يعد حمام "الصباغين" بالمدينة العتيقة لتلمسان من بين أحد المعالم التاريخية النفيسة التي لا تزال قائمة وتشهد على الرقي المعماري والحضاري الذي عرفته عاصمة الزيانيين خلال مختلف العصور. ولعل أهم ما يميز هذا المعلم تلك الحكايات الخيالية والأساطير الشعبية التي التصقت به بعد أن نسجتها "المخيلة الجماعية" واحتفظت بها الذاكرة الشعبية طيلة قرون فظلت تروى عن طريق السرد الشفاهي إلى الأجيال المتعاقبة. إذ أن هذا الحمام القديم الذي يعتقد أن تاريخ بناؤه يعود إلى منتصف القرن السابع الهجري جاء ذكره في كتاب "الرحلة المغربية" للرحالة العبدري الذي زار مدينة تلمسان وأقام بها سنة 688 ه حسب أحد الباحثين والمهتمين بالتراث. ويقع هذا المبنى التقليدي في درب له مدخلان الأول يؤدي إلى درب "القران الصغير" والثاني إلى درب "مسوفة" ومسجد "الشيخ السنوسي". وقد كان هذا الدرب يضم محلات الصباغين الذين يعالجون المواد الصوفية لتلوينها وتحضيرها إلى ما يعرف محليا ب "الدرازين" أو النساجين الشيء الذي جعل الحاجة لهؤلاء المهنيين إلى حمام للاغتسال وتنظيف أجسامهم من المواد الصبغية. وهذا الاقبال الكبير صنع لحمام "الصباغين" شهرته الشعبية التي ساعدت على نسج الحكايات وتداولها بين سكان تلمسان ومنها تلك الحكاية الشهيرة المتوارثة إلى حد الآن مفادها أن امرأة وجدت في حوض الحمام عقدا ذهبيا فتجرأت على أخذه والخروج به خفية إلى منزلها لتخبئه داخل صندوق مما أدى الى فقدان الحمام لحرارته المرتفعة المعهودة رغم محاولات إذكاء الموقد الرئيسي بالكثير من الحطب. و لما تفقدت بعد أيام المرأة ذلك العقد وجدت بدله ثعبانا كبيرا ففزعت وعزمت على رده إلى مكانه مما جعل الحمام يستعيد نشاطه وحرارته مجددا حسب الأسطورة المتداولة. كما يحكى أن بنت السلطان الزياني أبو ثابت محمد بن محمد الملقب بالمتوكل مرضت واستعصى علاجها فعرضها أبوها على الأطباء والعارفين والحكماء من عدة أنحاء من المغرب العربي والأندلس لكن باءت كل محاولاتهم بالفشل إلى أن نصحه أحد المستشارين أن تدخل الأميرة حمام "الصباغين" بعد خروج الشيخ أحمد بن الحسن الغماري منه وأن تغتسل بالماء الساخن ففعلت ذلك وشفيت من المرض. وتقول الرواية أن الحمام أصبح يعرف منذ ذلك الوقت باسم حمام سيدي أحمد بن الحسن الغماري ومعلوم أن كل الحمامات التقليدية بتلمسان تحمل اسم ولي صالح تتبرك بكرماته مثل حمامي "سيدي شعار" و"سيدي اليدون". ومن الناحية الهندسية فإن حمام "الصباغين" يضم قاعة رئيسية للاستحمام طويلة الشكل ومغطاة بقبة نصف أسطوانية للحفاظ على البخار المتصاعد من الماء الساخن وهي مقسمة إلى ثلاثة جيوب تفصل بينها صفوف من الأعمدة لضمان سترة المستحمين. وحفرت في الجدار المقابل للباب فوهة صغيرة تدعى "التنفيسة" يدخل من خلالها البخار إلى الحجرة الساخنة المزودة بحوضين متقابلين للماء الساخن والبارد. أما أرضية تلك القاعة فقد فرشت ببلاط مدت تحته قنوات صغيرة للماء الساخن لتمكين المستحمين من الاستلقاء والانتفاع من حرارته. و للإشارة فإن الحمام قد كان سنة 1984 محل اهتمام أحد المخرجين السينمائيين العرب الذي خصص له حلقة تلفزيونية كاملة من سلسلته الوثائقية "بين الحقيقة والخيال" للتعريف به والبحث في مدى صدق الأساطير التي نسجت حوله وقيمتها الاجتماعية والأخلاقية والتراثية. أما على المستوى المحلي فقد أولى المعنيون بالتراث الثقافي المادي عناية خاصة بهذا المعلم الذي توقف عن نشاطه منذ عدة سنوات حيث خصص له برنامجا لترميمه وإعادة تأهيل مرافقه من أجل جعله محطة من المسار الثقافي الذي يشمل عدة معالم أثرية وتاريخية لعاصمة الزيانيين خلال تظاهرة "تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2011".