصة شخصية لمين في رواية «جيم» وهي قصّة حقيقية بكلّ تفاصيلها غيّرتُ المكان وجنس الشخصية. ما أريد قوله هو أنّ الغوص في ماضي الشخصية قد يؤدي إلى الغوص في ذاكرة الكاتب وذاكرة وطنٍ بأسرهِ. إشكالية اللّغة والهوية في الجزائر حاضرة هي الأخرى في روايتك. هل بإمكان الأدب أن يُعالج هذه التيمة الحساسة والشائكة بعيداً عن المعالجات الإيديولوجية؟ سارة النمس: بالطبع، كقارئة غيّرتِ الكُتب الكثير من أفكاري وأعادت غربلتها وتهذيبَها وككاتبة آمل أن يُغيّر حوارٌ عابر في رواية من طريقةِ تفكير أحدهم، وعلى سبيل المثال في رواية «جيم»، شخصية البطلة تعتز باِنتمائِها الأمازيغي وتشرح الكثير من الحقائق التاريخية والسياسية والاِجتماعية التي كان لمين يجهلها، لمين المُعرّب والّذي يعدّ نفسه عربيًا والّذي يمثّل كثيرين في الجزائر مثلما تفعل «جيم»، هنالك تنوّع في الهوّيات وحوارات تُعبّر عن مشاكلنا الحالية في الجزائر وأزماتنا المؤسفة من عنصرية وجهوية اتجاه بعضنا البعض. الرواية مبنية على الحكي وتبادل أدوار الحكي، واستحضار أحداث والاِتكاء عليها في تقديم صورة الذات والحياة الخاصة، واللافت فيها الحكايات المتضادة، فرواية البطلة «جيم» غير رواية والد «جيم»، ما يجعل القارئ في حيرة مربكة. فمن يصدق ومع من يتعاطف أكثر؟ ما يعني أنّك جعلتِ الرواية مسرحًا لحكايات مختلفة وذات مستويات دراماتيكية متفاوتة؟ سارة النمس: نعم وكذلك هو الحال في الواقع، لكلّ إنسان وجهة نظره وطريقته في سردِ الحكاية خاصّة إن كانت تمسّه شخصيًا ويعجز عن التحلي بالموضوعية والحياد وخاصّة أكثر في ظروف شخصيات مضطربة نفسيًا مثل شخصيات رواية «جيم». يتعدّد الرواة في رواية «جيم» ويتداخلون، يتقاطعون ويتضادون. هل ينقذ تعدّد الرواة العمل الروائي من بعض مآزق البناء أو المعمار الروائي والفني مثلاً. ولماذا اِخترتِ هذه التقنية في الرواية؟ سارة النمس: لم أتعمّد اِختيار تلك التقنية، فأنا قليلةُ التخطيط أثناء كتابةِ الرواية وأعدّ نفسي من الكتّاب الذين ينساقون وراء شخصياتهم ويمنحونها السلطة المطلقة لعيش أحداث الرواية، أمّا بالنسبة للجزء الثاني من السؤال فلا أعتقد أنّ تعددّ الرواة ينقذ العمل الروائي من مآزق البناء أو المعمار الروائي بل يفضحها ويُلفت الاِنتباه إليها لأنّ تقنية تعدّد الأصوات هي تقنية صعبة ومُركّبة وتتطلبُ التركيز والتنسيق وانتقالاً سلسًا بينها كي يكون النص مُتجانسًا ومتصلاً ضمن السردِ الواحد، لذلك أجد أنّ الرواية الجيّدة هي الرواية الجيّدة بكلّ عناصرها وتقنياتها ولا يمكن لتقنية أن تخفي هشاشة وضُعف جانب أو آخر من الرواية لأنّ العارف والمُلّم بهذا الفنّ لا تنطلي عليه مثل هذه الحيل وبإمكانه أن يلمس مواطن الضعف ويُشير إليها.