المسارح تفقد الحكاية حميميتها و ثورة الياسمين كانت حاضرة في قصصنا قبل أن تنطلق نجح في جذب اهتمام هواة الحكاية بقسنطينة كحكواتي و مؤطر حظي تلاميذ ورشات التكوين في فن الحكاية بالمعهد البلدي للفنون بفرصة الاستفادة من خبرته الكبيرة التي تزيد عن الثلاثين سنة في مجال السرد الشفوي، و هو يزور قسنطينة لخامس مرة على التوالي للمشاركة في مهرجانها الدولي للحكاية، إنه الناشر و صاحب مكتبة "علاء الدين" التونسي عبد الرزاق كمون الذي فتح قلبه للنصر و تحدث عن تجربته في فن الحكاية. -لو طلبا منك تقديم نفسك لقراء النصر فماذا ستقول؟ - أنا عبد الرزاق كمون من مدينة صفاقسالتونسية مؤسس مكتبة علاء الدين للنشر و التوزيع و ناشط ثقافي اشترك مع مجموعة من الأصدقاء منذ أكثر عشرين سنة في تأسيس معرض صفاقس لكتاب الطفل و تولى أمانته العامة لأكثر من 15دورة ، كما أسس جمعية دنيا الحكاية التي نظمت مهرجانها الخاص سنة 2012. اشتغلت بالتدريس في المدارس الابتدائية في بداية حياتي المهنية قبل أن أعمل كموظف مسؤول عن مكتبة لجنة التنسيق لأكثر من عقدين،أسست نادي علاء الدين للكتاب للاحتفاء بالإصدارات الجديدة من خلال تقديمها علميا تكريما لمؤلفيها نذكر منهم على سبيل المثال المرحوم جودت كساب، المرحوم محمد القيسي، أحمد دحبور من فلسطين، نصر حامد أبو زيد، هاشم النحاس من مصر، نبيل سليمان من سوريا، عبد السلام الشدادي من المغرب ...و غيرهم، خضت تجربة الحكواتي منذ عقود. -شاركت في الكثير من المهرجانات العربية و الأجنبية للحكاية، هلا حدثتنا عن ذلك؟ -نعم أنا ناشط في بيت الخبرة أهتم بثقافة الطفل و بالثقافات الشعبية محاضرا و راعيا و حكواتيا أيضا، لذا فأنا أشارك باستمرار في مهرجان الحكاية الذي حملني إلى الكثير من الدول العربية منها اليمن، عمان، المغرب، الشارقة و الجزائر التي كنت فيها حكواتي الشهر في 2011خلال مهرجان الحكاية الدولي بقسنطينة قبل أن أعود لها لخامس مرة على التوالي كأستاذ مكوّن و حكواتي أيضا. - كيف ترى واقع الحكاية الشعبية في الوطن العربي؟ - للحكاية جذور عريقة في البلاد العربية و لعلنا نحن العرب أعرف الناس و الأوثق صلة بالحكاية، فشهرزاد لنا و ألف ليلة و ليلة بحر حكاياتي لا ساحل له الكل غرفوا على مر السنين و إلى يومنا هذا منه دون أن يقتصدوا لكنه لم ينفد، لكن رانت على الوطن العربي و لاعتبارات كثيرة الابتعاد على الحكاية و تخلي الجدات عن دورهن في نشر الحكاية في ظل ظهور وسائل ترفيه جديدة أكثر إغراء كالتلفزيون الو كمبيوتر...و غيرها من الأجهزة المستوردة التي نابت عن الجدات و إن كانت لم تنجح في حل محلها تماما، لانعدامها للنفس الذي تشعه الجدة بحضورها، بحركاتها و جسمها و حيويتها، و قد اكتشفنا كغيرنا من عشاق الحكاية في مختلف بلدان العالم حاجتنا للعودة إلى ذلك الحضن الدافئ الذي بات ينقصنا، فكانت العودة قوية بالنظر إلى المهرجانات المنظمة بمختلف الدول العربية و التي كان لي حظ المشاركة فيها، و عدد طبعاتها يؤكد نجاحها في الاستمرار و استعادتها لمكانتها، كمهرجان الرباط الذي تجاوز طبعته الثامنة،و مهرجان عمان بالأردن الذي يسير في نسخته السادسة و الذي أطلقته شبكة "حكايا" البرنامج العربي-المتوسطي لإيمانه بمركزية "القصة" في النمو الصحي للأفراد والمجتمعات و الهادف إلى استعادة مركزية القصة في الفن، التعليم والحياة عن طريق جمع الفنانين، المؤديين، الحكائين، مؤرخي التاريخ الشفوي، المعلمين والباحثين...كما برهن المهرجان الدولي للحكاية بقسنطينة على مكانة الموروث الشفوي الشعبي في الجزائر، و العودة القوية للثقافة التعبيرية. - هل تفضل أن تبقى الحكاية في الأجواء الحميمية أم أنك مع نقلها إلى المسارح العالمية؟ - المناخ الطبيعي للحكاية هي الأجواء الحميمية سواء داخل العائلة أو بالأماكن الصغيرة بالمدارس و النوادي و بيوت الشباب و المقاهي التي لو عادت إليها الحكاية لتمكّن حكواتيون مبدعون في إبراز طاقاتهم الكبيرة في هذا المجال، و لنجحوا في إعادة الوصل بين الناس و عالم الحكاية الساحر، لأنها جزء من ذاكرة الناس و طفولتهم و جذورهم...و عندما يكون الحكواتي بارعا فلا يهم حينها المكان، لأنه في النهاية ينجح في جمع الناس كما كانوا يتجمعون في الأسواق الأسبوعية حول القوال و الراوي... أو أي كانت تسميته و الذي كان ينجح في جذب الناس و ينسيهم همومهم و انشغالاتهم الكثيرة. المهم أن حكواتيي اليوم لا يعيدون بطريقة كربونية ماضي الحكاية. فللحكاية دور لا تزال قادرة على أدائه كما في الماضي فهي جذر حي يمكن إعادة استغلاله لبعث نبتة جديدة، أو هذا على الأقل ما نشعر به و نحن نرى الحكواتيين العرب يجوبون المسارح العالمية في زمن التكنولوجيا. -من أين يستقي كمون حكاياته المثيرة ؟ - في الحقيقة طرحت على نفسي هذا السؤال مرات عديدة و أعددت بحثا خاصا حوله بعنوان "منابع الحكاية"... و المعروف أن مصادر و منابع الحكاية غزيرة و ليست لها حدود جغرافية فهي تراث واسع ينهل من تجارب من سبقونا في هذه الحياة و نحاول نحن أن نلائم بين وقائعه و بين وقائع عصرنا دون نقل كربوني أيضا و إنما يطغى عليه خيال و لمسة السارد و عليه فأنا مثلا أفضل استهلال قصتي بعبارة "كان يا مكان في قديم الزمان و هذا الزمان"لأنني لا أستطيع سرد قصة دون الإشارة أو ربط المجتمع بما يعيشه اليوم و لو بتلميحات طفيفة، فهذا الزمان أيضا له وقائعه القادرة على خلق الفانتازيا. -إلى أي مدى ألهمتك ثورة الياسمين؟ - ظن الكثيرون في بداية ثورة الياسمين أنها ستكون سجا غير ناضج لتأليف الحكايات، متناسين أن الحكاية كانت دائما و لم تنقطع يوما عن انتقاد الطغاة و الظالمين فكان من السهل أقلمة الكثير منها مع ما يحدث حاليا في بلادنا العربية ، و كانت أيضا تعبيرا عن الثورة حتى قبل انطلاقها. و قد سبق لي أن انتقيت حكايات استقيتها من بعض روايات أمريكا اللاتينية و التي أضفيت عليها واقعنا في تونس فحققت نجاحا.