ظاهرة العنف اللفظي تأخذ أبعادا خطيرة بعاصمة الهضاب و أنت تجوب شوارع فاتنة الهضاب العليا، سرعان ما تصطدم مسامعك بعبارات أو مفردات بذيئة خادشة للحياء أو تعليقات استهزائية مستفزة لم يعد يقتصر صدورها عن شاب متهور أو غاضب، بل صارت تفصيلا عاديا من الحياة اليومية للسطايفية بمختلف فئاتهم العمرية و الاجتماعية، فبقدر جمال هذه المدينة الساحرة لكل من يراها أو تطأ قدماه أرضها منذ نشأتها بقدر انتشار هذه الظاهرة القبيحة المصطلح على تسميتها بالعنف اللفظي منذ زمن بعيد، حيث لا زال الشيوخ يرددون مقولة العلامة المصلح البشير الإبراهيمي رحمه الله عن هذه المدينة عندما كان يقيم بها: « بلدة طيبة وشعب كفور « و كان يقصد بذاءة اللسان و قبح الكلام . غير أن هذه الظاهرة عرفت انتشارا كبيرا و أخذت أبعادا خطيرة بعد سنوات الجمر التي مرت بها الجزائر والتي اتسمت بالعنف بشتى أشكاله المادية والمعنوية وإقصاء الآخر خاصة إذا تعلق الأمر بالعنصر النسوي وهو ما انعكس سلبا على سلوكات الأفراد التي أخذت في مجملها منحى عنيفا وخطيرا تترجمه إحصائيات الجهات المختصة . فقد سجلت مصالح أمن ولاية سطيف 770 قضية سب وشتم عبر مختلف الأقاليم الحضرية للولاية خلال السنة الفارطة 2011 وذلك بزيادة 84 قضية عن السنة التي سبقتها 2010 التي أحصيت خلالها 686 قضية ، أي أن هذه الظاهرة تشهد ارتفاعا من عام لآخر . العنف اللفظي أسلوب الفاشلين حسب علماء النفس العنف اللفظي يصنفه المختصون في علم النفس في خانة الظواهر المرضية المستعصية حيث يرى أستاذ علم النفس بجامعة سطيف خالد عبد السلام أن لهذه الآفة الأخلاقية أخطارا كبيرة سواء على الفرد أو على المجتمع كونه يجرح المشاعر و يهين الكرامة الإنسانية للشخص مرجعا اللجوء إليه في التعامل إلى القصور الذهني للفرد وفشله في حل مشاكله ومواجهتها أو بسبب عدم تقبل الرأي الآخر واتخاذ هذا السلوك الشاذ وسيلة لإلغائه وقمعه. كما أن للأسرة يضيف دورا كبيرا و أساسيا في انتشار هذه الظاهرة وذلك من خلال لجوء الأولياء إلى تأنيب وتوبيخ الأبناء ونعتهم بمختلف الصفات السيئة بدل التفاهم والتواصل بالحجة والإقناع وهو ما يربي بداخلهم هذه الصفة ويدفعهم إلى التصرف بالمثل، مضيفا أن الفرد اليوم أصبح يحوي خزانا من الكلمات والعبارات النابية يقذف بها في وجوه الآخرين في حال الاستفزاز والنرفزة، ناهيك عن التعبير بالكتابات الخادشة للحياء على الجدران ، طاولات المدارس وغيرها من الأماكن، مؤكدا أن الكثيرين يصلون إلى حد عدم تسمية المرأة باسمها احتقارا واستهزاء و عندما يذكرها يتبع ذلك بعبارة أكرمكم الله أو ًحاشاكً وهو ما يعد عنفا نفسيا خطيرا جدا، مستطردا أن نمط الاتصال بين الأفراد اليوم صار قائما على الهيمنة والسيطرة كما هو الشأن بالنسبة للأب في الأسرة الذكر أمام الأنثى المعلم أمام التلميذ المسؤول أمام الموظف وغيرها مما أدى إلى انهيار سلم القيم وانتشار هذه الظاهرة الخطيرة المفضية في الكثير من الأحيان إلى جرائم بشعة خاصة جرائم الأصول . كل فئات المجتمع تلجأ إلى العنف اللفظي حسب علماء الاجتماع يعتبر أستاذ علم الاجتماع بجامعة فرحات عباس عبد الرزاق أمقران أن العنف اللفظي ظاهرة اجتماعية عالمية خطيرة تتفاوت من مجتمع لآخر مؤكدا في هذا الإطار أن هذه الآفة وصلت إلى مستويات خطيرة بمجتمعنا بعدما وصل هذا الأخير إلى حد لا قيود فيه لأي سلوك مهما كان مشينا، مضيفا أن السب والشتم لم يعد مقتصرا على فئة الشباب بل صار الكبار أكثر استخداما للكلام القبيح وحتى أولئك الذين يتمتعون بشخصيات لها وزن كبير اجتماعيا يلجئون إلى هذا الأسلوب على غرار ما يعرف بالعنف السياسي الذي كثيرا ما نصادفه في الحملات الانتخابية من خلال خطابات التهديد والوعيد والقذف والتشهير. وكذا العنف الممارس داخل المؤسسات التربوية ضد التلاميذ من خلال وصفهم بأوصاف مهينة وغير لائقة تنجر عنه عواقب وخيمة على المديين القريب والبعيد على شخصية الطفل وكثيرا ما أدت إلى اعتداءات جسدية سواء ضد الأساتذة أو بين التلاميذ وهو ما تفسره الأرقام المرعبة لانتشار العنف المدرسي . الدين يحرم العنف اللفظي أكد الشيخ عبد الحفيظ بن الزاوي إمام ومفتش للتعليم القرآني بولاية سطيف أن العنف اللفظي محرم في ديننا الحنيف وللكلمة في الإسلام وزن كبير فهي تحدد مصير الإنسان وتمثل عنوانا لشخصيته، مبديا أسفه وتحسره لما وصل إليه مستوى الأخلاق في المجتمع ككل والمجتمع السطايفي بشكل خاص حتى أصبح من الصعب السير في الأماكن العامة رفقة أفراد الأسرة معتبرا ذلك مؤشرا خطيرا جدا للإنهيار الخلقي و القيمي ،مشددا على ضرورة العودة إلى تعاليم الإسلام السمحة التي جعلت من الكلمة الطيبة والابتسامة في وجوه الآخرين صدقة . العنف اللفظي يولد الإجرام والكراهية ويجمع كل المختصين على ضرورة تكاثف جهود الجميع لوضع حد لهذه الآفة الأخلاقية مؤكدين أن ميزان القيم في المجتمع يمجد العنف و هو أمر خطير جدا باعتباره ينبثق من الشعور بالنقص والإحباط وضعف الثقة بالنفس مما يؤدي بالضرورة إلى العنف الجسدي من خلال السلوكات العدوانية الناتجة عن روح الانتقام ونمو مشاعر الحقد والكراهية وهو ما يفضي إلى إعاقة في الشخصية، كما أنه مفتاح وطريق للإجرام بشتى أشكاله كانتقام الفرد من نفسه أو من المجتمع، لذلك لابد لكل طرف فاعل الالتزام بالدور المنوط به من أجل الارتقاء إلى لغة نقية في الاتصال بين الإفراد في المجتمع وخاصة الأسرة والمنظومة التربوية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من خلال زرع ثقافة الحوار وتقبل الآخر والتعبير عن الآراء بالمنطق والحجج والبراهين لا بالعنف والإقصاء .