أعلن عشرات الصحفيين والناشطين في قطاع الإعلام بالجزائر، عن ترشحهم للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في 12 جوان المقبل، في سابقة لم تعهدها البلاد ويرجعها أهل المهنة إلى التغييرات التي تم إدخالها على قانون الانتخابات والتي تكشف عن حالة عامة من إنهاء القطيعة مع الفعل السياسي، ليختار العديد من الصحفيين القوائم الحرة بينما فضل آخرون دخول التشريعيات عبر بوابة الأحزاب الموجودة في الساحة. وكشف العديد من الصحفيين والإعلاميين العاملين في وسائل إعلام عمومية وخاصة، عن نيتهم في الترشح حتى قبل انطلاق الحملة الانتخابية التي بدأت يوم 20 ماي الفارط، وأعلن العديد منهم عن ذلك عبر صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، بين من فضّل الترشح في المنطقة التي ينحدر منها، ومن اختار أن يكون ضمن قائمة أو حزب في الولاية التي يعمل على مستواها. واختلفت الوعود الانتخابية التي قدمها الصحفيون المتشرحون، لكن العديد منهم التقوا عند نقطة تحسين المستوى المعيشي للمواطن الذي يسكن مناطق خبر الصحفي مشاكلها وهموم سكانها، كما تم التركيز على تحسين ظروف أهل المهنة وترقية القطاع. ويرجع متابعون، اقتحام الصحفيين للمشهد السياسي بهذه القوة، إلى التحفيزات التي حملها القانون العضوي المتعلق بالانتخابات المعدل والمتمم، فقد شجع الشباب والكفاءات، و بينهم إعلاميون و وجوه معروفة، على الترشح ليكونوا نواب الشعب، بعدما لم تعد حظوظ الصعود محصورة على متصدري القوائم، وصارت لمن يحصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين، كما تعززت الرغبة في ممارسة العمل السياسي لمن لم تتح لهم الفرصة سابقا بسبب «عائق المال والولاءات»، إضافة إلى أن العديد من الأحزاب استقطبت الصحفيين لما يتمتعون به من قاعدة شعبية. إقبال على الترشح يعززه تراجع نفوذ الأحزاب التقليدية ويقول الإعلامي السابق بالتلفزيون الجزائري، جمال معافة، المترشح ضمن القائمة الحرة الجزائر البيضاء، إن الصحفيين قرروا خوض التشريعيات المقبلة مثل الكثير من المحامين و الأساتذة الجامعيين وغيرهم، بسبب القانون العضوي للانتخابات الذي فتح المجال للمنافسة وتراجع نفوذ الأحزاب التقليدية المحتكرة للفعل السياسي، كما أن القوائم الحرة فتحت المجال للإعلاميين. ويضيف معافة أنه اختار القائمة الحرة رغم عدة طلبات قال إنه تلقاها من الأحزاب السياسية، لأنه وجد فيها مجموعة جادة ومنسجمة مع قناعاته، مثلما أكد، كما يعتقد أن الانتقادات التي تلقاها بعض الصحفيين بسبب هذه الخطوة، قد وُجهت لجميع المترشحين نتيجة الصورة المشوهة للمنتخب والتي قال إنه يتعين تغييرها بتحسين الأداء وإعادة الاعتبار لوظيفة البرلماني. ويتابع المتحدث أن تخصصه في الاقتصاد و قطاع الإعلام سيمكنه من طرح بدائل ومقاربات موضوعية و واقعية، مع السعي لإحداث الفارق في الأداء النيابي، ليضيف "أتمنى أن نفتح عهدا جديدا للممارسة السياسية ونعيد الاعتبار للأداء السياسي ككل في بلادنا لأن التحديات والرهانات كبيرة». الصحفية مفيدة طريفي، كانت من الوجوه النسائية التي تمرست في مجال الصحافة الجوارية وخاضت خلال السنوات الماضية تجربة العمل السياسي على المستوى المحلي بولاية قسنطينة، قبل أن تقرر هذه المرة دخول التشريعيات من باب القائمة الحرة "نخب الجزائر"، وعن هذه الخطوة تقول للنصر «دافعي هو المساهمة في ترقية عمل المرأة على مستوى المجالس الوطنية المنتخبة من خلال قوة المناقشة والاقتراح (..) تشريعيات 12 جوان فرصة سانحة لتغيير الذهنيات ومد الثقة للشباب للتحدي وحمل مشعل العمل من أجل مصلحة الوطن والمواطن». "تواجدنا في البرلمان إضافة حقيقية للممارسة السياسية" وتعتقد المترشحة الشابة أن احتكاك الصحفيين بالمواطن و الإطلاع الجيد على معاناته وكذا مراقبة عمل السلطات من أجل تطبيق برامجها المحلية والوطنية، تجعلهم مدركين لاحتياجات المجتمع، كما أن تواجدهم في قبة البرلمان يعتبر بحسبها، إضافة حقيقية للممارسة السياسية بالجزائر فهم قادرون أيضا على مناقشة أصحاب القرار بالحجة والبيان، مثلما عبّرت. ولا ترى طريفي أن هناك تعارضا بين ممارسة السياسة والإعلام، حيث تقول "الصحفي سياسي في طرح أفكاره ونقل انشغالات المجتمع الذي يعيش فيه، فتجده صاحب أفكار وخزان مشاريع قد تعود بالإيجاب على الصالح العام»، وتؤكد محدثتنا أنها تطمح لمراجعة عدد كبير من القوانين التي تعيق تحقيق مشاريع وأفكار شباب ذوي كفاءات عالية، إلى جانب تصحيح مسار قطاع الصحافة وتطهيره من الدخلاء ضمانا للتمتع بالحرية والمصداقية دون أية ضغوطات، وفق تعبيرها. كما يرجع الإعلامي رياض بوخدشة، المترشح عن القائمة الحرة "ميلة.. النزاهة والعمل"، إقبال الصحفيين والناشطين في حقل الإعلام على الترشح بهذا الشكل غير المسبوق، إلى تشجيع القوائم الانتخابية الحرة التي استقطبت العدد الأكبر منهم، كما أن تطور أدوات الصراع الإعلامي فرض، بحسب محدثنا، على الأحزاب السياسية وقياداتها البحث عن صحفيين يعززون قوائمها للاستفادة من رصيدهم المعنوي وتوظيفه في الدعاية الانتخابية. ويضيف الإعلامي وهو أيضا رئيس المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين، أن اطلاع الصحفي أكثر من غيره على واقع العمل البرلماني، ولّد لديه شعورا بضرورة ملء فراغات سمحت في فترات سابقة بزحف الرداءة إلى المؤسسة التشريعية، حسب محدثنا، الذي تطرق كذلك إلى ما وصفه بحالة عدم الرضا السائدة في قطاع الاتصال، معلقا بهذا الخصوص "اقتنعت أن مبادرة البرلمان بفتح ملف قطاع الصحافة أمر ميؤوس منه ما لم يكن داخل البرلمان قوى نيابية مطلعة على خبايا قطاعنا وتسكنها الرغبة القوية في إطلاق إصلاحات جوهرية عميقة". ويبرز المتحدث بأن معرفة الصحفيين بهموم المواطنين، زاد من قناعة خوض المعركة الانتخابية واعتبارها مسألة مصيرية ومسؤولية فردية أخلاقية، مؤكدا أنه يسعى لإنهاء المشاكل والاختلالات الكبيرة التي تتخبط فيها ميلة وإعطاء الولاية لمسة إنمائية متجانسة ومتميزة، مع العمل على تطوير قطاع الإعلام وحل مشاكله برؤية جديدة، وإرساء استراتيجية إعلامية وطنية تستجيب للتحديات والرهانات الداخلية والخارجية. «كرسي البرلمان غاية وليس وسيلة» فيصل بوعروة، المترشح ضمن قائمة البهجة بالجزائر العاصمة، يعد أيضا من الوجوه الإعلامية الشابة التي أعلنت خوض غمار التشريعيات، حيث يقول إن تمرّسه في القطاع علمه كيف يناضل ضد الفساد لكي يحصل المواطن الجزائري على حقوقه. ويضيف الإعلامي أن الحراك الشعبي جعله يكتشف قوة الشباب الجزائري عندما يتلاحم، وبأنه «آن الأوان لكي يحصل الشباب على مكانهم الطبيعي في البرلمان الذي لا يجب أن يُترَك شاغرا لفائدة من لا يحبون ترشح الشباب". ويرى المتحدث أن ترشح الصحفيين للتشريعيات يعبر عن حالة من الوعي لديهم وعن إدراكهم أنه قد حان الوقت لدخول المعترك السياسي بعدما أعطى القانون العضوي للانتخابات الفرصة للذي يمتلك أكبر عدد من الأصوات للفوز بكرسي البرلمان وليس لمتصدر القائمة، وهو تغيير قال إنه محفز ومشجع، حيث اختار العديد منهم القوائم الحرة التي استطاعت جمع توقيعات ترشح لم تجمعها أحزاب سياسية بعدد من الولايات. ويبرز بوعروة أن الصحفيين هم الأكثر إدراكا بكل التيارات الموجودة، وأيضا قريبون من المواطن كما من المسؤول، ما يسهل مهامهم كبرلمانيين، مضيفا أن ممارستهم السياسة لا تتعارض مع كونهم إعلاميين كانوا يعملون بالأساس وفق الخط الافتتاحي لمؤسساتهم الإعلامية، مؤكدا أن كرسي البرلمان يعتبر بالنسبة له وسيلة وليس غاية. وتُعد جيجل من ولايات الوطن التي شهدت ترشح عدد كبير من الصحفيين، و من بينهم عبد الحكيم أسابع المترشح ضمن القائمة الحرة "الكفاءة والتجديد"، حيث يعتقد أن الصحفي وبصفته متابعا لكل الأحداث والقضايا الوطنية، يمتلك خبرة في الممارسة السياسية والعمل البرلماني، لذلك ف "من شأن الكثير من الوجوه الإعلامية أن تقدم إضافة إيجابية في مجال العمل البرلماني لما تتمتع به من خبرة و سعة الاطلاع ومعرفتها الوثيقة بما يتطلبه هذا العمل"، مثلما عبّر. ويرى الصحفي أن ثقة الإعلاميين في القواعد والأسس الجديدة التي جاء بها قانون الانتخابات الجديد، سيما استبعاد المال الفاسد وشراء الذمم مثلما كان سائدا في الماضي، شجعهم، مثلما يضيف، على خوض سباق التشريعيات، فالقائمة النسبية تمنح المتنافسين مساواة في الفرص ولم يعد هناك وجود لمتصدر القائمة، حيث كان للزملاء رغبة في ممارسة العمل السياسي لكن لم تتح لهم الفرصة بسبب عائق المال والولاءات، بحسب محدثنا. ويخبرنا الزميل أسابع أنه يطمح من خلال الترشح، إلى تحيين المنظومة القانونية للبلاد والمشاركة في تحقيق أهداف التنمية الشاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال مراقبة عمل الحكومة، وتمثيل سكان ولاية جيجل أحسن تمثيل كوسيط بينهم وبين السلطات العمومية. أما بوساكر محمد الصالح وهو رئيس تحرير في التلفزيون العمومي، ترشح عن حزب العدالة والتنمية بولاية قسنطينة، فتعود تجربة خوضه لسباق الانتخابات التشريعية والمحلية إلى سنة 2012 ثم 2017، حيث يقول في حديثه للنصر «الصحفي كغيره من المواطنين وجد نفسه أمام مجتمع غاضب يبحث عن الحقائق ويرفض التزييف الذي مارسته العصابة في الأعوام الماضية (..) لذا سيعمل مع الخيّرين من أبناء هذا الوطن على اقتراح القوانين أو تعديلها أو تحيينها بما يتماشى مع التطورات والتطلعات في المجتمع بمختلف المجالات". و يرى محدثنا أن ترشح الصحفيين «يحمل رسائل كثيرة»، مستطردا "إذا كان الدور الحقيقي للصحفي هو تنمية الوعي وخلق الرأي العام، فإن المشاركة في الانتخابات يعد موقفا وطنيا وقطيعة مع الممارسات السابقة التي تحمّل وزرها الكثير من الزملاء الإعلاميين". ويعتقد الإعلامي أن وصول الصحفي إلى قبة البرلمان سيجعله "مقيدا» بالعمل على تلبية مطالب المواطنين الذين صوّتوا له، و بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في هذا الخصوص، كما يبرز بوساكر أن هدفه من الترشح هو السهر على تقوية مؤسسات الدولة بما يجعل الشعب مصدرا لكل السلطات، وكذلك تأسيس نظام سياسي جديد مستند للقيم الحضارية والثوابت الوطنية، إضافة إلى توفير الحياة الكريمة للمواطن من خلال تمتعه بحقوقه الأساسية.