باتنة - تعد قرية تبردقة الواقعة على بعد 5 كلم من مدينة ششار بولاية خنشلة ببيوتها القديمة التي تميل إلى اللون الرمادي وشرفاتها ذات القرميد الأحمر المتواجدة وسط غابات النخيل وبساتين الرمان فسيفساء حقيقية بفضل هندستها البربرية المتماشية مع العادات القديمة والمتأصلة لسكان الجزائر العميقة . وتبقى تبردقة القديمة التي تظهر على شكل قلعة منسية مهربة من وقت آخر لوحة فنية فريد ة من نوعها تتراءى وسط منظر خلاب للأشجار الباسقة والكثيفة التي تترك المجال عبر فجوات قليلة لرؤية الماء وهو ينساب في المنحدرات . ويفاجئ جمال وعذوبة المكان المسافر عبر الطريق الوطني رقم 83 الذي أعيدت تهيئته حديثا . لكن درجة الإعجاب بالمكان تزيد درجة مع الاقتراب من آثار تبردقة المحفوظة بإحكام التي تعود إلى مئات السنين والتي تكشف نمط عمراني تقليدي يعتمد على الحجارة المصقولة أو قطع خام بشكلها الطبيعي بمباني ترتفع رغم ذلك إلى طوابق عدة . وتبين آثار المسجد القديم الذي مازالت منارته وجدرانه الخارجية بادية للعيان كشواهد على هذا النمط العمراني الذي يعود تاريخه إلى قرون خلت عبقرية الرجال الذين شيدوه . وبالإضافة إلى الحصانة الطبيعية التي يمنحها لها موقعها على صخرة عتيدة فإن هذه القرية القديمة كان الدخول إليها يتم عبر أربعة أبواب تغلق عندما يحل الظلام يؤكد الطيب بن عمران الذي صادفته وأج في مرآب له بمدخل تبرقدة وهو منهمك في تفكيك محرك . ويقول هذا السيد "أتذكر جيدا سلالم جامع الدشرة التي كانت منجزة بأخشاب جد متينة"معيرا عن تأسفه على لامبالاة الناس التي تقود إلى تردي هذا المعلم الثقافي والتاريخي . "لكن تصنيفه كتراث وطني الذي يعود إلى حوالي قرن من طرف الاستعمار الفرنسي لم يأخذ في الحسبان القيمة التاريخية لإرثه العمراني والهندسي واقتصر ضمه إلى المواقع الطبيعية" يقول خلاف ريغي مدير الثقافة لولاية خنشلة . وأكد ذات المسؤول الذي أرجع هذا (التناسي ) إلى سعي الإدارة الاستعمارية لطمس كل الآثار المتعلقة بالحضارتين البربرية و الإسلامية بأن اقتراحا قد قدم في سنة 2008 لتصنيف تبردقة كموقع أثري يستوجب المحافظة عليه وتثمينه . فهذه القرية القديمة التي تبقى منفصلة تماما عن المنطقة الحضرية ششار (روحها) حول إليها في سنة 1978 وعلى بعد 5 كلم شمالا مقر الدائرة والبلدية والتي كانت إلى هذا التاريخ بتبردقة لتصبح القرية القديمة انطلاقا من هذه السنة تجمعا سكانيا ثانويا حتى وإن استمرت الكثافة العمرانية في التزايد بها لاسيما بأسفل الدشرة القديمة. وكانت مقر دائرة منذ سنة 1974 وقبل ذلك في سنة 1958 مقر للبلدية المختلطة لششار كانت قد أصبحت بعد فترة من الصراعات منطقة للراحة والاستمتاع للمسافرين الذين أطلقوا عليها اسم تبردقة وهي تنقسم حسب التقليد الشفوي إلي كلمتين تاب (من التوبة) و رقد (أي نام). وليان صالحان وأربعة جبال وعرة تحرص القرية وتبرقدة ذات المنازل القديمة والجديدة المتناثرة هنا وهناك في نسق جمالي والتي تحيط بها أربعة جبال(تبرقدة وزيزة و عنتر والظهراني) تبقى ذات مناعة ضد السقوط المميت حيث ال" كاف يضمن الكاف " يؤكد الشيخ ميلود البالغ من العمر 70 سنة والمتزوج من 3 نساء و هو أب ل 25 طفلا والذي يقسم بأنه كان شاهدا على العديد من (السقطات) المميتة التي خرج الذين تعرضوا لها بسلام . ولم يتوان أحد المارة الذي وقع في سمعه الحديث أن يؤكد حكاية الشيخ مضيفا انه "حتى ولو انزلقت سيارة فإن الركاب يخرجون سالمين مهما يكن الضرر الذي يلحق المركبة". وهذه الحماية التي يتمتع بها المكان تعود ربما إلى ولييها الصالحين اللذين تحرص قباب ضريحهما المدخلين الوحيدين لهذا الموقع الدائري المتواجد بين الجبال. ويتمثل الولي الصالح الأول في "سيدي راشد" وهو نفس ولي قسنطينة الذي تشهد كتابة في إحدى الصخور بأنه توفي في سنة 1915 ويوجد ضريحه بالقرب من منبع عين الحمام. أما الولي الثاني فهو "دادا بلقاسم يوسف" الذي دفن في القرية القديمة ومازال المنحدرون من نسبه يزورون ضريحه إلى حد اليوم يقول سكان المنطقة . منبع عين الحمام و تعتمد حياة الشريط الأخضر المكون من التين والرمان والمشمش والعنب وأشجار أخرى غابية ومن الفواكه والذي يمتد من تبرقدة نحو مناطق مزين و تاغيت وزاوية والعمرة على وادي بدجار الذي تغذيه العديد من المنابع التي تصمن له جريانا مستمرا حيث تعد عين الحمام أشهرها دون شك . وتسيل عين الحمام الساخنة في الشتاء ومذهلة البرود في الصيف (إلى درجة عدم استطاعة ترك اليد فيها مدة 10 دقائق ) إلى غاية اليوم لكن يرفض السكان شرب مائها حتى من طرف حيواناتهم خوفا من إصاباتهم بالأمراض بسبب تلوثها بالمياه القذرة المتأتية من بلدية ششار يؤكد الشيخ الميلود الذي يشير بالأصبع إلى المجرى المائي الذي أصبح لونه أخضر . وبالنسبة لمسؤول المصلحة الفرعية لمديرية الري فإن هذا المشكل "الحقيقي" قد تم التكفل به بواسطة دراسة تهدف إلى بناء محطة لتصفية المياه القذرة وينتظر تسجيل المشروع قريبا . وأوضح ذات الإطار بأن معالجة مشكل صرف مياه سكنات القرية الجديدة لتبردقة المتواجدين على نفيس الموقع على الرغم من بعده على القرية القديمة سيكون شائكا بسبب صعوبة تضاريس النمطقة . القندي للشفاء من داء الكبد الفيروسي (الصفاير) وتعرف أيضا تبردقة بأنها موطن لنوع من القوارض الأكثر تهديدا بالزوال بالجزائر وهو (قندي الأطلس ) وهو حيوان بحجم القط حيث يصطاد بطلب من طرف المرضى أو أقربائهم. و يقال أن لحم القندي المشوي يشفي من مرض الكبد الفيروسي الذي يطلق عليه محليا ب"بو الصفاير" يؤكد شباب التقتهم وأج في حديقة ششار . ويقول الشاب حمزة قادري في هذا الصدد "نصطاد القندي في سبيل لله ونرفض ثمنا مقابل ذلك"على الرغم من أنه بطال مشددا أنه "يمتنع عن صيد هذا الحيوان في فترة تكاثره والتي تتصادف مع فصل الربيع" . وللإمساك بالقندي يكشف المتحدث لوأج عن استعمال تقنيتين أولاها المندف (نوع من مصيدات الذباب) والثانية كليب الصيد مضيفا أن المتاجرة بهذا الحيوان غير محببة بالمنطقة. فبالنسبة لهؤلاء الشباب لا أحد إلا بعض الأطفال القلائل الذين يبحثون عن بعض الدراهم هم من يقبل بصيد القندي من أجل الحصول على المال . وهذا جانب مخفي عن منطقة تبقى دون شك تحتفظ بالكثير من الأسرار التي تستدعي التنقيب عنها ومن ثم تثمينها كما يجب.