"الشمعة والدهاليز" لن تضيء بعد اليوم رحل الولي الطاهر "تاركا في مقامه (العصا، والبيرية) وبعضا من لفائف السيجار التي كان يحشوها في لحظات الضجر عند بداية كتابة رواية جديدة. مات عمي الطاهر، وتوقف نبض الرواية الجزائرية التي عرفت على يده أزهى وأجمل الفترات التي تألق فيها الادب الجزائري وتوج بأكاليل العرفان في كل أصفاع العالم. الطاهر وطار هذا الإسم الذي أقترن بالرواية لن يكون إلا عميدها لأنه هو الذي عبد الطريق أمام كتاب هذا الجنس الادبي باللغة العربية وهو الذي أسس فضاء ثقافيا ليكون منبرا للحوار مع الآخر، وبصعوبة كبيرة تموقعت الجاحظية وصمدت في وجد الاعاصير فكان لها شأنا في الحراك الثقافي، وقد يكون لهذا الصراع جزء في تعب صاحب (اللاز) الذي خبر فنون السجال فدخل محراب الولي الصالح ومارس طقوس الشهداء وتنبا بحدوث زلزال قوي: فكانت الرواية هي مصدر إلهامه وتنبؤاته، حيث أسس لقيم وتقاليد جديدة في الإبداع بلغة الضاد. لقد مات الطاهر وطار دون أن يتمكن من إكمال روايته الجديدة حول رحته مع المرض، ورغم إحساسه بصعوبة المهمة، كان يتشبث بالامل حتى وهو على فراش المرض كان متفائل جدا وفي عودته الاخيرة من باريس أتصلت به في البيت هاتفيا لأسأل عن أحواله طمأن قراءه في جريدة النصر بأنه يتماثل تدريجيا للشفاء، ولن أنسى كلمته الأخيرة لي وهو يودعني (سأزور قسنطينة وأقيم بمقام سيدي راشد) وكأني بالرجل يحن إلى دعوات الأولياء الصالحين، وهو يبحث في كل جنبات المدينة التي أعطته رواية الزلزال، ليخرج إلي كالولي ببرنوسه متنقلا بين حارات المدينة القديمة في بحثه عن موضوع لرواية جديدة.إن الطاهر وطار الذي كتب رائعة (الشهداء يعودون هذا الأسبوع) سيخلد إلى النوم معهم بعدما أطمأن أن لاداعي لعودة الحراس لأن المعبد أصبح في أمان. يعد الطاهر وطار بعد مسيرة طويلة في الكتابة الأب الروحي للرواية الجزائرية، وقد عانى منذ سنتين من مرض أجبره عن الإبتعاد عن الجاحظية ليعتكف بمصعة سانت أنطوان بباريس في رحلة علاج أستمرت نحو سنتين أبتعد خلالها عن أجواء الكتابة التي كان توجها برواية السنة الماضية بعنوان "قصيد في التذلل". للإشارة فإن الكاتب الروائي الطاهر وطار هو من مواليد 1936 بمداوروش (ولاية سوق أهراس) ترك الكثير من الأعمال الأدبية من بينها (اللاز) (الزلزال) الشمعة والدهاليز) كما يعود الفضل له في إنشاء قناتي القرآن الكريم والثقافية عندما كان مديرا عاما للاذاعة الوطنية. وقد ترجمت جل أعماله إلى لغات عدة نظرا لقيمتها الفنية والإبداعية مثل "الحوات والقصر" و"عرس بغل" وغيرها. وقد حظي بعناية شخصية من طرف رئيس الجمهورية الذي أمر بالتكفل بعلاجه من طرف الدولة.