العزوف المتزايد عن خدماتهم يضطر أطباء عامين إلى غلق عياداتهم يرفض الكثير من المرضى استشارة الطبيب العام و يفضلون التوجه إلى الأطباء المختصين معتمدين على تشخيصهم الذاتي لحالتهم الصحية حتى لو كانت خاطئة. و في جولة سريعة بين عدد من عيادات الأطباء العامين بقسنطينة، لفت انتباهنا الصمت الرهيب بقاعات الانتظار بأغلبها لدرجة يعتقد الواحد أن الطبيب غائب أو أنهى فحوصاته قبل الموعد، غير أن الواقع غير ذلك تماما،حيث اعترف بعضهم بتراجع الطلب على خدماتهم و باتوا يشعرون أنهم يعانون بطالة غير معلنة حسب أحد الأطباء الذي طلب منا عدم ذكر اسمه، مشيرا إلى ظاهرة تخلي أصحاب المهنة عن نشاطهم كخواص و العودة إلى المؤسسات العمومية لضمان قوت يومهم. و عكس عيادات الأطباء المختصين و بشكل خاص أمراض القلب، المعدة، المفاصل، و الأعصاب... و غيرها من التخصصات التي يشهد أغلب ممارسيها تهافتا لحد الاكتظاظ بعيادتهم و يعانون من ظاهرة وقوف المرضى لساعات بمداخل العمارات في انتظار دورهم أو من أجل حجز موعد لرؤية الطبيب، لا يكاد بعض ممتهني الطب العام و بشكل خاص المتخرجين الجدد ينجحون في الحصول على فرصة كسب خبرة أكبر لقلة عدد المرضى المترددين على عيادتهم. و لم يخف عدد ممن تحدثنا إليهم تراجع حظهم في العمل مع تضاعف عدد عيادات الأطباء المختصين. و بينّت الأرقام المستقاة من مديرية الصحة بقسنطينة تزايد عدد رسائل الإخطار بغلق عيادات في أوساط الأطباء العامين، حيث سجل القطاع غلق ثمانية عيادات خاصة بالطب العام سنة 2011 و الرقم ذاته سجلته في عدد طلبات فتح عيادات جديدة في الطب العام مقابل 23طلب في مختلف التخصصات. و لمعرفة سبب عزوف المرضى عن عيادات الأطباء العامين و توجههم المباشر إلى المختصين سألنا عدد من المواطنين فكانت الردود متقاربة من حيث التركيز على تكاليف الفحوصات التي أجمعوا بأنها مرتفعة و لا تشجع على المرور على طبيب عام لأجل التوجيه الجيّد. و قال أحد المرضى «لست مستعد لدفع 800دج لطبيب أدرك مسبقا أنه سيرسلني إلى عيادة غيره أين سأدفع مصاريف إضافية». و علقت مريضة التقيناها بإحدى العيادات الطبية المختصة في أمراض القلب بوسط مدينة قسنطينة قائلة :» لم أعد أثق في الأطباء العامين بعد ما عشته من معاناة جراء التشخيص الخاطئ لحالتي من قبل أحدهم، و المضاعفات الخطيرة التي تعرضت إليها بسبب ما وصفه لي من علاج لا يليق لمرضى القلب». و مهما تكن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء العزوف المتزايد عن زيارة عيادات الأطباء العامين الخواص، يبقى الواقع يؤكد تراجع عددها من سنة إلى أخرى، حيث أكد مسؤول بمديرية الصحة بأن عدد الطلبات لفتح عيادات الطب العام زاد باحتشام منذ سنة 2000 ، بسبب تراجع فرص الكسب من وراء هذا التخصص و اقتناع الكثير من الأطباء لاسيّما الجدد بأن العمل بالمؤسسات الاستشفائية العمومية يضمن لهم الدخل الجيّد و المنتظم أكثر من المغامرة في عيادتهم الخاصة في ظل المنافسة مع الأطباء المعروفين و ذوي الخبرة. مريم