تونس - عكس الحراك السياسي الذي احدثته "ثورة الياسمين" في تونس مع بداية سنة 2011 فان الاوضاع الاقتصادية عرفت تأزما نجم اساسا عن انخفاض الانتاج وتقلص الصادرات والاستثمارات المحلية والاجنبية وانخفاض احتياطي الصرف وفق المعطيات الرسمية. وفي الوقت الذي توقعت فيه الاوساط الاقتصادية في هذا البلد بلوغ نسبة النمو الاقتصادى مستوى الصفر أو ما دونه فان نسبة البطالة بلغت 3ر18 بالمائة بينما انعكس تباطؤ الوضع الاقتصادى فى اوربا بشكل سلبي على الاقتصاد التونسي علما بان الاتحاد الاوروبي يعتبر الشريك الاقتصادى الاول لتونس ناهيك عن الوضع المتازم الذي عرفته ليبيا الشريك الاقتصادى الثاني لتونس. وبخصوص الاستثمارات الخارجية كشفت الاحصائيات الرسمية أن حجم الإستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس قد سجل تراجعا بنسبة 5 . 35 بالمائة خلال ال 11 شهرا الماضية بالمقارنة مع النتائج المسجلة خلال نفس الفترة من العام الماضي وان قيمة تلك الإستثمارات التي إستقطبتها تونس بلغت 990 مليون دولار مقابل 1.535 مليار دولار خلال سنة 2010 . وامام هذا الوضع "الحرج" دقت الاوساط الاقتصادية ناقوس الخطر محذرة من تواصل الاضطرابات الاجتماعية التي " تنعكس سلبيا "على الديناميكية الاقتصادية خاصة في ضوء انسحاب العديد من المؤسسات الاجنبية بسبب "انعدام الاستقرر الاجتماعي" وتواصل الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات والاضرابات العمالية. ويرى العديد من الخبراء ورجال الاعمال التونسيين والاجانب ان "انعدام الاستقرار" على مستوى المؤسسات الاجنبية العاملة في تونس اضحى " يشكل انشغالا رئيسيا لابد من معالجته من خلال وضع حد نهائي " للاضرابات عن العمل التي بلغت حصيلتها خلال السنة الجارية 326 اضرابا غير شرعي مقابل 144 عام 2008. ومعلوم ان الاضطرابات التي صاحبت الانتفاضة الشعبية التي اسقطت نظام الرئيس المخلوع قد انجر عنها تعطل العديد من القطاعات التجارية والانتاجية والخدماتية ابرزها قطاع السياحة الذي يعتبر من اهم مصادر جلب العملة الصعبة في البلاد والذي يشغل زهاء 450 ألف عامل. ولم تتوقف معضلات تونس الاقتصادية عند هذا الحد بل ان صافي احتياطي النقد الاجنبي بخزينة البنك المركزي انخفض ليصل إلى 244ر7 مليار دولار اي ما يعادل تغطية 113 يوما فقط من إجمالي الواردات التونسية بينما وصلت نسبة التضخم في نهاية شهر نوفمبر المنصرم 5ر3 بالمائة حسب معطيات البنك المركزي التونسي الذي شدد على " ضرورة مواصلة العمل من أجل توفير" السيولة اللازمة للبنوك وتمكين الجهاز المصرفي من تمويل المؤسسات وإسترجاع نسق النشاط الإقتصادي ". وإعتبرت مصادر اقتصادية تونسية أن الصعوبات الداخلية التي تشهدها تونس علاوة على التاثيرات الخارجية وفي مقدمتها الازمة المالية العالمية نتج عنها إرتفاع عجز المدفوعات الجارية ليبلغ في نهاية شهر نوفمبر الماضي 6.5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي. وبهذا الصدد اعتبر البنك المركزي التونسي ان البلاد تونس تعيش وضعا اقتصاديا "حرجا" وان مختلف المؤشرات الاقتصادية ستبقى "صعبة " سواء على مستوى التشغيل أو وضعية المؤسسات الاقتصادية أو المالية العمومية أو فيما يخص تسديد الديون الخارجية. وعلى هذا الاساس حثت المؤسسة المالية التونسية على "إرساء مفهوم الحكامة باعتباره أساسيا " لما يفرزه من تحول مؤسساتي يطمئن المستثمر ويساعد على دفع النمو حيث ان" التوازن بين السلطات والشفافية والمساءلة تعد من ابرز مقومات الحكم الراشد". وفي هذا المضمار بالذات لم يفت اتحاد ارباب العمل التونسي دعوة كل الأطراف الفاعلة ب "تحمل مسؤولياتها كاملة" إزاء تواصل" نزيف الاقتصاد التونسي وتعطيل عمل المؤسسات خاصة وان الوضع أصبح ينذر بالتفاقم". وترى هذه المنظمة ان "خطر الركود والشلل " الاقتصادي التام أصبح يهدد البلاد في ظل" تنامي الحركات المطلبية "وعدم تفاعل" الأطراف الاجتماعية مع النداءات المتكررة للجلوس على طاولة المفاوضات مجددة الدعوة لكل الأطراف من أحزاب سياسية وشركاء اجتماعيين ومكونات المجتمع المدني إلى ضرورة الاهتمام بالشأن الاقتصادي والعمل في اقرب الآجال على إيجاد" حلول عأجلة " للمصاعب الاقتصادية والإنصات إلى مشاغل المستثمرين التونسيين والأجانب. ولقد دفعت هذه الاوضاع برئيس الجمهورية المؤقت منصف المروزقي إلى المطالبة ب " هدنة سياسية واجتماعية " تصل مدتها إلى 6 شهور وتعهد بمعالجة مشكلة البطالة مع خلق اكبر عدد ممكن من مناصب العمل "والمحافظة على الاستقرار و التعجيل" باجراء الإصلاحات الهيكلية " دون اغراق " البلاد في المزيد من المديونية الخارجية وتشجيع الاستثمارات دون"السماح بالاستغلال" وحماية حقوق المستخدم والعامل على حد السواء. ولم يفت الرئيس المؤقت الخوض في مسائل التوزان الجهوي حيث شددعلى ضرورة تنمية المناطق الداخلية الاكثر حرمانا التي ماانفكت تعرف انخفاضا في الاستثمارات المحلية والاجنبية وفي المشاريع التنموية مقارنة مع المناطق الساحلية " الا ان ذلك لا يعني اطلاقاإيقاف تطور الجهات الأخرى"على حد قوله. وبدوره عرض رئيس الحكومة الجديد حمادي الجبالي الخطوط العريضة لبرنامج حكومته الذي يرتكز على تحفيز النشاطات الإقتصادية ومراجعة المنظومة الجبائية وتطويرها وتنشيط السوق المالية وإصلاح القطاع المصرفي وتطويره وإعتماد المصرفية الإسلامية. كما يرمي البرنامج الحكومي إلى معالجة العجز المالي للصناديق الإجتماعية وتفادي المساس بتوازنات ميزانية الدولة ومساعدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة ماليا ومنح العناية اللازمة للقطاع الزراعي. ويتضمن برنامج الجهاز التنفيذي رصد ميزانية إضافية للترويج للقطاع السياحي و تعزيز البنية الأساسية خاصة النقل بالسكك الحديدية وتوسيع شبكة الكهرباء والغاز.