* قسنطينة أصبحت ضحية سمعتها الطبية 15 يوما للحصول على موعد مع طبيب متخصص في الأمراض النادرة العثور على طبيب خاص في تخصصات كأمراض القلب، العيون، الالتهابات المفصلية، العظام، أمراض النساء وكذلك الأمراض الجلدية يتطلب الكثير من الوقت ويضع المعني في حالة اختيار بين طبيب بدرجة بروفيسور أو طبيب عادي، وهنا يكمن الفرق الجوهري، ففي الحالة الأولى على المريض أن تكون لديه قدرة على الصبر و الانتظار في طابور طويل أو تتوفر لديه طرق أخرى للوصول إلى الطبيب في أقل وقت ممكن ، ورغم صعوبة الأمر إلا أن الكثيرين يتعاملون مع أسماء بعينها ، ما يجعل عيادات أطباء معروفين تكتظ بالمرضى، وتعد قسنطينة التي تعرف بأطبائها حالة نموذجية يمكن من خلالها أن نحصل على صورة شبه كاملة عن وضعية الطب الخاص والأخصائي. روبورتاج : إ.زياري فلم يعد من السهل تحديد موعد لدى طبيب مختص أو إجراء فحص بسهولة مهما كانت الحالة حرجة، بعد أن أصبحت زيارة عيادة مهمة شاقة تتطلب قدرات للصمود أمام تلك الطوابير و الصعوبات التي تحول مجرد كشف طبي إلى معاناة قد تزيد المرض تعقيدا. فلا تكاد عيادة خاصة تخلو من مشاهد الطوابير التي تتعدى قاعات الانتظار لتحتل السلالم وحتى الأرصفة بداية من الساعات الأولى من اليوم على أمل الفوز بكشف قد يتطلب الاستعانة بعلاقات خاصة أو دفع ما يشبه الرشوة لتقديم الموعد بساعات وربما دقائق. قد تختلف التسميات و المواقع لكن المشهد واحد، فمجرد القيام بمحاولات لتحديد موعد زيارة لدى طبيب مختص ، كفيل بأن يكشف النقاب عن تلاشي الفروق بين القطاع العام و الخاص في مجال الصحة بعد أن تغير المشهد في السنوات الأخيرة. جولة قصيرة بمرافق صحية خاصة بقسنطينة جعلتنا نقف على حقيقة أن القطاع قد تحول إلى ما يشبه الجحيم لمرضى يقضون يومهم في البحث عن طبيب مختص كفيل بأن يشخص الحالة أو يجري فحوصات أو يتابع حالة ما. العلاج عند بروفيسور مشقة يفضلها الكثيرون لم تختف مظاهر الطوابير داخل عيادات معينة رغم تزايد عدد الممارسين في السنوات الأخيرة، بل الملاحظ أن الظاهرة قد أخذت في التزايد بشكل يطرح تساؤلات حول الجدوى من فتح عيادات جديدة في وقت يكاد التركيز ينحصر في عدد محدود من العيادات المعروفة منذ سنوات طويلة، فنجد في تخصص أمراض القلب مثلا التدفق يكاد يقتصر على اسمين أو ثلاثة وبحجم يجعل المواعيد تحدد بأشهر، وإن كان بعض الأطباء يحددون مواعيد مسبقة فإن آخرين يعتمدون على الترتيب الزمني للحضور، ما جعل عيادة تقع شرق المدينة تشهد إقبالا بداية من الرابعة صباحا إلى درجة أن الممرض قد وضع سجلا وقلما بمدخل العمارة للتسجيل فجرا، في أسلوب جعل أهل المريض يسجلون ثم يجلبون المريض خاصة بالنسبة للقادمين من ولايات أخرى، وهي ظاهرة تنطبق تقريبا على تخصصات طب الأطفال مثلا، حيث اصطدمنا بحالة عيادة تجبر أولياء المرضى على حجز الموعد يوم الجمعة فجرا ويكون الفحص في اليوم الموالي، بينما اهتدى طبيب عيون إلى طريقة الحجز بالانترنت التي يراها كثيرون عملية ويقول آخرون أنها غير متاحة في كل الحالات،فيما عيادات أخرى تمنح الأولوية في الفحص صباحا للقادمين من ولايات مجاورة ،بينما تخصص الفترة المسائية لسكان قسنطينة وهنا نجد طبيبة تقدم فحوصات ليلية بنفس التقسيم. تخصصات نادرة تتطلب أشهرا لحجز موعد وبعملية حسابية يمكننا أن نجد أن هناك ما بين 10 إلى 15 عيادة خاصة تشهد إقبالا كبيرا إلى درجة أن الطوابير تمتد خارج العيادة ،و الملاحظ أن نفس المعطيات موجودة بمستشفيات خاصة استقطبت أطباء معروفين يقومون بفحوصات بمعدل مرة أو مرتين أسبوعيا ما جعلها تكتظ بالمرضى. وإذا كان هناك من الأطباء من يكتفون بمعدل 20 مريضا يوميا نجد من يعملون على مدار اليوم وحتى مساء أو ليلا لتتحول تلك العيادات إلى ما يشبه المصنع، كون الكثير من الولايات المجاورة لا يزال مرضاها متمسكون بالعلاج بقسنطينة وعند أطباء دون غيرهم. وفي المقابل هناك عيادات شبه خالية لأن أصحابها أطباء جدد لم تكون لدى المواطنين فكرة واضحة عنهم ويفضلون الانتظار لساعات بدل أن يجربوا طبيا آخر غير ذلك الطبيب المعروف الذي تعدت سمعته حدود الولاية ما يعطي الانطباع بأن قسنطينة لا تزال كما كانت منذ عشرين سنة الولاية الوحيدة في الجهة التي بها أطباء مختصين. و حيث أن المشهد عاد ليرتسم مجددا في السنوات الأخيرة عبر كافة عيادات الأطباء المختصين و دون استثناء.. حاولنا البحث في هذا الواقع و قررنا القيام بالتجربة لمعايشة الأوضاع التي يعانيها المرضى في التنقل بين هذه العيادات، كان اليوم في بدايته و كنا على يقين بأننا سنحظى بفرصة للمعاينة لدى طبيب مختص، غير أننا صدمنا بعد وقت قصير، وتحديدا عندما وصلنا لأول عيادة بوسط المدينة مختصة في المعدة و الجهاز الهضمي، طلبنا موعدا، لكن الممرضة استغربت و ردت بأن "الوقت قد فات لتحديد موعد"، عدنا أدرجنا وحاولنا البحث عن بديل لكن الأمر بدا مستحيلا لكون المختص الثاني كان في عطلة، هكذا قضينا يوما كاملا في البحث عبر العيادات المختصة، ولم نوفق و لو بموعد . أطباء جدد بلا مرضى وتدفق قياسي على الأسماء المشهورة اعتقدنا و نحن نبحث عن بديل لطبيب مختص في أمراض القلب و الأوعية بأن المهمة سهلة، لكن الواقع كان عكس ذلك إذ ردت ممرضة إحدى الأطباء بأن الأمر مستحيل و علينا العودة بعد نحو 15 يوما، استغربنا و قررنا تغيير العيادة، فاخترنا أخرى بالقرب منها، أين ردت الممرضة بكل برودة أعصاب بأن المواعيد تمتد إلى أشهر ويستحيل أن تكون آنية. كانت الرحلة شاقة، و بدأنا في الاستسلام و الرضوخ إلى الواقع تدريجيا عندما أكدت إحدى الممرضات بأنه لا يوجد طبيب لأمراض القلب آخر بالولاية سوى طبيب واحد هو في عطلة حاليا، لنكتشف عبر هذه الجولة أن هناك محدودية في عدد الأطباء المختصين، فيما قال مرضى بأن كفاءة بعض الأطباء وراء امتلاء عياداتهم قبل الساعات الأولى لليوم. اقتربنا من إحدى العيادات فوجدنا قاعة الانتظار ممتلئة و ضجيج كبير تصنعه لهجات مختلفة من ولايات متعددة، سألنا إحدى السيدات فقالت بأنها قدمت من ولاية سكيكدة و وصلت فجرا للعيادة بعد أن كانت حصلت على موعد قبل شهر، و الأخرى قالت بأنها من ميلة، و أخريات من باتنة و حتى من ولايات الجنوب كبسكرة و تندوف، قالوا جميعا أنهم باتوا في العراء من أجل التمكن من إجراء فحص لدى هؤلاء الأطباء. بطالون يحجزون المواعيد مقابل 100دج زرنا عيادة خاصة بأمراض النساء في إحدى أجزاء المدينة، فصدمنا للواقع، كانت الساعة مبكرة جدا غير أن من ينتظرون أدوارهم كانوا كثرا، قاعة الانتظار ممتلئة، البعض يقف برواق العيادة و الأغلبية تفترش سلالم عمارة لا يسمع فيها إلا ضجيج المرضى و هم يحاولون تحديد موعد مع الممرض الذي غادر بعد الساعة الثامنة تاركا مكانه لشقيقته لتسيير العيادة. تفاجأت الممرضة و نحن نحاول تحديد الموعد، ردت بنبرة حادة و قالت"هل من يرغب في المعاينة يأتي عند الثامنة"، حاولنا الاستفسار فقالت بأنه علينا القدوم عند الفجر لأن المواعيد تسجل في أغلب الأحيان بعد صلاة الفجر مباشرة. فوجئنا بعد فترة قصيرة بظهور مجموعة من الشباب من سكان العمارة، كانوا يعرضون مواعيد للبيع، استغربنا و تقربنا من هؤلاء بعد أن قال لنا أحد المرضى بأن هذا عملهم، يستيقظون قبل الفجر و يسبقون المرضى للعيادة أين يحصلون على المواعيد الأولى للمعاينة، ليقومون ببيعها فيما بعد للمرضى بسعر يتراوح بين 50 و 100 دينار. أسعار خيالية و أخرى رمزية ترفع من شعبية الطبيب لم تعد قيمة المعاينة لدى الطبيب المختص في متناول الجميع، فالفاتورة بحسب بعض المرضى تضخمت بشكل كبير وتراوحت بين 1200 إلى 2000 دينار للمعاينة الواحدة، و هي التكلفة التي يرى المرضى بأنه مبالغ فيها، فحتى التكفل العلاجي البسيط كإزالة الخيط بعد العملية الجراحية أو تضميد الجرح تصل تكلفته بعيادات كثيرة إلى 1200 دينار، وفي المقابل نجد هناك عدد محدود من أطباء يعملون بأسعار توصف بالرمزية عياداتهم تعج بالمرضى مثل طبيب عام معروف بمدينة زيغود يوسف وطبيب أطفال بالخروب وطبيب عيون بحي الدقسي. و الأغرب من هذا أن الكثير من الأطباء المختصين و حتى العيادات الخاصة بقسنطينة ترفض التعامل عبر الكشوفات بالأشعة أو التحاليل التي تجرى خارجها، و هو الشعار الذي تم إشهاره داخل هذه الأماكن إعلانا عن أن الكشف أو التحاليل يجب أن تقام داخلها و أنها لا تتحمل مسؤولية تلك التي تجرى خارجها، ما يراه المرضى مبالغ كبيرة تضاف إلى ميزانيات ضخمة تصرف بهذه العيادات التي أطلق عليها البعض وصف "تجار الصحة"، خاصة و أن القائمين عليها لا يراعون الظروف الاجتماعية للمرضى و يرونهم مجرد مال يدخل خزائن العادات بتوجه المعني أولا إلى صندوق الدفع قبل أي شيء. و كشفت مصادر مقربة من فئة الأطباء المختصين بقسنطينة بأن البعض منهم لا يصرحون بالعدد الحقيقي للمعاينات اليومية لمصالح الضرائب، كما تلتزم بعض العيادات بمعاينة عدد محدد للمرضى، فيما يتم صرف الباقين و إن كانوا انتظروا طوال اليوم.. و هي السلوكيات التي يعتبرها المواطنون غير لائقة و لا إنسانية خاصة بالنسبة للحالات الحرجة و المستعجلة التي تعاني باستمرار من هذه الإشكالية لكونها لا تستطيع الانتظار. وفي المقابل نجد فئة من الأطباء وعددهم بقسنطينة لا يتعدى أصابع الأيدي تشهد تدفقا قياسيا ليس بسبب الشهرة وإنما لأسعارهم المنخفضة جدا تمثل في بعض الحالات عشر ما يطبقه باقي الأطباء ما جعل تلك العيادات تتحول إلى ما يشبه السوق لكثرة الوافدين عليها، كون فئات عديدة لا تسمح إمكانياتها بتلك الأسعار الخيالية المطبقة، ويتنقل مواطنون مئات الكيلومترات وقد يقضون اليوم بأكمله في الانتظار ، وهذه الفئة تكونت بينها وبين المرضى علاقات اجتماعية وإنسانية جعلت المريض يرتبط بالطبيب ولا يرضى عنه بديلا. البروفيسور كيتوني ياسين الأمين الولائي لنقابة الأساتذة الباحثين الاستشفائيين الحلّ في تحسين الخدمة بالمستشفيات الجامعية و رفع عدد المكوّنين يرى البروفيسور كيتوني ياسين الأمين الولائي للنقابة الوطنية للأساتذة الباحثين الاستشفائيين الجامعيين بقسنطينة، بأن إشكالية الطب الأخصائي في الجزائر لا تكمن في نقص العيادات الطبيّة، بل في عدم الاستغلال الأمثل للإمكانيات البشرية الهائلة التي تتوفر عليها المستشفيات الجامعية. واعتبر بأن العيادات الخاصة بقسنطينة موجودة بالعدد الكافي و في جميع التخصصات المطلوبة، لكنها أثقلت كاهل المرضى و كانت الجهات المعنية لتُجنب المواطن كل هذا العناء و تمنحه فرصة الاستفادة من علاج أفضل بكثير، لو حرصت على تحسين خدمات الاستقبال و تسخير الإمكانيات المطلوبة و التجهيزات الطبية الحديثة في المستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، الذي يضم لوحده مائة بروفيسور في جميع التخصصات و ضعف هذا العدد من الأساتذة المساعدين إضافة إلى أكثر من ألف طبيب مقيم، حيث أكد بأن هذا الطاقم يقوم يوميا و بالرغم من نقص الإمكانيات التي يعمل بها مقارنة ببعض العيادات الخاصة، بعمليات معقدة و تدخلات جراحية ثقيلة يتجنب الكثير من الخواص إجراءها. و يرى السيد كيتوني بأن المشكلة الأساسية التي يواجهها الأطباء و المرضى بقسنطينة، هي النقص الفادح في عدد الأساتذة المكونين للأطباء المختصين، مرجعا ذلك إلى اعتقاد الوصاية بأن المستشفى الجامعي يتوفر على جميع الإمكانيات و الاختصاصات، بالرغم من وجود عجز كبير في عدد المكونين ببعض التخصصات على غرار مصلحة طب النساء و التوليد التي لا تتوفر سوى على طبيبين بدرجة بروفيسور، إلى جانب مصالح أمراض القلب و أمراض المفاصل و الروماتيزم و الجراحة الصدرية و الطب الداخلي و كذلك طب العيون. و في حديثه للنصر ذكر الأمين الولائي لنقابة الأساتذة الباحثين الاستشفائيين بأن المستشفى الجامعي بقسنطينة "ذهب ضحية سمعته الجيدة لدى الوصاية"، حيث تُفتح مناصب التخصص سنويا بعدد أقل في قسنطينة مقارنة بالجنوب و ولايات أخرى، كما ينظر لعاصمة الشرق على أنها تتوفر على القدر الكافي من العيادات الطبية الخاصة. و مما زاد من تأزم الوضع، حسب البروفيسور كيتوني، نفور أغلب الأطباء المختصين من اجتياز فترة الخدمة المدنية الإلزامية بقسنطينة، لأن مدتها تصل إلى أربع سنوات، في وقت يمكنهم بولايات الجنوب مثلا إتمامها في سنة واحدة، ليخلص إلى وجوب تحسين مستوى الخدمات بمستشفى جامعي يعرف غالبا نقصا في أبسط المواد مثل الكواشف "ريياكتيف" الضرورية لإجراء التحاليل. و دعا البروفيسور المختص في الأمراض الداخلية إلى ضرورة الإسراع في إنجاز المستشفى الجامعي الثاني بالمدينة الجديدة علي منجلي، الذي سيساهم حتما في فتح مناصب أكبر للأطباء المختصين و الأساتذة الاستشفائيين، مع ضمان تكوين تطبيقي حقيقي للطلبة عوض النظري، الذي يُقدم في مستشفى ابن باديس داخل قاعات لا تتعدى مساحتها 200 متر مربع لكنها تضم أزيد من مائتي طالب. ياسمين بوالجدري البروفيسور عبد الحميد أبركان إهمال الجانب الاجتماعي للطبيب الجزائري خدم الصحة بفرنسا يفسر الوزير السابق للصحة البروفيسور عبد الحميد أبركان أزمة الأطباء المختصين ببلادنا على أنها نتاج إختلالات منظومة صحية لا تعتمد على التدرج في العلاج وقال أن الوضع الاجتماعي جعل فرنسا تستفيد من كفاءات جزائرية في تخصصات هامة بينما تشكو بلادنا من نقص حاد يعود في جزء منه لطغيان العنصر النسوي على المهنة. حيث يرى البروفيسور عبد الحميد أبركان أنه لا توجد مشكلة تكوين في الطب الأخصائي بالجزائر وإنما هجرة الأطباء خلفت فراغا، مؤكدا أن الوضعية الاجتماعية والأجور التي كانت تدفع أدت إلى بحث الأطباء الأخصائيين عن وجهات أخرى وكانت فرنسا أهم وجهة للجزائريين ما جعل هذا البلد يقدم خدمات عن طريق طاقات جزائرية في عدة تخصصات كأمراض العيون، التخدير والإنعاش، مؤكدا بأن التكوين كان كافيا لتغطية الطلب إلا أن الظروف لم تكن ملائمة لممارسة المهنة، حيث أن القانون الخاص صدر سنة 2002 ولم يستفد الأطباء إلا هذه السنة من الامتيازات التي طالما طالبوا بها ومن أجور نوعا ما مقبولة. البروفيسور أبركان، الذي يعد من أشهر أطباء الجزائر، قال أن الطبيب المختص حلقة هامة في توفير خدمات صحية ذات نوعية، وأن دور الطبيب العام لا يقل أهمية لكن عدم وجود تدرج في العلاج يعود، برأيه، إلى إختلالات في المنظومة الصحية، لأن تقديم خدمات صحية مرتبط ،وفق وجهة نظره، باستعمال كل الوسائل الخاصة منها والعمومية، مشيرا بأن هناك مشكل تأمينات اجتماعية، مؤكدا بأنه لا بد من توفير منظومة صحية متكاملة لا مجرد منظومة علاجية. ويعتبر الوزير السابق أن ظاهرة طغيان العنصر النسوي على التكوين خلفت أيضا عجزا كون المرأة تفضل العمل بالقرب من محل سكنها بدل الذهاب إلى داخل البلاد ما جعل الأخصائيين يتمركزون بالمدن الكبرى كقسنطينةوهران و عنابة والعاصمة، فيما تشكو الولايات الداخلية من نقص حاد، و استدل محدثنا بحالة الجنوب الجزائري الذي قال أنه اعتمد على مدار 50 سنة على ما يسمى بالخدمة المدنية، معتبرا إجبارية الخدمة التي طبقت في السنوات الأخيرة حلا ظرفيا لا يقضي على الأزمة بتلك الجهة من البلاد حتى وإن كان قطاع الصحة القطاع الوحيد الذي فيه إلزامية العمل بالجنوب. محدثنا ينتقد عدم التكامل بين القطاعين العام والخاص ويستغرب عدم إلزام الخواص والصيادلة بالمناوبة، ويعتبر ذلك من أسباب الإختلالات وقد حصر التخصصات النادرة ببلادنا في ما أسماه بالأمراض الحساسة، كالقلب والشرايين، السكري، أمراض العيون، الأنف والحنجرة وينفي ما يقال حول قلة المناصب المفتوحة في مسابقات التخصص. نرجس/ك أطباء مختصون يؤكدون نقص التكوين وتزايد عدد النساء الطبيبات وراء الأزمة يجمع عدد كبير من الأطباء المختصين بقسنطينة أن هناك نقص كبير في التخصصات بالجزائر، و أن ذلك أثر سلبا على سير المنظومة الطبية، ما يدفع ثمنه المريض بالدرجة الأولى، و يحملون الجامعة الجزائرية المسؤولية في ذلك. حيث يقولون أن عدد المكونين سنويا في التخصصات الطبية التي تعتبر بدورها محدودة وراء الأزمة، مشيرين إلى الأعداد القليلة جدا التي تتخرج سنويا في بعض التخصصات، حيث قال طبيب مختص في أمراض المعدة و الجهاز الهضمي أن الجامعة أشرفت على تخرج 8 أطباء في هذا الاختصاص سنة 1998 فقط، وزعوا عبر كامل التراب الوطني، علما أن الهجرة كانت طريق أغلبهم. كما انتقد المعنيون وقف عملية التكوين المكثف للأطباء المختصين على مستوى المراكز الإستشفائية التي كان معمولا بها في وقت سابق، ما خلق ثغرة بات من الصعب جدا سدها من خلال بدائل هي الأخرى غير متوفرة برأيهم، مطالبين في السياق ذاته بإعادة فتح هذا التكوين خاصة بالمستشفيات الجامعية التي تبقى الأفضل لذلك. و عن الإشكالية ذاتها، أشار بعض الأطباء الذين تحدثنا إليهم إلى أن للنساء الطبيبات المختصات يد في الأزمة، حسب تعبيرهم، حيث قالوا أن أكثر من 60 في المائة من الأطباء المختصين نساء يدخلن مرحلة التكوين في مختلف التخصصات، إلا أنه و لدى الوصول إلى المرحلة العملية، ترفض الطبيبات فتح عيادات بعيدا عن مقر إقامتهن، ما يدفعهن للبحث عن العمل السهل عبر المؤسسات الاستشفائية خاصة العمومية بالولايات التي تسكن بها. و لنظام العمل و تطورات العصر كما يقول الأطباء دور في الأزمة التي يرون بأنها تزيد من سنة لأخرى، حيث يجمعون على أن نظام المعاينة القديم أصبح غير مجد، و الخلط بين فئات المرضى و إن كانت العلة واحدة عمل غير سليم، بالإضافة إلى أن استقبال عدد كبير من المرضى كما يفعل البعض لن يقدم نتيجة إيجابية في المعاينة، مشيرين إلى ضرورة تحديد عدد المعاينات اليومية بكل عيادة. و أضاف المعنيون أن تطورات العصر المتسارعة، تفرض نوعا من العمل على الأطباء المسايرين لها و الراغبين في تقديم عمل جيد و معالجة المرضى، حيث تفرض هذه التطورات مثلا فحوصات متخصصة وسط فحوصات هي في الأصل متخصصة، و هي التي تستغرق وقتا لإجرائها و تستدعي تخصيص أيام لها مع توقيف المعاينات العادية، و هي ربما، كما يضيفون، تكون قد خلقت هذا النوع من الزحف بالعيادات المتخصصة لكونها غير موجودة بالمؤسسات الاستشفائية العمومية.