على وقع إيقاعات شرقية وأطباق موسيقية ساحرة أبدع العازف العالمي نصير شمة في إمتاع الجمهور القسنطيني عندما حرك الأشجان بأوتار عوده من خلال وصلات استعاد بها إبن بغداد أمجاد الموسيقى الشرقية من زمن زرياب والعهد الأندلسي·· الحفل الذي أحياه نصير واحتضنه المسرح الجهوي بقسنطينة كان أول ما اختير لافتتاح الطبعة الأولى من فعاليات ليالي العزف العالمي التي ينظمها الديوان البلدي لترقية النشاطات الثقافية والفنية بقسنطينة، أبدع خلاله صاحب الرباعيات الأشورية في تقديم أطباقا موسيقية متميزة بإيقاعات شرقية ساحرة تجاوب معها الجمهور كثيرا لما احتوته المعزوفات التي تنم عن رهافة حس ضيف مدينة الجسور الذي استهل برنامجه بمقطوعة ''صفاء'' ثم ''ليالي الحلم'' قبل أن يختار مناجاة حبيبته بغداد، التي قال أن العودة إليها أمر صعب بعد الذي جرى ويجري لها، قبل أن يواصل رحلته، وبإشبيلية حط الرحال قادما من أشور العراقية قبل أن يحلق مرة أخرى، وكانت آخر محطة عاصمة الشرق سيرتا التي أبهر جمهورها بإيقاعات جمالية جسدت عشقها لها، فعزف صدى النهر والصخر والجسور وهي اللوحة التي جمع فيها شمة بين الطبيعة والتراث والحضارة ومن خلالها أرخ لزمن الوصل في الأندلس، ومكن الحضور من الإبحار بعيدا في زمن الصفاء والجمال بعناوين وألوان موسيقية مستخلصة من التاريخ العربي الغابر·· ولم يتوان نصير الذي قدم كذلك مقطوعة ''بغداد كما أحب'' التي هتف فيها للحرية بسيل جارف وحنين غامر في إظهار مدى تأثره العميق لما حل ببلده ومدى تعلقة بالجزائر التي احتضنته في الكثير من المرات، وهو الشعور الذي عبر عنه بوصلات حركت مشاعر الجمهور الساهر الذي كان يقاطع الوفي للعود العربي الأصيل بتصفيقات حارة تعبيرا وعرفانا منه بقدرة ابن الدجلة والفرات· وقدأعلن الفنان العراقي عن نيته في إعادة بعث المشروع الذي أطلقه منذ أربع سنوات بقسنطينة وحمل عنوان ''بيت العود'' وسيدشنه الموسيقار السوري فرحان جوان الذي سيشرف على تخرج أول دفعة من الموسيقيين الشباب، مبرزا في سياق حديثه أسباب تعثر المشروع في بدايته حيث قال أن الأمر يتعلق بالجانبين المادي والتنظيمي، نافيا أن يكون قد تخلى عن هذه الورشة التي تمثل حسبه نواة فنية مكملة لمشروعين مماثلين أسسهما بأبو ظبي والقاهرة، مؤكدا أن مثل هذه المشاريع تشجع على تنقية الأجواء من الطفيليات الضارة وتحمي الأجيال من التلوث الفني المنتشر. للإشارة، فإن أغلب الأعمال التي قدمها الفنان نصير شمة خلال السهرة عرضها لأول مرة، ذكر بأنه سيقوم بتصوير بعضها بقسنطينة مطلع نوفمبر القادم، وأنه بصدد القيام بدراسات وبحوث حول جوانب الموسيقى العربية على أن يجمعها لاحقا في إصدارات مطبوعة·