النصر تنقل معاناة مريضات كتب لهن عمر جديد محفوف بالمخاوف و ظلم المجتمع 97 بالمائة من النساء المصابات بسرطان الثدي يخضعن لعملية لاستئصال أحد الثديين أو الاثنين معا "mastectomie"و 3 بالمائة فقط يخضعن للعلاج الوقائي، حسب رئيسة الأطباء بمركز مكافحة السرطان بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة. الرقم يبدو رهيبا و مقلقا لكنها حقيقة نساء تأخرن في عرض أنفسهن على طبيب و تشخيص حالتهن لأسباب أو لأخرى إلى أن تدهورت صحتهن، فأجبرن على مواجهة قرار صعب، قبوله مؤلم و رفضه مستحيل. كيف تعيش المرأة بعد هذه العملية، و ما مدى نجاحها في بلادنا و ماهي نسبة الأمل في الحياة بعد الخضوع إلى "الماستكتومي". هذا ما حاولت النصر الوقوف عليه من خلال هذا الاستطلاع الذي ينقل واقع و معاناة نساء استؤصلت أثداءهن في بلد تتضاعف فيه نسبة الإصابة بسرطان الثدي بشكل مقلق كل سنة. فكرت في نظرة الآخرين لي قبل الاهتمام بحياتي جلست كما على كرسي من نار، بدت عليها علامات القلق و اليأس و الحزن الشديد رغم محاولتها التظاهر بالشجاعة التي لم تستمر بضع لحظات قبل أن تنفجر بالبكاء، هي آنسة في الثلاثين من العمر، سردت للنصر تجربتها مع استئصال ثديها و الألم يخنق أنفاسها و يحبس كلماتها التي سبقتها الدموع و هي تقول:" لم يقولوا لي في البداية بأنهم سينزعون ثديي، دخلت المستشفى من أجل استئصال ورم"كيست"، لكن تفاقم حالتي استدعت البتر الكلي لأحد الثديين، لم أفكر حينها في حياتي و نجاتي من الموت بل في نظرات الآخرين لي، و في مستقبلي كعزباء..." تسكت محاولة السيطرة على دموعها التي تسابق كلامها قبل أن تسترسل:" التفاف العائلة حولي رفع قليلا من معنوياتي، لكنني بكيت بحرقة عندما صحوت من العملية و عند رؤية أثر الاستئصال و عند سقوط شعري..." و لم نستطع مواصلة التحدث إليها لشدة تأثرها و دموعها التي انهمرت كالمطر دون توقف و عجزت عبارات مواساتنا من التخفيف عنها و استسمحتنا بالعودة إلى سريرها كطريقة لوضع نقطة نهاية للقائنا. تغلبت على المرض و الاستئصال بفضل قوة إيماني اللقاء كان أسهل مع سيدة من الجنوب تبلغ من العمر 44سنة و أم لأربعة أبناء و التي حاولت التخفيف عن زميلتها الشابة و نصحها بالتحلي بالصبر. و عكس المريضة الأولى تحدثت هذه السيدة عن مرضها كأي مرض عاد آخر، و سردت كيف اكتشفت ورما كبيرا على ثدييها خلال استحمامها و نصح قريبة لها بالتوجه إلى أقرب طبيب لمعاينتها، و قالت أن تشخيص حالتها كان سريعا و كذلك قرار استئصال ثديها لتقدم حالة السرطان لديها، و قالت أنها وجدت نفسها ككل مرة مضطرة للتخفيف عن غيرها، خاصة أولادها و زوجها الذين بكوا كثيرا لحالها، و كان عليها التظاهر بالصبر رفقا بهم. شجاعة يعجز اللسان عن وصفها لكنها ليست بغريبة على أم و ربة عائلة استمدت قوتها من سند زوجها و التفاف أبنائها حولها و كذا الأقارب، حيث أكدت هذه المريضة كيف أن الدعم المعنوي للعائلة يهوّن المرض و يجعله سهلا و كغيره من الأمراض الأخرى. و أضافت و هي ترتكز على عصا غليظة بأن قوة إيمانها ساعدتها على تحمل مرضها و تقبل شكلها بعد الاستئصال، مؤكدة بأن لا شيء تغيّر في حياتها الزوجية و الأسرية. شعرت بخوف لا زال يراودني حتى اليوم هي سيدة في عقدها السادس، لم تكتشف مرضها سوى بعد رحيل زوجها عن دار الدنيا، تنبهت للورم بعد اشتداد الألم على مستوى الصدر، مما دفعها لزيارة الطبيب و الخضوع لتحاليل أثبتت ضرورة الإسراع باستئصال الثدي، وهو القرار الذي قالت أنها لم تفكر في تبعاته و إنما في أمل النجاة و العودة إلى أبنائها الذين لم يبق لهم غيرها بعد رحيل الوالد. و أسرت المريضة بأنها شعرت حينها بحزن عميق و خوف رهيب لا زال يراودها حتى اليوم خشية عودة المرض حيث تحول ذلك إلى هوس و كابوس يؤرق لياليها. هذه عينة لمريضات لا زلن يصارعن الداء الخبيث في صمت سنوات بعد البتر الكلي لأحد الثديين، كما التقين بمريضات أخريات خارج المستشفى يحاولن التأقلم مع وضعهن و جسدهن بعد بتر جزء من أنوثتهن على حد وصف السيدة رحيمة 50سنة التي خضعت لعملية استئصال كلي للثديين منذ خمس سنوات بدولة أوروبية قالت أنها تعتبر نفسها محظوظة لمتابعة علاج السرطان بالخارج، مشيرة إلى حالة الإحباط و اليأس التي مرت بها في أول زيارة لها لمركز مكافحة السرطان بقسنطينة وقالت:"تدني الخدمات في مركز حساس و مهم كهذا، و المشاكل و الصعوبات التي يواجهها المريض الخائر القوى و المتشائم لدرجة اليأس للفوز بموعد للعلاج بالأشعة و خلل المواعيد الذي يسببه العطب المستمر و المتكرر للأجهزة و تعريض حياتهم للخطر و يقلص نسبة الأمل في الشفاء و الحياة أيضا دفعها للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج و ضمان حياتها على حد تعبيرها.نفس الملاحظات و الانتقادات و التذمر تكررت تلقائيا في حديث كل المريضات اللاتي التقينا بهن داخل و خارج المستشفى. يأس، قهر و ضياع جميع المريضات ممن تحدثنا إلينا لم يسلمن من مضاعفات الحزن و اليأس، حيث سبقت دموع أغلبهن كلامهن و هن يسردن تجربتهن القاسية، و اعترفن بأنهن يجدن صعوبة كبيرة في الحديث عن المرض مع الآخرين و يتجنبن نظرات الغير حتى البريئة منها. فمنيرة (21سنة) تحدثت عن مأساتها و كيف أنها لم تصدق بأن سرطان الثدي يمكن أن يصيب فتاة في سنها إلى أن عاشت ذلك بنفسها، و سردت كيف أن إصابتها بسرطان الثدي في سن ال19حوّل حياتها إلى كابوس بدأ بالاستئصال و لا زال يتواصل مع استمرار الألم و الخوف لدرجة الهوس من معاودة المرض لها :"حياتي كامرأة انتهت مع بتر ثديي الأيمن...في البداية لم أفكر في شيء سوى نجاتي و إنقاذ حياتي من الموت بأي طريقة حتى لو كان ذلك ببتر كل الأعضاء التي مسها السرطان، لكن مع مرور الوقت ازدادت معاناتي و عدم تقبلي لذاتي ، و أنا اليوم أخضع لحصص علاج نفسي مكثف". و استرسلت و الدموع تحرق وجنتيها:" اشعر و كأن الكل ينظر إلى صدري الذي لم أكن يوما أهتم به و بحجمه قبل العملية و اليوم أبقى ساعات أمام المرأة أجرب حمالات الصدر المحشوة بالقماش لأن الحظ لم يحالفني بعد في الحصول على جهاز رمامة"بروتيز".و انتقدت الكثيرات باستياء كبير سوء التكفل الصحي و النفسي بالمصابات بسرطان الثدي بعد البتر و أكدن أنهن يعشن قساوة و قهر الظروف و المحيط.فهذه الفئة التي تصبحن حساسات بشكل أكبر بعد عملية البتر اشتكين من عدم مراعاة الآخرين لشعورهن و معاناتهن، و قلن أن ثمة من يتكلم أمامهن و دون رحمة بأن الله يعاقب عباده الأشرار بالأمراض الخبيثة ، و ثمة من النساء من تتجسسن على حياتهن الحميمية بالأسئلة المحرجة و هناك من يسألن عن رد فعل الزوج و أمور أخرى تزيد من آلم المريضات و تعمق جرحهن أكثر كما تصعب عليهن الوضع أكثر مثلما حدث مع زهية (49سنة) التي أصيبت بانهيار عصبي بعد مشاحنة مع جارتها التي لم تتردد في معايرتها بمرضها ووصفتها ب"بلاطي" (مسطحة الصدر)...أمور يصعب على العقل تصديقها لكنها للأسف موجودة في مجتمعنا الذي لا يرحم المريض و يهمشه و يتخلى عنه لا سيما الأزواج الذين يتخلون على الزوجات فيزدن مصابهن ، و هو ما أكد الأطباء أنه يؤثر بشكل كبير على نتائج العلاج، و هو أيضا ما جعل الكثيرين يتعاملون مع السرطان كطابوه يجب التستر عليه مما زاد من تفاقم الأعراض و تأخر الخضوع للعلاج و مضاعفة نسبة فشل العلاج و خطر الوفاة. مركز مكافحة السرطان بقسنطينة يسجل 850حالة سرطان ثدي السنة الماضية كشفت رئيسة الأطباء بمصلحة العلاج بالأشعة بمركز مكافحة السرطان بمستشفى ابن باديس بقسنطينة بأن 97بالمائة من حالات سرطان الثدي يخضعن لعملية بتر أحد الثديين مرجعة السبب لتهاون النساء بصحتهن و التستر على الأعراض إلى غاية الوصول إلى مرحلة عدم تحمل الألم و تفاقم الأعراض. و أضافت بأن أغلب الحالات يشخص المرض لديهن بعد فوات آوان العلاج الوقائي فيضطروا للبتر محاولة لإنقاذ حياتهن...و ذكرت بأن نساء كثيرات يلاحظن الورم و تغيرات مختلف على الثدي و يشعرن بألم أيضا لكنهن يفضلن إقناع أنفسهن بأن الأمر ناجم عن إصابة بالبرد أو تحجر الحليب في الثدي و غيرها من المعتقدات التي يفضلن تصديقها تهربا من عيادة الطبيب و الخوف من المجهول، غير أن طمأنة النفس بالكذب عليها لا يستمر طويلا و تتحول حياتهن إلى كابوس طويل لا نهاية له و جحيم لا عمق له بعد تدهور صحتهن و انتشار السرطان أكثر و أكثر.و قالت البروفيسورة جمعة أن مركز السرطان بقسنطينة سجل في سنة 2009 -850حالة سرطان ثدي مشيرة إلى ارتفاع نسبة الإصابة بحوالي 2بالمائة سنويا ، مؤكدة بأن العدد تضاعف خلال 20سنة بشكل مقلق.و رفضت الدكتورة كما رفض الكثيرون قبلها الإجابة عن سؤالنا حول نسبة الشفاء بعد عملية بتر الثدي، و كذا نسبة الوفاة و فضلت نقل نداء استغاثة النساء الخاضعات للاستئصال اللائي يواجهن مشاكلا كثيرة تهدد حياتهن و تعرقل علاجهن و قالت أن مريضات كثيرات لا تتوقف معاناتهن مع استئصال الثدي بل تبدأ مع انطلاق العلاج الإشعاعي الذي لا يتم عموما بطريقة منتظمة بسبب تكرر تعطل أجهزة المركز الذي يستقبل مئات المرضى يوميا و قالت أن الأجهزة الثلاثة التي يتوفر عليها المركز قديمة و يزيد عمرها عن ال20سنة، و تعطلها المستمر يحدث خللا و اضطرابا خطيرا في وتيرة العلاج و هو ما يهدد صحة و حياة المريض، و يضاعف احتمال عودة المرض و انتقاله عبر الخلايا اللمفاوية. و هنا يطرح السؤال نفسه لما عجلت وزارة الصحة بإقرار الفحص الإجباري لاسيما لسرطان الثدي، فيما تبقى مراكز مكافحته تعاني سوء التكفل و تجاوز طاقة استيعابها و تعطل أجهزتها... و غيرها من المشاكل التي لا يمكن حصرها في هذا المقال. انعدام "البروتيز" يزيد معاناتهن اشتكت الناجيات التي كتب لهن عمر جديد باستئصال ثديهن، من معاناتهن من انعدام جهاز الرمامة "بروتيز" و اضطرارهن لجلبها من الخارج لزرعها بالعاصمة. و حول الموضوع أكدت الدكتورة جمعة عدم قيام مركز قسنطينة بمثل هذه العمليات لافتقاده لجراح مختص ، موضحة بأن المريضات تلجأن دائما إلى العاصمة أو الخارج للاستفادة من مثل هذه التقويمات التي تعيد الأمل و الثقة إليهن.