عبد الهاني قادوم .."العنكبوت" الذي يتسلّق صخور واد الرمال بحثا عن لقمة العيش يعرفه المترددون على جسر باب القنطرة و رواد نادي الكرة الحديدية و يستعين بخبرته الراغبون في اكتشاف أسفل ضفتي واد الرمال و صخوره العتيقة، كما يصفه البعض بالرجل العنكبوت لبراعته في تسلق الصخور و النزول منها دون الاستعانة بالحبال و المعدات اللازمة لذلك، إنه ابن مدينة الجسور المعلقة قادوم عبد الهاني (48سنة) الذي لم ينجح في إيجاد مصدر عيش له أعلى الصخر العتيق فتوّغل في أعماقه كما قال. عبد الهاني الذي تبدو متاعب الحياة على ملامح وجهه أكد لنا بأنه لم يمارس التسلق حبا أو هواية و إنما اضطرارا بعد انغلاق كل أبواب الأمل في الحصول على فرصة عمل، حيث وجد نفسه بين الأحراش و الصخور يبحث عن أشياء مفقودة أو مرمية بين الأوساخ التي تقذف من أعلى الجسر، فاعتاد على المكان الذي بات يعرفه شبرا شبرا بمغاراته و صخوره و جدارياته و ممراته، كما ألف مسالكه الوعرة فتحوّل إلى شبه دليل سياحي يلجأ إليه الراغبون في اكتشاف وجه قسنطينة السفلي و ما تخفيه بين أحضان صخرها العتيق من زوار و باحثين. فيوميات عبد الهاني لا تخلو من المفاجآت التي تصدمه أو تسرّه تارة و تجمد الدم في عروقه تارة أخرى كعثوره على جثت المنتحرين الذين يختارون جسور قسنطينة المعلّقة لوضع حد لحياتهم أو ضحايا أراد مغتالوهم محو أثر جرمهم برميهم في واد الرمال و كان آخر هذه الصور التي تقشعّر لها الأبدان جثة ضحية داخل كيس بلاستيكي. و أضاف المجازف الشاب بأن العثور على الجثث و الإبلاغ عنها، و المشاهد المرعبة التي يعيشها عند اكتشاف كل جثة، لم يمنعه من مواصلة مغامرات البحث عن أشياء يسترزق منها. و قال محدثنا الذي بدأ مغامراته بين صخور واد الرمال منذ قرابة 21سنة بأن تعوّده على المكان هوّن عليه الصعاب، فلم يعد يخشى حتى الثعابين مهما كان نوعها بل يستمتع أحيانا كثيرة بمطاردتها أو اصطيادها و ترهيب أصدقائه بجثتها كما ذكر عدد من رفاقه. تزوجت و قوت أسرتي من كرم الصخر و أسر عبد الهاني و هو أب لثلاثة بنات بأنه ليس لديه مصدر رزق آخر غير الصخر الذي يجود عليه يوميا ببقايا أشياء ينجح في استرجاعها و إعادة بيعها كالقطع المعدنية أو الأغراض المختلفة التي تعوّد بعض السكان على التخلّص منها برميها من فوق الجسر و هي الظاهرة التي لا زالت تعاني منها قسنطينة إلى يومنا هذا، حيث يجازف بحياته يوميا بنزول المسالك الوعرة بين التشكيلات الصخرية الحادة و إعادة تسلّقها دون استخدام معدات الآمان، بل يعتمد على لياقته البدنية و خفة حركته و الخبرة التي اكتسبها مع مرور الوقت، و كل ما يتوّفر عليه عبد الهاني لمواجهة خطر السقوط هو حذاء خاص لتجنب الانزلاق. و رغم قلة حصاد الرجل المجازف من خرجاته المتكررّة إلا أنه تمكن حسبه من فتح بيت و تأسيس أسرة بفضل ما يجود به الصخر من أشياء مهما كان نوعها، مؤكدا عثوره على أغراض ثمينة بين الفينة و الأخرى «أعثر مرة على مرة على خاتم أو عقد من ذهب» يستطرد عبد الهاني إشارة إلى الدوافع التي تشجعه على الاستمرار في ممارسة نشاط اعترف بأنه لا يقوم به شغفا بارتقاء المرتفعات أو بحب المغامرة والمخاطرة وعشق الطبيعة بل لكونه عجز عن إيجاد عمل قار رغم الوعود الكثيرة التي تلقاها من المسؤولين بالبلدية كما قال، و أضاف مسترسلا بأنه يجد من حين إلى آخر أوراقا نقدية من العملة المحلية و أخرى يعتقد أنها من العملة الفرنسية القديمة التي قال أنه قام ببيعها لهواة جمع العملات الأجنبية. و واصل بنبرة متحمسة بأن ثمة حياة أخرى مثيرة أسفل «الريميس»لكنها صعبة و ليس لأي كان المغامرة لاكتشافها، حيث توجد بها مغارات و ممرات قد يضيع بينها من ليست لديه دراية بالمكان. و اشتكى المغامر الذي تظهر على يديه المتشققتين آثار مهمته الشاقة في تسلق الصخر، من ظروفه الاجتماعية الصعبة التي أعرب مرافق السواح الأجانب و المحليين و الباحثين و الطلبة في جولات أسفل جسر باب القنطرة مقابل أجرة رمزية لا تكفي لسد رمق أفراد أسرته، عن أمله في استغلال خبرته في تسلق الصخور و معرفته الكبيرة للمنطقة و مسالكها الوعرة للعمل كمرشد سياحي أو مجرّد حارس للمعالم الأثرية أو أي وظيفة أخرى يقتات منها و يلبي حاجيات أفراد أسرته المتزايدة يوما بعد يوم.