لا شيء كان يوحي للوهلة الأولى بأن يوم الأحد هو يوم عيد بمقرات أمن ولاية سطيف. فقد كان أعوان الشرطة بالبهو الفسيح لهذه الهيئة الواقعة بوسط عاصمة الهضاب العليا سواء وهم يلبسون اللباس الرسمي أو بالملابس المدنية يضطلعون كما في كل يوم بمهامهم العادية إذا كانوا يستقلون السلالم المؤدية الطوابق العليا أو ينزلون إلى المستويات الدنيا فيما كانت أيديهم في بعض الحالات محملة بالملفات. لكن حسين عون الأمن العمومي في ال30 من عمره وهو المكلف بالاستقبال في مدخل المبنى يذكر جيدا بأن اليوم هو يوم عيد الفطر المبارك وهو يضع أمامه على المكتب صحنا مليئا بالحلويات يدعو من يمر أمامه لتناول بعض منها. وعن سؤال يتعلق بشعوره وهو الذي يجتاز العيد في ممارسة مهامه يجيب حسين المتزوج والأب لطفلين بأن كلمة "الواجب" بعفويتها وبديهيتها تدعوه إلى تحمل مسؤولياته. "تعلمون بأنني لدى انخراطي في هذا السلك أعرف جيدا بأنني سأكون مدعوا لأداء مهامي في أي وقت يطلبه المرفق العام وبأنني سأكون مطالبا ببذل تضحيات. هذا هو خياري وأنا لا أندم على ذلك لأنني أعي الطابع النبيل للمهنة التي أمارسها". وبعدما يرمي بنظرة إلى الخارج حيث استوقفه طفلان يرتديان ملابس جديدة وهما يمران بسرعة أمام محافظة الشرطة يضيف حسين "غدا هو يوم عطلتي وسيكون بإمكاني التفرغ لأطفالي طيلة اليوم والقيام بجولة لأفراد العائلة من أجل تقديم تهاني العيد. ولذلك لا يوجد لدي مشكل لأن أقوم بواجبي في أول أيام العيد". ولدى خروجه من مكتب يقع على بعد 3 أمتار من المدخل الذي يقف عنده حسين كان محيا الملازم الأول رابح.ك ضابط الدوام بالمبنى يشع ابتساما. نحن معتادون على هذه الوتيرة كما يقول إذا نضمن مهامنا أيام الجمعة والأعياد. نحن في الأمن الوطني كما في باقي الأسلاك النظامية نواصل عملنا لتقديم العون للمواطنين وحمايتهم وأملاكهم كما نحافظ على الأمن العام ولذلك لا يمكن تصور غياب الشرطة سواء هنا مقر الأمن أو على الطريق العمومي". وداخل مكتب الضابط رابح.ك يواظب ضابطان آخران على أداء مهامهم كما تنتصب صينية من النحاس بها صحون من الحلويات التي قال أن سكان عديدين بمحاذاة المبنى قدموا بها إثر صلاة العيد إلى درجة أن جميع مكاتب مقر المحافظة قد حظيت بهذا السخاء الذي يشير حسب ذات الضابط إلى الحياة العائلية التي يعيشونها وسط المواطنين". وهنا يدخل المكتب مواطن اسمه (بلقاسم.ب) ومعه طفلة صغير وذلك في الحادية عشر والنصف كانت تحمل صحنا كبيرا مغطى بمنديل وضعته على المكتب قبل أن يقوم والدها بتهنئة رجال الأمن بعيد الفطر المبارك. وفي الواحدة و 50 دقيقة يرن جهاز الهاتف وبعدما يجيب الضابط رابح.ك يدعو صحفي "وأج" لمرافقة عون للشرطة في جولة صغيرة بالسيارة عبر الحواجز الحضرية المنصبة هنا وهناك داخل المدينة من طرف مصالح الأمن الوطني. وكانت المدينة قبيل منتصف النهار شبه خالية أو تكاد فيما كانت الأرصفة المتواجدة أمام المحلات التجارية مغلقة و الأطفال يبدون كسادة بالأحياء يجرون ويمرحون في كل الاتجاهات غير آبهين بتلك الحرارة التي تغلف مدينة سطيف وهم يعرضون لعبهم وملابسهم الجديدة. وكان السعيد سائق السيارة يبدو مبتسما أمام هذه اللامبالاة "أنا لدي طفل في الثامنة من العمر وأتصوره يمرح في برج بوعريريج كما هؤلاء وآمل فقط أن تكون أمه قد فكرت في تزويده بقبعة تقيه لفحات الحر ". وعند السد المنتصب بالمدخل الشرقي لمدينة عين الفوارة قرب المكان المسمى "الحاسي" كان أعوان الأمن الوطني بلباسهم الأزرق يبدون مزاجا مرحا. وقد تقدم أحدهم وكان في سن شابة ليعلن بأنه لا شيء جدير بالملاحظة. "منذ هذا الصباح كانت حركة المرور ذات سيولة حسنة خاصة في غياب شاحنات الوزن الثقيل" كما يقول. وكان ذلك هو حال باقي الحواجز التي أخذت هي أيضا كما هو حال مقرات الأمن الأخرى نصيبها من الحلويات التي تطوع مواطنون بإحضارها. لقد جاءونا بأقداح شاي والقهوة وبالمياه الباردة كما هو الحال دائما هنا يقول السعيد وهو يأخذ اتجاه أمن الولاية. وبالعودة إلى مكتب الضابط رابح.ك كان هذا الأخير يستمع إلى امرأة شابة في حالة بكاء نرفزة مصحوبة بولد عمره 4 سنوات "اسمعي سيدتي إن زوجك السابق يتمتع بحكم قضائي يسمح له بحق الزيارة كما يمنحه حق أخذ ابنه خلال أيام العيد. ولا يمكنك بأي حال من الأحوال أن ترفضي ذلك. لأن بإمكانه أن يرفع قضية ضدك...". وبكثير من الصبر الذي لم يزل عنه هدوءه استطاع الضابط المداوم أن يهدأ من روع المرأة المطلقة منذ شهر فقط والتي تخشى من الافتقاد لأبنها الوحيد حتى وإن كان ذلك ليوم واحد. وبعد استرجاعها الثقة وعدت المرأة في النهاية بترك فلذة كبدها مع أبيه لبعض الوقت خلال هذا العيد. كما قبلت بابتسامة خجولة أن تتناول بعض من الحلويات التي دعاها إليها الضابط. "هذا هو أيضا دورنا في إقناع المواطنين بالصرامة نعم ولكن باللياقة اللازمة ذلك أن اليوم هو يوم العيد والتسامح" يضيف رابح.ك بعد ذهاب المرأة. إنه يوم عادي لعيد الفطر المبارك والسعيد بأمن ولاية سطيف.