عائلة من خمسة أفراد تعيش بسلالم عمارة منذ عام بوادي الزناتي اتخذت من سلالم العمارة الجديدة مأوى لها قبل عام و تحولت مع مرور الوقت الى قضية و مأساة اجتماعية بمدينة وادي الزناتي التي تصبح و تمسي على المتناقضات و البؤس الذي يسكن أزقة الحواس و الباطوار و الحدائق و غيرها من أحياء العار التي ينام أهلها بالتناوب و يكبر أطفالها بعيدا عن ضوء الشمس. عائلة من 5 أفراد ترعاهم أم أقعدها الزمن التعيس منذ أن كانت بحي 20 أوت 55 أو الباطوار القديم في بيت ينذرهم بالانهيار كل شتاء ثم يعفو عنهم . قضت سنوات طويلة هناك الى أن تقرر ترحيل سكان الحي الى سكنات جديدة في إطار البرنامج الوطني للقضاء على السكن الهش الذي يطوق المدينة العتيقة من كل الجهات فرحت "نوارة قالمي" البالغة من العمر 47 سنة بتقييدها في سجلات المرحلين سنة 2007 و بقيت كغيرها من سكان الحي تنتظر موعد الرحيل الذي كان يوم 26 ديسمبر 2011 يوم تغيرت فيه حياة نوارة و انقلبت رأسا على عقب و تحولت فرحتها بالسكن الجديد الى مأساة اجتماعية أصبحت على كل لسان بمدينة وادي الزناتي. ما الذي حدث حتى بقيت نوارة مشردة رفقة أطفالها بسلالم العمارة رقم 13 بالحي السكني الجديد الذي أنجز لاستقبال سكان أحياء الصفيح بمدينة وادي الزناتي؟تقول نوارة التي استقبلتنا بإقامتها الجديدة التي تبدأ بمدخل العمارة الى طابقها الأخير"جاءت لجنة الترحيل و أمرتني بتسديد حقوق السكن الجديد استعدادا للرحيل جمعت ما استطعت من النقود و سددت المبلغ كاملا و حصلت على وصل التسديد و رقم العمارة 13 و الشقة ثم تلقينا أوامر بجمع الأثاث و إخلاء الكوخ القديم حتى يتم هدمه و هو شرط أساسي لمنح مفاتيح السكن الجديد نفذت كل الأوامر كغيري من السكان و عندما بدأت عملية الهدم ظهر عائق آخر و هو الكوخ الذي يسكن فيه أخي و كان ملاصقا لمنزلي فاشترطوا هدم منزل أخي مقابل منحي مفاتيح السكن و بصراحة لم أتقبل الأمر في البداية و حتى أخي اعترض على الهدم لأنه سيبقى بدون مأوى و دفعت أنا الثمن بقيت في الشارع مع أطفالي عدة أيام وسط ظروف مناخية شديدة البرودة فقدت صوابي و لم اعد اعرف كيف أتصرف فأقدمت على فتح الشقة السكنية التي استفدت منها و نقلت أثاثي الى هناك و بقيت مدة زمنية حتى صدر ضدي قرار بالإخلاء نفذ بالقوة العمومية و كاد ابني أن يضحي بنفسه عندما رفض الخروج من الشقة المحاصرة و هدد بإحراق نفسه و أجبر على الخروج في النهاية و تحمل التبعات بعد ذالك و أصيب بانهيار نفسي جعله غير قادر على العودة من جديد الى حيث أسكن بسلالم العمارة استند الى باب الشقة السكنية التي كان من الفروض أن ادخلها فرحة كما فعل جيراني الذين أحزنهم أمري و أشفقوا علي و على أبنائي و خاصة خلال شهر رمضان الذي قضيتها على هذا الحال و أنا استعد لاستقبال عيد الأضحى هكذا كما ترون....." توقفت نوارة عن الحديث و أجهشت بالبكاء أمام أبنائها قبل أن تواصل"ربما ارتكبت خطأ عندما دافعت عن أخي الفقير و عندما أجبرتني الظروف القاهرة على دخول الشقة دون ترخيص و اليوم و بعد أن وافقت على هدم منزل أخي و تم تنفيذ الهدم فلماذا لم يرحموني و يمنحوني المفاتيح حتى أستريح من العذاب و استعيد أنا و أبنائي آدميتينا و كرامتنا التي أهدرت بالسلالم المكشوفة و المفتوحة على كل المخاطر ليلا و نهارا". و أضافت نوارة قالمي "أصبحت أشعر و كأنني أتعرض لما يشبه الإذلال البشري المهين جراء رفضي هدم منزل أخي و دخولي الشقة دون حصولي على ترخيص الدخول و أخشى أن يصل الأمر الى حد إقصائي من السكن كعقوبة نهائية ستظل تلاحقني حتى أرحل الى عالم الأبدية بلا رجعة ...". و قد فهمنا من نوارة قالمي بأن أخيها كان يسكن مع والده بحي آخر و أجبرته المشاكل الاجتماعية و العائلية القاهرة على السكن بجوارها يفصل بينهما جدار متداعي و قد صرحت لنا بأن أخيها مسجل على قوائم السكن الهش و هو ينتظر الترحيل لكنه اليوم بقى مشردا في الشارع بعد هدم منزله بناءا على طلب لجنة الإسكان التي هدمت آخر جدار بمنزل نورة و أخيها يوم 11 سبتمبر الماضي لكنها أخلفت وعدها بتسليم رخصة الإسكان لأسباب لم تتضح بعد. و قد وجهت نوارة قالمي نداء الى والي الولاية تطلب منه الرحمة كما قالت مؤكدة بأنها حاولت مقابلته لكنها لم تتمكن من ذالك و خلصت الى القول "أنا امرأة ضعيفة مطلقة بدون سند أغلقت في وجهي كل الأبواب و لم اعد ادري أين اذهب ماذا فعلت لهم حتى يعذبونني كل هذا العذاب..". عادت الى البكاء من جديد و لم تعد قادرة على المزيد من الكلام و لم نعد نحن أيضا مستعدين لسماع المزيد ودعناها وغادرنا العمارة الجميلة التي تخفي بين جدرانها مأساة اجتماعية ما كان لها أن تكون لو أحسنت نوارة التصرف و لو اتسع صدر لجنة الإسكان الى خطأ ارتكبته امرأة ضعيفة فقدت الأمل في الحياة الكريمة بعد أن ضاقت من العذاب ما يكفي لقبر السعادة و تفكيك العائلة الصغيرة التي تمزق شملها قبل عام.