ليس هناك نخبة حقيقية في الجزائر ينفي الباحث في الفلسفة حميد زناز في هذا الحوار وجود نخبة حقيقية في الجزائر، ويرى بأنها أي النخبة لابد أن تتشكل من نخبتين يمينية ويسارية. ويعتقد صاحب كتاب "الأصولية كما فسرتها لابنتي"، بضرورة إبعاد الدين كلية عن الصراع السياسي، ويقول بأن المجتمع الجزائري تفطن إلى ألاعيب الأصولية. حاوره: نورالدين برقادي للباحث مجموعة من المؤلفات، باللغتين العربية والفرنسية، منها: المعنى والغضب. مدخل إلى فلسفة سيوران. فصل المقال في مواجهة أهل الظلام، منشورات دار الساقي ورابطة العقلانيين العرب. وقد ترجم إلى اللغة الكردية. أسفار العقل أسئلة فلسفية راهنة / موزع مع جريدة الرافد، أوغسطس 2013. في نشأة الكون والحياة والانسان/ إعداد وترجمة/ منشورات الاختلاف / منشورات ضفاف / دار الأمان 2013..الخ. توجد أمكنة قدّمت للثقافة الجزائرية أسماء كثيرة مثل: أزفون بتيزي وزو، أمسيردا بتلمسان، عين البيضاء بأم البواقي، قمار بوادي سوف..، كما توجد أمكنة أخرى لم تقدم شيئا لهذه الثقافة، ماهي العوامل التي تقف وراء خصوبة أو عقم المكان ؟ على أهمية الأمكنة التي ذكرت وما قدمته من أسماء، لا يمكن القول بأن هناك أمكنة عقيمة لم تقدم شيئا للثقافة الجزائرية، إذ يمكن أن أذكر قرى أخرى غير التي تتحدث عنها قدّمت هي الأخرى كتّابا كبارا وفنانين وسياسيين. فعلى سبيل المثال هل تعرف أن رشيد ميموني وبوعلام صنصال وأحمد محساس هم من جهة واحدة ببومرداس ؟ فمن غير المعقول الحكم على مكان ما بالعقم أو بالخصوبة بشكل مطلق. فأن يولد كاتب أو حتى كتّاب أو فنانيين في مكان ما، فهذا لا يعني أن الكاتب أو الفنان هما من صنع ذلك المكان، فمثلا لو بقي أمين الزاوي وواسيني الأعرج في أمسيردا والطاهر جاووت في أزفون وسعد الله في قمار.. ولم ينتقلوا إلى وهرانوالجزائر العاصمة ودمشق وفرنسا..الخ. هل كانوا سيصبحون الأدباء والبحاثة الذين نعرفهم اليوم ؟ ولئن تحدثت الأسطورة عن عبقرية بعض الأمكنة كوادي عبقر... فالزمان هو الذي يشكل الإنسان، بمعنى النشاط الإنساني فوق المكان.. للنخبة (الأنتلجانسيا) خصائص تميّزها عن غيرها من فئات المجتمع، ماهي المعايير المعتمدة لتصنيف شخص ما ضمن هذه الفئة ؟ بعيدا عن التنظير والتعريف الأكاديمي.. ليس هناك نخبة حقيقية في الجزائر، بمعنى تلك الفئة المستقلة الواعية بذاتها التي تساهم في دفع المجتمع إلى مرحلة جديدة، إلى إصلاح ما يجب إصلاحه وتجاوز ما يجب تجاوزه. ولكن النخبة لا تتكون كالجمعيات بقرار أو باتفاق أو تجمع..هي وليدة حراك اجتماعي وفكري وعلمي وصراعات اجتماعية وسياسية وطبقية .. لا يمكن الحديث عن نخبة دون مراكز بحوث ومجلات متخصصة ودوريات.. الخ. ولكن هذا لا يعني عدم وجود مثقفين مبدعين ولكن تبقى اجتهادات فردية.. مثلا في علم الاجتماع نجد الأستاذ ناصر جابي يحلل ويدرس وينشر ولم يعد باحثا في علم الاجتماع فحسب بل عالم اجتماع.. و هذا لا يعبر إطلاقا عن وضع علم الاجتماع في جامعات الجزائر.. ونحن نعرف الوضع الذي وصلت إليه الجامعة الجزائرية.. ويمكن أن أذكر لك تجارب أخرى في كل الميادين. وعموما لا يمكن أن نتحدث عن نخبة وإنما عن نخبتين: في البلدان المتقدمة نخبة اليمين ونخبة اليسار..في الجزائر وفي البلدان العربية التي تعاني من هجمة أصولية شرسة منذ عقدين، أصبح الصراع قائما بين «نخبة» أصولية تسيطر على المشهد مستعملة كل وسائل ومرافق الدولة ولا تنتج جديدا، بل تحاول تحويل الجديد إلى قديم و»نخبة» حداثية تعيش مهمشة بل كدت أقول في السرية. استوردنا تراثا وتاريخا وتركنا تراثنا وتاريخنا اختلاف خلفية ولغة التكوين، ألا يؤدي ذلك إلى الاختلاف حول مشروع المجتمع ؟ قديما كان يتخرج المعربون من مدارس قرآنية وكان حتميا أن يؤثر ذلك على رؤيتهم للعالم. أما اليوم فالأمر مختلف. ستجد من يدعو إلى دولة أصولية وهو مفرنس وستجد من يدعو إلى العلمانية وهو محسوب على المعربين.. الخ. في فرنسا مثلا يعتقد الإعلاميون أن كل المفرنسين هم من دعاة الدولة العلمانية وهذا أمر مضحك فعلا.. وبغض النظر عن هذا كله فمالك بن نبي كان مفرنسا ودرس بفرنسا وعبد الله شريط كان معربا ودرس بالمشرق. ولكن كان الأول إسلاميا والثاني علمانيا. كيف نظرت النخبة في الجزائر إلى: السلطة، الدين، تعدد اللغات، التراث، المرأة ؟ في الجزائر استوردنا تراثا وتاريخا وتركنا تاريخنا وتراثنا.. هل يعقل أن نعلّم في مدارسنا الأطفال أن أجدادهم عاشوا مرحلة تسمى «الجاهلية» ! حول مسألة السلطة يكفي ملاحظة ما يجري على الساحة السياسية لتجد أن البعض يلعق الأحذية وقلة لا تساوم أبدا والأغلبية صامتة تنتظر المنتصر لتلتحق به.. أما عن تعدد اللغات، فهو أمر أصبح واقعا.. والمرأة جعلها قانون الاسرة مواطنة من الدرجة الثانية وهذا لا يقلق ما تسميه «النخبة». أما عن الدين، فالقليل جدا من ينظر إليه على أنه إيديولوجيا مثل الإيديولوجيات الأخرى وربما تلك هي أم المشاكل..ومادام لم يحدث توافق حول إبعاد الدين كلية عن الصراع السياسي سنبقى خارج الدولة المدنية الحديثة. المرأة المثقفة، ما مكانتها ضمن هذه النخبة ؟ في الجزائر لا قانون يمنع النساء رسميا من التعلم والعمل..الخ. ولكن تبقى المسألة اجتماعية ومتعلقة بالدين الذي يحدد من دور المرأة بل يسلبها مواطنتها كليا، ولو أن المواطنة تبقى منقوصة حتى بالنسبة للرجال في دولة غير مدنية. الأصولية أخطر من الاستعمار، لأنها في خدمة التخلف والانسداد بعد رحيل: مالك بن نبي، عبد المجيد مزيان، عبد الله شريط، محمد أركون، عمار بلحسن، جيلالي اليابس، أمحمد بوخبزة، محفوظ بنون، عبد القادر جغلول، كاتب ياسين، الطاهر وطار..، هل توجد أسماء تستطيع تعويض الأسماء الراحلة ؟ ومصطفى الأشرف ومولود معمري وغيرهم الكثير.. القائمة القصيرة جدا التي تفضلت بها تدل على التنوع الفكري والفلسفي واللغوي الموجود في الجزائر رغم الأحادية السياسية الرسمية التي تسود منذ الاستقلال. أما عن إمكانية تعويض الأسماء الراحلة، فهذا من المستحيل إذ تجربة صاحب «نجمة» مثلا لن تتكرر أبدا لأن ظروف إبداعها لن تتكرر..ولكن ستظهر حتما بل ظهرت فعلا أسماء أخرى سيكون لها شأنا أيضا. أما عن محمد أركون فلا أعرف لماذا وضعته في القائمة.. الرجل أهين من قبل شيخين أصوليين مصريين هنا في الجزائر أمام السلطات الرسمية التي كانت تعشقهما.. وأمضى حياته كلها في فرنسا وهو مدفون في المغرب.. كان منفيا حيا وهو اليوم منفي ميتا ! على ذكر «الشيخين الأصوليين»، أصدرت خلال، سنة 2013، كتابا بعنوان «الأصولية كما فسرتها لابنتي»، حيث تعتبر الأصولية الإسلامية استعمارا جديدا يهدد كيان العالم العربي، هل من توضيح أكثر للفكرة ؟ لقد ظهر جليا أنها في خدمة التخلف والانسداد. تجربتنا في الجزائر أثبتت أنها تهدف إلى تركيع الشعب الجزائري ومسخ ثقافته وتغيير طبيعة دولته، وهي أخطر من الاستعمار لأنها تستعمل الدين وهو أمر عزيز جدا على قلوب الجزائريين ومن هنا تستطيع أن تخدعهم وهو ما لم يستطع الاستعمار الوصول إليه. ولكن يبدو أن المجتمع الجزائري تفطن إلى ألاعيب الأصولية وأدرك أنها دخيلة ولا علاقة لها بهويته الوطنية. لقد حاولت أن أبين خطورة الأصولية أو ما يسمى تلطيفا ب «الإسلام السياسي» في أكثر من كتاب باللغتين.