السينما بحاجة لمراحل تاريخية لتبلغ النضج والتشكيل أساس كل فن ينفرد الممثل أرسلان بخاصيتين قلما تجدهما عند الممثلين، حيث يجمع بين التمثيل و الرسم، مقسم بين عالمين مختلفين، بقلب منشطر بين واقع يجسده تمثيلا و آخر بالألوان، خلف نظاراته السوداء و جسمه النحيل يختبئ قلب مرهف و فنان مقتدر. يتابع المشهد الفني تارة من بعيد، وتارة أخرى منشطا له، من خلال مشاركته في العديد من الأعمال التلفزيونية و السنيمائية إلى جانب المسرح، شكلت لدية قناعة أن الأعمال الناجحة لا يصنعها الفنان لوحده، وإنما قوة مجموعة العمل، كما يرى الفنان لراري محمد أرسلان في حوار للنصر أن الحركية التي تشهدها الساحة الفنية، تعد مؤشرا إيجابيا، حتى وإن كان من الضروري أن تمر الحركة السنيمائية بمراحل حتى تبلغ النضج المطلوب. بماذا تفسر غيابك عن الشاشة الصغيرة؟ هناك سببان أراهما وراء غيابي عن الشاشة الصغيرة، أولا لم تعرض علي أعمال، وما عرض علي لا يهمني، وكما جرت العادة في السنوات الأخيرة وعلى مقربة من شهر رمضان ينشط المخرجون و المنتجون،غير أن ذلك لا يهمني، وبطبعي لا أقبل أي شيء، أشترط في كل الاعمال التي اشارك فيها ن مهما كانت قيمة الدور، أن يكون العمل متكاملا من جميع الجوانب، لست من الذين يبحثون على الظهور مهما كان العمل المقترح عليهم. ما الذي شد اهتمامك حتى تشارك في فيلم ساعي البريد؟ هناك العديد من الأمور التي جعلتني أشارك في هذا الفيلم ، منها منتج الفيلم الذي عرف كيف يحسسني، و الفضل يعود إليه لمشاركتي في هذا الفيلم ، لقد رفضت عرضه مرتين لكنه أصر، أعطاني السيناريو لقراءته، وبكل صراحة أعجبني كثيرا، وبخاصة شخصية الفدائي، وكنت على يقين أنني سأعطي بعدا لهذا الدور. أداؤك لدور الفدائي، يخالف الأدوار الكوميدية التي كنت تؤديها؟ قليلون أولئك الذين يعرفون أنني كنت أقدم أدوارا كوميدية، في السبعينيات كل الجوائز حزت عليها بهذه الأدوار، عندما كنت في المعهد، كما أديت أدوارا كوميدية وحتى الجوائز التي حصلت عليها كان في هذا النوع من الأدوار، لعب مع المركز الثقافي الفرنسي وقدمت فيه ثلاث مسرحيات منها مسرحية ، وحتى مسرحية المحقور كانت ضمن هذا النوع . بعدها أديت دور مراسل حرب في فيلم الاستقلال لموسى حداد، وآخر مع لمين مرباح في فيلم الملاكم وبعد ذلك شاركت في فيلم المصير، وابتعدت من حينها عن الأدوار التي كنت معروفا بها في بداية مشواري الفني، وبعدها يضعونك في قالب معين من الأدوار وهذه ليست خاصة بالسينما الجزائرية، وإنما هي ظاهرة عالمية من المؤسف أن يتم وضعك في خانة معينة من الأدوار. ماهي المسافة الفاصلة بين ارسلان الممثل و الرسام ؟ هو عالم آخر، الممثل هو في خدمة فيلم، سيناريو و تصور مخرج لهذا العمل، فهو يجسد ما هو معروض عليه من عمل، في المقابل فإن الرسام ، أو الفنان التشكيلي ، هذا الفن الذي اعتبره هو أساس كل إبداع ، فإنه يضعك في عزلة، وحيدا ، أنت و الله و الكون. . و حينها تحاول أن تجعل للامرئي ، مرئيا، فمهما كانت المدرسة التشكيلة التي تنتمي إليها أو تعبر بها فأنت في عالم الإبداع ، الذي لا يرحم، و إذا رفعت من سقف طموحاتك في هذا الفن، فإن ذلك يحتم عليك أن تبذل مجهودات إضافية ، الإبداع فعل صعب و يتطلب عملا كبيرا و صبرا و مواضبة مستمرة ، حالة الإبداع تجعلك تحسن انك بحاجة لمضاعفة الجهد ،حتى تبلغ درجة معينة من الرضا على النفس، نفسية المبدع . في الجهة المقابلة الممثل منذ نشأته له نفس الأحاسيس و المشاعر، كبقية الناس نفس المشاعر، البكاء، كما الضحك أو الحزن، و الفرق أن الممثل له القدرة على تقديم هذا الإحساس وفق معايير معينة و محددة في إطار فني ، ولست الوحيد الذي يرى أن قيمة الممثل تكمن في الدور الذي يؤديه، مهما كان رئيسيا أو ثانويا ، ضمن منظومة متكاملة و متجانسة، كما يحدث بالضبط في فريق لكرة القدم، قد تكون أحسن لاعب و عندما يكون زملائك دون مستواك بالضرورة تصبح مثلهم، مهما كانت قيمتك الفنية، فالممثل الجيد قبل أن يجسد الدور يجب أن توفر شخصية واضحة يؤديها، ضمن مجموعة جيدة و متجانسة. نجاح فيلم ليس مرتبطا بفرد واحد وإنما بمدى قوة المجموعة. هل تعتبر الحركية التي تعرفها الساحة مؤشرا صحيا أم ظاهرة عابرة؟ شخصيا شاركت سنة2012في ثلاثة أفلام ، واحد بالأمازغية للأسف تمت دبلجته و فضلت أن أحافظ على صوتي في هذا الفيلم ، و آخر مع المخرج خالد بركات و الثالث مع شريف عقون، هي ادوار ثانوية ، غير أنها مهمة. بالنظر للأعمال التي تم إنتاجها في الفترة الأخيرة ومن هذا المنظور يمكن اعتبار هذه الحركية بالإيجابية، لأنها تجرى ضمن إرادة حقيقة من أجل إنتاج وإخراج أفلام ذات نوعية، في المقابل هناك من ينتج أفلاما من أجل كسب المال لا غير، وهو الأمر الذي تفطن له جانبا من الجمهور الذي انتقد هذا النوع من الأعمال،هناك مراحل تاريخية يجب أن تمر عليها الحركة السينمائية، و بالطبع هناك الجيد والأقل من ذلك. هل فيلمك القادم سيكون مع نفس منتج ساعي البريد؟ من الممكن أن يتم تصويره كذلك في قسنطينة، ماهو أكيد انه سيكون مع المنتج الذي يعد شخصية فريدة من نوعها ، لقد سعدت بالعمل مع مجموعة طاقم العمل لساعي البريد، أما فيما يخص الفيلم القادم ، تدور أحداثه أثناء حرب التحرير بالضبط سنة 1958و أجسد دور كشاف يخرج من السجن ، ويروي تاريخ نضاله في الأربعينات ويحاول أن يؤسس لجيل جديد مثقف مؤمن بقضية شعبه، من خلال تثقيف هؤلاء الشبان، كما أنه يرد على المستعمر بنفس مستوى لغته و ثقافته ، لقد أعجبت كثيرا بهذا الدور، وأحسست بنوع من الجاذبية لهذا الدور، الذي يذكرني بوالدي الذي شارك في ثورة التحرير، و بالوكالة عن والدي سأكون الكشاف الذي يفتح الطريق لجيل الاستقلال. وهل من مشاريع في المسرح ؟ من المحتمل أن أقوم بدور في مسرحية هامل لمصطفى نجاع و تدور حول وضعية فنان يرى الآخرين أنهم دائما هم سبب تعاسته، وقد تكون إلى جانبي ممثلة تلعب دور ضميري، أما من يخرج هذا العمل فقد يتم التعامل مع مخرج أو مخرجة من فرنسا ، كما لدي مشروع مازال قيد الدراسة مع سليمان بن عيسى. ماهي الصورة الأخيرة التي تحتفظ بها لفيلم ساعي البريد؟ بدون مجاملة، لقد عملت مع مجموعة رائعة سواء المنتج رياض بلموفق أو المخرج مهدي عبد الحق أو حتى كاتب السيناريو عزيز عجابي، كما قلت فإن نجاح الفيلم يكمن في تضامن تجانس و مجموعة العمل.