خرج رئيس شبكة المدن الفرنسية والجزائرية، ومؤلف كتاب “الجزائر.. أفكار جاهزة”، جورج موران، عن سرب السياسيين والمثقفين الفرنسيين السائرين في ركب الساركوزية اليمينيين أو اليساريين الاستعماريين على طريقة جول فيري وغي موليه وفرنسوا ميتران وآخرين أقل شهرة. وتجرأ موران على السباحة ضد التيار الايديولوجي الجارف والمسيطر، من خلال مقال لافت نشره في ملحق “آراء” الذي تنفرد به صحيفة “لوموند” الفرنسية، في عز تحويل الأنظار عن مسار ومخاض قانون تجريم الاستعمار الفرنسي. في مقال تحت عنوان “فرنساالجزائر.. حرب الذاكرة أو على الدولة الفرنسية الاعتراف بأخطائها”، عبر جورج موران عن دهشته، في البداية، حيال السكوت المطبق الذي عرفته فرنسا يوم العاشر فبراير الماضي، بعد يوم فقط من اللغط الكبير الذي عرفته الجزائر وباريس إثر سيطرة خبر سن قانون يجرم الاستعمار الفرنسي. وحتى يفسر خلفية التقارب المنشود من الجزائروفرنسا، عاد موران إلى عام 1999، تاريخ محاولة الرئيس بوتفليقة فتح أبواب ونوافذ مصالحة وطنية بين أبناء البلد الواحد وتجاوز السنوات السوداء وإعادة الارتقاء بالسمعة الجزائرية على الصعيد الدولي وإعادة الاعتبار إلى أبطال الثورة المنسيين، والى اللغة الفرنسية التي أصبح يستعملها دون عقدة والى القديس أوغسطين وألبير كامو، وكل ذلك في إطار مقاربة جديدة لعلاقة جديدة بين جزائر حرة وسيدة غير معقدة وفرنسا المستعمر القديم. وحتى يؤكد موران تردد فرنسا في الاعتراف بذنبها الاستعماري، ذكر، بالتأسف الذي أبداه له الكثير من الأصدقاء الجزائريين، على حد قوله، إثر تنديد شيراك بالمجازر التي ارتكبتها فرنسا في مدغشقر عام 1947 بمناسبة الزيارة التي قام بها لهذا البلد عام 2007، وسكوته عن جرائم فرنسا في الجزائر حينما زارها. وقال أصدقاء موران يومها حرفيا “لماذا لم يقل لنا شيراك نصف ما قاله للملغاش عن جرائم فرنسا في الجزائر”. قانون العار أو القانون الممجد للاستعمار الفرنسي، الصادر عام 2005 واستقبال ساركوزي لأبناء الحركى والأقدام السود وفتح ملف الهوية الوطنية على خلفية الخلط بين المهاجرين والمسلمين وبهدلة الجزائر بعد تصنيفها في قائمة البلدان الخطيرة في مجال النقل الجوي وإعادة النظر في الاتفاقية الجزائرية الفرنسية الخاصة بالهجرة، كلها عوامل لم تساعد على ترميم علاقة فرنسية - جزائرية زادت من حجم الإصابات المرضية التي لازمت علاقاتهما المشتركة، رغم استمرار التعاون الاقتصادي. حرب الذاكرة التي تسمم العلاقة الجزائرية - الفرنسية لم تعد تطاق، أضاف يقول موران، بحكم صداقة الشعب الجزائري لمثيله الفرنسي، على حد تعبيره، لكنها صداقة شعب مازال يحتفظ بذكريات الغزو والاستعمار وبعذاب حرب التحرير. وطرح في الأخير سؤالا حول إصرار الدولة الفرنسية على عدم الاعتراف بمسؤوليتها التاريخية حيال المآسي التي عاشها الشعب الجزائري طيلة 132 كانت كلها احتلالا غير مبرر. في الأخير حمل موران الدولة الفرنسية وحدها مسؤولية الاعتراف بمآسي الشعب الجزائري، الناجمة عن استعمار استيطاني، بهدف تحرير جيل عام 2010 الفرنسي من مسؤولية تحمل ظلم غير مسؤول عليه، وفرنسيي الجزائر الذين يعدون أيضا ضحايا التاريخ التراجيدي المذكور.وكتب موران حرفيا “شيراك اعترف بمسؤولية الدولة الفرنسية في مأساة فلديف اليهودية، وجوسبان قام بالأمر نفسه حيال الأبناء الذين أعدموا عام 1917 بسبب تمردهم خلال الحرب العالمية الأولى. إنهما ساهما بموقفهما في التخفيف من وطأة عذاب الذاكرة وكبرا في عين التاريخ.. ماذا عنك سيدي الرئيس؟”.