الفريك السطايفي ...من أجود الأنواع على مستوى الوطن يعد طبق " شربة الفريك" سيد المائدة الرمضانية السطايفية بلا منازع، حيث لا تستغني عنه أية عائلة عامرية مهما كان دخلها أو مستواها ،و هو الطبق الوحيد الذي يتم تحضيره يوميا طيلة الشهر الفضيل دون أن يمل منه و لا يمكن تصور مائدة إفطار السطايفية دون هذا الطبق الذي ارتبط ارتباطا وثيقا بهذا الشهر المبارك و صار يمثل نكهة رمضان المتميزة، و يتم إعداده بطرق تقليدية من القمح الصلب قبل نضجه ليطبخ فيما بعد على شكل حساء ساخن باللحم و لعل ما عزز من مكانته هو الجودة الكبيرة التي يتميز بها الفريك الذي تنتجه حقول الولاية و الذي اكتسب شهرة تجاوزت حدود الولاية حيث صارت العائلات من مختلف الولايات تقصد سطيف لاقتنائه تحضيرا لشهر الصيام . أزديف...خزان روما للحبوب إن اهتمام السطايفية بهذا الطبق المميز له جذور ممتدة عبر التاريخ، حيث كانت هذه المنطقة تشتهر بإنتاج أجود أنواع الحبوب خاصة القمح الصلب بالنظر إلى نوعية تربتها حتى ان اسمها الأمازيغي اشتق منها إذ كانت سطيف تسمى آنذاك "أزديف"و تعني التربة السوداء الخصبة و هي التسمية التي أخذ منها الرومان اسم" سيتيفيس" التي عرفت بها المدينة في عهدهم، و قد كانت سطيف تسمى مطمورة رومة لأنها كانت تنتج قمحا يمون روما القيصرية بكاملها بمخزون الحبوب، وقد كانت المدينة محاطة بتحصينات عسكرية كبيرة لحماية خزان الحبوب الموجود بها. و تميز قمح سطيف عبر العصور و الحقب بجودته العالية و نوعيته الرفيعية التي جعلت الكثير من الشعراء و المطربين يتغنون به على غرار الأغنية الشهيرة "قمح البليوني "، كما كانت سيتيفيس تضم مناطق زراعية شاسعة تمتد فيها حقول القمح على مد البصر بلونها الأخضر الساحر ربيعا و الذهبي البراق صيفا،و لا تزال سطيف تحافظ على طابعها الزراعي إلى يومنا هذا رغم أنها تراجعت قليلا عما كانت عليه في السابق،حيث تحتل المرتبة الثانية وطنيا في إنتاج الحبوب بعد ولاية تيارت و هي ولاية زراعية بنسبة 86 بالمئة من مساحتها ،كما يغلب الطابع الريفي على سكانها بنسبة 66بالمئة .و قد كان السطايفية إلى وقت قريب جدا يحتفلون بعيد السنبلة كل نهاية موسم حصاد و الذي يعرف طقوسا خاصة جعلت منه مناسبة للفرح و الاحتفال لدى سكان المنطقة الذين يرون فيه رمزا للخير و البركة . سكان القرى يحضرون الفريك بالطرق التقليدية لعل المميز في مادة الفريك و اكثر ما ساهم في إكسابها النكهة المميزة و الطعم اللذيذ هو طريقة تحضيرها التقليدية التي لا زال سكان قرى و مداشر سطيف يحافظون عليها غلى يومنا هذا رغم التطور و العصرنة ، حيث يقومون بجني سنابل القمح قبل نضوجها و هي لا زالت خضراء اللون ثم يحرقونها و يستخرجون حبيبات القمح ذات اللون الأخضر اللوزي الجميل و يجففونها ثم يقومون بطحنها بالمطحنة التقليدية ليحتفظوا بما يكفيهم للاستهلاك و يبيعون الباقي الذي يقبل عليه سكان المدينة بكثرة و حتى من خارج الولاية ، و قد شهدت السنوات الأخيرة تداول فريك سيء و مغشوش في الأسواق يقوم أصحابه باستعمال قمح سيء منتهي الصلاحية أو قمح لين و يصبغونه بالملونات ليبدو طبيعيا حيث حجزت مصالح الدرك بالولاية مؤخرا كميات فاقت الستة قناطير منه كانت مهيئة للبيع قبيل الشهر الفضيل و رغم هذا التحايل إلا أن خبرة سكان المنطقة لطالما مكنتهم من التفريق بين الأنواع الجيدة و السيئة خاصة ربات البيوت اللواتي يميزن طعم الفريك الطبيعي بمجرد تذوقه كما يقمن بأخذ كمية صغيرة منه و تبليلها و فركها بالأصابع لمعرة غن كان لونها طبيعيا أم أضيفت له ملونات، يولين اهتماما كبيرا لاختيار الجيد منه كما يتفنن في طبخه و يحرصن على تزيينه بالنباتات العطرية خاصة النعناع المجفف الذي يضفي عليه طعما مميزا و رائحة زكية تعبق الشوارع و الأحياء قبيل الإفطار صانعة بذلك أجواء رمضان المميزة كما يحرصن أيضا على طبخه في الأواني التقليدية المصنوعة من الفخار لان الأواني الحديدية حسبهن تفقده طعمه الطبيعي. إقبال العائلات العاصمية على الفريك السطايفي إن الشهرة الكبيرة التي اكتسبتها مادة الفريك المنتج بولاية سطيف و التي امتد صيتها عبر كامل أنحاء الوطن جعلت الكثير من سكان مختلف الولايات الأخرى يقصدون عاصمة الهضاب العليا لاقتنائه و خاصة العائلات العاصمية التي تقبل بشكل ملفت كل صائفة لشراء كميات كبيرة منه تحضيرا لشهر رمضان رغم أنه لا يمثل طبقا رئيسيا للعاصميين الذين يفضلون طبق "الحريرة " خلال هذا الشهر المبارك غير أن جودة الفريك السطايفي جعلتهم لا يستغنون عنه حيث أكدت لنا العديد من العاصميات أنهن صرن يؤثرن تحضير شربة الفريك بدل الحريرة بسبب نكهتها المميزة و طعمها الشهي الذي يرجع بالدرجة الأولى لجودة قمح سطيف و كذا طريقة إعداده التقليدية التي تمكن من الحفاظ على نكهته و مكوناته الغذائية الغنية . لتبقى شربة الفريك ميزة الشهر الفضيل بسطيف و عروس مائدة سكانها في رمضان طيلة ثلاثين يوما من الصيام.