ما تزال الأحداث التي تشهدها فلسطين عقب عملية «طوفان الأقصى»، تلقى تفاعلا كبيرا من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي من جميع أنحاء العالم، توشحت صفحاتهم بالعلم الفلسطيني، وصور ضحايا المجزرة التي ارتكبت في حق أبناء غزة، إلا أن عددا منهم تفاجأ بأن خوارزميات الوسائط الرقمية قامت بحذف منشوراتهم بعد سويعات قليلة من نشرها ووصفتها بأنها «مزعجة أو غير قانونية» فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة. أداة حربية مزدوجة المعايير يتفق الجميع بأن وسائل التواصل الاجتماعي، هي بمثابة باب مشرع في وجه الناشطين والرواد والمؤثرين، للتعبير بكل حرية واستقلالية بعيدا عن كل القيود، خصوصا في فترة الأزمات والحروب، أين تلعب دورا هاما في مساعدة الناس على البقاء على اطلاع بالأحداث، والحصول على المعلومات الصحيحة والمساعدة، والتواصل مع الآخرين، لكن ما حدث في الفترة الأخيرة، من تعتيم للحقيقة بخصوص ما يجري في غزة، وحجب أغلب المنشورات التي لها علاقة بهذه القضية الإنسانية وشطبها وحظر صاحبها، في الوقت نفسه ترك المنشورات التي تعتبر المقاومة الفلسطينية «إرهابا»، هي مؤشرات أكدت بأن وسائل التواصل لا يمكن أن تكون مستقلة ما دامت تحت إمرة مناصري المجرمين الذين يمارسون القمع وازدواجية المعايير في حق الأشخاص الذين ينقلون الأحداث الميدانية وما يتعرض له الفلسطينيون في وطنهم، بل حولتها إلى أداة حربية بدليل قيام سكرتير «نتنياهو» بجمع المؤثريين الإسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي في اجتماع مغلق، وذلك من أجل تظليل الرأي العام لأجل إسرائيل. قمع وحظر تحيز وسائل التواصل الاجتماعي للكيان الصهيوني، شكل قيودا على حرية الرواد الناشطين في البحث عن الحقائق ونشرها، كما أن الكثير منهم كانوا يعرفون الحقائق لكنهم لم يتمكنوا من نشرها، وهو ما أكده الإعلامي معتز عزايزي الذي يتابعه أكثر من 3 ملايين شخص عبر الإنستغرام، بأنه تفاجأ بأن أي محتوى يدعم فلسطين بوسم «هاشتاغ» أو كلمات مفتاحية، مثل طوفان الأقصى «الإبادة» و»غزة تحت القصف» و»قتل أطفال غزة» و»غزة تباد» وغيرها، يتم حظره أو تقييد وصولها إلى المتابعين أو حتى حذفها، ما أثار استياءه. وكتب بوداود عمير « كاتب جزائري وقاص ومترجم وباحث في الأدب الكولونيالي» في منشور له عبر صفحته الرسمية في الفايسبوك، بأن إدارة فيسبوك قررت منذ واقعة الطوفان، الحد من انتشار المنشورات ذات العلاقة بالأحداث، وعدم إتاحتها للتفاعل، أو إتاحتها على نطاق ضيّق جدا، وذلك عن طريق استخدام خوارزميات، تشتغل بناء على أسماء وكلمات محددة ذات العلاقة بالأحداث الجارية، مضيفا بأن تقطيع حروف اسم وصفات «سيئة الذكر» لم تعد مجدية. وقال،في منشوره، بأن العديد من الأصدقاء، أخبروه بأن منشوراته وعدد من الأصدقاء، لم تعد تظهر لديهم مثل السابق، بل أنها لم تعد تظهر حتى ضمن خاصية الصفحات المفضلة لديهم. وأكد العديد من المؤثرين والإعلاميين الذين يدعمون القضية، بأنهم تلقوا إشعارات تحذيرية من إدارة فيسبوك وإنستغرام وغيرهم من التطبيقات الأخرى، بغلق حساباتهم إن لم يتوقفوا عن دعم فلسطين، بينهم الإعلامية علا فارس، التي غلق تطبيق سناب شات حسابها بسبب منشورات لها تؤيد القضية الفلسطينية. كما أغلقت حسابات بشكل نهائي ومثال على ذلك «شبكة قدس»، التي كانت أكبر صفحة إخبارية فلسطينية على منصة فيسبوك، حيث كانت تضم 10 ملايين متابع، وقالت الشبكة إن الحذف تم بسبب رضوخ شركة ميتا للطلبات الإسرائيلية. مؤثرون يصححون المعلومات المظللة وقد قام عدد كبير من المؤثرين العرب، الذين تعرضوا للقمع الإلكتروني، بتصحيح المعلومات الخاطئة للمشاهير، التي استقوها من الإعلام المضلل التي يقوم ببثها طيلة 24 ساعة بالقنوات الإخبارية الغربية، من أجل تغليط الرأي العام بخصوص القضية الفلسطينية، على غرار إرسال رسائل في الخاص إلى المشاهير الذين يجهلون حقيقة ما يحدث، أو يصححون لهم في تعليق ما نشروه بخصوص القضية الفلسطينية. وهو هدف نبيل قاموا به لمواجهة التغطية الإعلامية الغربية التي تظهر التحاما مباشرا مع نظيرتها الإسرائيلية فتنقل روايتها وتروج لها، في وقت يترك أطفال غزة لمواجهة مصيرهم قتلا وتشريدا، حيث عنونت «ديلي ميل» غلافها، «أطفال بُترت رؤوسهم، «40 طفلا قتلوا رميا بالرصاص»، حسب ادعاءاتها، أما ذا تايمز البريطانية، فكتبت على صفحتها الأولى، «حماس تذبح الرضع.» مشاهير عالميون يدعمون الكيان بصور ضحايا غزة وتجدر الإشارة، إلى أن العديد من المشاهير الأجانب انساقوا وراء المعلومات التي استقبلوها من وسائل إعلامية غربية دون التحقق من صحة الخبر بدليل، قيام المغني الشهير جاستن بيبر بالتعبير عن تعاطفه مع الاحتلال الإسرائيلي بالأحداث الأخيرة، حيث نشر صورة لقطاع غزة وهو مدمر بعد القصف الإسرائيلي ولكن تلك الصورة تعود لعام 2021، ما جعله يتعاطف مع الطرف الخطأ. وكانت الممثلة الأميركية جيمي لي كورتتس قد حذفت منشورا مماثلا قبل أيام بعد أن تفاجأت بأن الأطفال الذين في الصورة ليسوا من إسرائيل بل من غزة، وذلك بعد استشهاد عشرات الأطفال في غزة بقصف إسرائيلي، اذ استخدمت في منشورها صورة لأطفال فلسطينيين يفرون من الغارات الجوية لإظهار دعمها لإسرائيل وسط الحرب التي اندلعت في المنطقة قبل أيام، وغفلت كورتتس عن تفاصيل الصورة التي التقطت في مدرسة فلسطينية في شمال غزة، فسارعت على الفور إلى حذف المنشور بعد عاصفة انتقادات من متابعيها الذين أشاروا إلى «الخطأ» الذي ارتكبته.