تراجيديا اجتماعية عن العشرية السوداء بالجزائر قدمت فرقة "مرايا المسرحية" أمسية أول أمس عرضها الشرفي لمسرحية "القمرة"، آخر مسرحية من إنتاج الجمعية. " القمرة " من تأليف و إخراج صلاح الدين ميلاط، الذي قضا أكثر من سبعة أشهر في كتابتها و من تمثيل أعضاء فرقة " مرايا" الشباب الذين أبدعوا بحركاتهم الكوريغرافية الرائعة و أدائهم السلس في مختلف المشاهد الكوميدية الساخرة و الدرامية المؤثرة. تروي المسرحية " قصة حب في زمن اللاحب " حسب وصف مؤلفها ، و هي تجمع بين عاشقين شاعرين يصطدمان بواقع الحياة التي تقسو عليهما و على حبهما الكبير الذي لم يستطع الصمود أمام الظروف الصعبة للوطن الذي يناضل " يوسف " بتفاني من أجله و يفضله عن حب حبيبته "القمرة"، التي ترمز للوطن و تجسد في نفس الوقت شخصية امرأة تختار بيأس، الاستقرار عن الحب فتقبل الزواج " بحكيم " الذي يعدها بالسلام أثناء اعتقال "يوسف". تنتهي " القمرة" بين ذراعي من لا تحب لأن " حبيبها فضل على حبهما حبه للوطن " و في نفس الوقت ترمز القمرة للوطن الذي يكافح من أجله "يوسف" الذي يدرك مع تطور الأحداث أنه يناضل ضد جميع الجهات المتنافرة و المتناقضة و ينتهي به الحال معتزلا الدنيا في كهف بعيد لتلتحق به تباعا كل شخصيات المسرحية المناضلة: الصحفية، الداعية و المؤرخ بعد أن تيأس هي الأخرى من جدوى كفاحها و تتكرر معهم قصة أهل الكهف الذين يعتزلون العالم في سبات طويل سيتيقظون منه بعد قرن ليجدوا أن التاريخ انصفهم و خلد ذكراهم بعد أن أخذت شخصية " القمرة "، الوحيدة التي تستطيع دخول الكهف ، رموز كفاحهم كديوان شعر يوسف، الكتابات التاريخية للمؤرخ، كاميرا الصحفية و سبحة الداعية. يبرز نص المسرحية معاناة الشعب البسيط بين أنظمة السلطة المستبدة و الإسلاميين المتطرفين في سنوات الثمانين في الجزائر و يركز على مأساة النخبة الفكرية و الثقافية التي تستسلم في النهاية مجبرة و تعتزل الحياة التي لا تملك فيها حتى حق التعبير بحرية، لأن كل ما له علاقة بالفكر، الثقافة و الفن و كذا التاريخ الذي " يشهد على العصر" محظور و مراقب بشدة.نص المسرحية مكتوب بلغة شعرية جزائرية، رفعت الحوار لمستوى شاعري متألق انسجم بسلاسة مع الرقصات و الحركات التعبيرية للممثلين الذين كانوا يتحركون بمرونة كبيرة و ينتقلون من الرقص إلى الغناء دون عناء في مختلف المشاهد العميقة التي تتميز حينا بالضحك و الكوميديا الساخرة و أحيانا بدراما تراجيدية حزينة ، كالمشهد الذي يتعاتب فيه يوسف و القمرة على فراقهما و على خيانة القمرة ليوسف و زواجها من شخص آخر، أو مشهد الصحفية و المصور اللذان كانا يجريان تحقيقا حول المواجهات بين الإسلاميين و رجال السلطة حول الانتخابات التشريعية، الذي يبرز مشهدا كاريكاتيريا في شكل حوار ساخر بين الصحفية و المصور الذي يشعر بالخوف و يلوذ بالفرار تاركا وراءه آلة تصويره ، و الذي تلاه مشهد الانتخابات الذي جسد بلوحة كوريغرافية راقصة تجسد الصراع بين الأطراف السياسية و حيرة الشعب بينهم .بعزيمة و إصرار كبيرين، يعمل مؤلف و مخرج المسرحية التي تنبأ بفكر قد يكشف في أعمال أخرى أكثر عمقا على تفرد رؤيته لكي يرى هذا العمل المميز النور أخيرا بعد سنة من التحضير في ظروف صعبة ، أهمها عدم توفر مقر خاص بالجمعية قصة الحب بين يوسف و القمرة ما هي إلى إطار رومنسي لمجريات المسرحية المليئة بالأحداث المعبرة عن أهم المشاكل التي تأرق العصر، و عن المواضيع الجريئة التي تتناولها فيؤكد صلاح الدين مخرج المسرحية أن هدفه منها هو دعوة الشباب للبحث في تاريخهم ،قائلا : " الفنان يعيش على حافة الحقيقة و لا يحترفها ...". شارك في أداء مسرحية "القمرة" التي تعيد إلى أذهاننا رواية " نجمة لكاتب ياسين التي ترمز للوطن و المرأة في نفس الوقت، كل من ميلاط ميساء، نجاعي عبد الجليل، بودربالة أيوب، عباسي ياسمين، زيات بوبكر، بودماغ محمد الصديق، ملياني أمين و سيراوي هاجر. القمرة" ليست أول مسرحية من إخراج صلاح الدين ميلاط و إنتاج " مسرح مرايا" التي ترفع التحدي في كل مرة متبنية نظرية " المسرح الفقير" لقروطوفسكي، التي تعتمد على ابسط الإمكانيات من خلال الديكور المتنقل، حسب طاقة و إمكانيات الجمعية الطموحة و التي تعتمد على الإبداع السينوغرافي تعطي حيوية وجمالية أكبر للديكور المتحرك على الركح.مسرحية " القمرة" فهو جزء من رواية عن نفس الموضوع من تأليف صلاح الدين ميلاط .