رحل الشيخ إذا، ولكن بعدما سمع ما لا يحب مرة في ملعب 5 جويلية و أخرى في ملعب تشاكر الذي لجأ إليه.رحل سعدان بطريقة دراماتيكية وفي وقت غير مناسب تحت ضغط النتائج السلبية لفريق لم يعد يهتدي إلى شباك الخصوم مهما قل شأنهم وتواضع مستواهم. والملفت أن الرجل تمسك بقيادة المنتخب إلى النفس الأخير مقاوما خصوما أخرجوا السكاكين مبكرا وصحافة اكتفت بتحميله مسؤولية عقم الفريق دون سواه، حيث أصر على البقاء حتى بعد الليلة المشؤومة في البليدة ما يعني أن الرحيل لم يكن طوعيا، وأنه دفع دفعا إلى باب الخروج الضيق. خرج الشيخ من الجنة، " لا جيش ولا شعب معه" ! ، بل أن الذين كانوا يهتفون بحياته قبل أشهر معدودات هم أنفسهم الذين شتموه الليلة قبل الماضية في أسلوب جزائري فريد في "الإكرام" سبق أن جربه قبل أكثر من عشرين عاما وهو بعد في سن تسمح له بتحمل الشتيمة. وهاهو يشرب من ذات الكأس في الرابعة والستين، و ياله من مصير، مصير هذا الرجل الذي لا مثيل له سوى في الميثولوجيات الإغريقية أو مآسي شكسبير.خرج الشيخ جريحا من اللعبة التي سيكثر أبطالها بعد حين وكأنه لم يكن قبل أسابيع قليلة ذاك البطل الأسطوري الذي يتسابق الولاة ورؤساء البلديات والجمعيات ومدراء الصحف على تكريمه. وكأن الجماهير لم تكن تتدافع من أجل مصافحته والتبرك به كولي صالح. وكأنها لم تصعد على أكتافه في الخروب و باتنة والمسيلة ، وكأنه لم يكن ذاك الشيخ الذي تغلق المطارات والمحلات الكبرى لأجله بسبب حب الجماهير التي تهتف "الجيش الشعب معاك يا سعدان في كل مكان..." وكأنه ليس هو الذي كتبت حول عبقريته الأغاني. ليست هذه قوانين اللعبة ولكنها طريقة الجزائريين في الحب والكره. وهي طريقة عنيفة وغير معقولة في الحالتين.لقد كان حب الجزائريين لمدرب منتخب كرة القدم مبالغا فيه مثلما كان غضبهم عليه مبالغا فيه ومثلما كانت نظرتهم للفريق الذي توقعوا فوزه بكأس العالم مبالغا فيها وغير عقلانية.فالجزائر عانت ولفترة طويلة من إفلاس كروي وهي الآن في المرحلة الإعدادية للاحتراف، بل أنها بعدَ على باب الدخول الصعب للاحتراف بعدما تحولت اللعبة لسنوات طويلة إلى مصدر بزنسة وانتفاع لأشخاص لا علاقة لهم بالكرة. وما تحقق في الأشهر الأخيرة من تأهل إلى المونديال وتقدم في المنافسة الإفريقية، لم يكن في الحقيقة سوى جني لثمار زرعها الآخرون، من خلال الاعتماد على اللاعبين المغتربين الذين حملوا الألوان الوطنية وقدموا ما عليهم، بل ونجحوا في إسعاد الجزائريين ووضع الجزائر في مصاف الأمم الكبيرة كرويا.هذا الجهد يجب أن يشكر عليه اللاعبون ومدربهم، الذي لا يستحق الإهانة حتى وإن أخفق أو أبان عن محدودية طاقته، لأنه قدم أقصى ما يمكن تقديمه ووصل الآن إلى الحائط والخوف كل الخوف أن يعجز خليفته عن الحفاظ على المكسب المحقق إلى حد الآن والعودة إلى نقطة الصفر، فالجزائر تتوفر على فريق يحتاج إلى نفس جديد وليس إلى إعادة نظر، كما يطالب بعض رؤساء الفرق من باب "التجارة" لأن خرافة اللاعب المحلي تبدو غير قابلة للتصديق في الوقت الراهن على الأقل.والكرة الآن في ملعب محمد روراوة الذي أقال سعدان بعد شهر من تمديد عقده، أي في وقت صعب للغاية وغير مناسب على الإطلاق وقد يعصف بما تم تحقيقه لحد الآن. حتى وإن كان الفريق في مأزق أمام محدودية الطاقم المقال في إيجاد الحلول وافتقاده إلى أسلوب هجومي، جعله يكتفي باستراتيجية دفاعية كلاسيكية ولم يغامر في الهجوم إلا مكرها في المقابلة الأخيرة ورغم ذلك لم ينجح في جني الأهداف التي كانت تجنبه المقصلة.ما تحقق في النهاية يستحق الثناء ومواصلة العمل مع مدرب يقدم الإضافة ولا يهدم ما تم بناؤه لئلا نعود إلى الحلقة المفرغة التي ظلت الكرة الجزائرية تدور فيها لعقود طويلة، وهو سلوك عبثي قد يعود إلى أول المرض ويغفل العلاج.