تعد زاوية قصر مغرار التحتاني (138 كلم جنوب شرق ولاية النعامة)، معلما تراثيا و تاريخيا متميزا يبقى صامدا كمركز للتنوير الفكري والإشعاع الديني، بعد أن شكل محطة بارزة من ذاكرة مقاومة المستعمر الفرنسي في الجنوب الغربي للوطن. وتكتسي تلك الزاوية التي تأسست سنة 1876 من طرف قائد المقاومة في الجنوب الغربي الشيخ بوعمامة الذي جدد الحصون حولها وأتم بناء أسوار بجوانبها منذ عدة عقود و إلى يومنا أهمية بالغة في تعميق و توسيع معارف الطلبة والمريدين الذين يتوافدون على مدرستها القرآنية من عدة ولايات من الوطن. وتحتوي زاوية مغرار التحتاني التي شيدت بمحاذاة القصر العتيق لواحة مغرار على جدران منقوشة بزخارف وفسيفساء من الفن المعماري الإسلامي القديم و بقايا أواني فخارية وعتاد بسيط إستعمل في زراعة البساتين بالمنخفضات الوديانية للمنطقة. وتنتمي جميع تلك الكنوز الأثرية إلى محيط حصن دفاعي شيده قائد المقاومة الشعبية بالجنوب الغربي للجزائر. تحويل جزء من زاوية مغرار التحتاني إلى متحف أثري و فضاء مفتوح للسياح ولعل القيمة الأخرى لهذا المعلم الديني العريق الذي يتكون من جامع كبير ومدرسة للتعليم الديني القرآني وإقامة لإيواء الطلبة الداخليين تكمن في دوره التاريخي بكونه محطة بارزة من ذاكرة مقاومة المستعمر الفرنسي، مما حوله في الوقت الراهن إلى متحف أثري وفضاء مفتوح للسياح للإستراحة والإستكشاف بجانب دار للضيافة لقصر مغرار التحتاني. وعرفت الزاوية نشاطا علميا مكثفا تمثل في تدريس صحيح البخاري وسنن الترمذي وغير ذلك من مجالات المعرفة كما كان طلبة العلم يجدون بالزاوية مأوى ملائما لإقامتهم ويستفيدون من مكتبتها التي تضم مئات الكتب و بعض المخطوطات النادرة ذات الأهمية الثقافية والتراثية. ويضم المتحف التابع لزاوية مغرار التحتاني مادة توثيقية هامة تخص وصايا الشيخ بوعمامة ومخطوطاته التي تمثل مختلف مخلفاته في مجال علوم الدين ومعارف الفقه والتفسير كما تؤرخ لمختلف المراحل التاريخية التي شهدتها المنطقة للحيلولة دون توغل و نفوذ المستعمر الفرنسي نحو الصحراء الكبرى لما يناهز الربع قرن. و يغوص الزائر لقرية الشيخ بوعمامة (18 كلم شرق دائرة مغرار) في تاريخ المنطقة من خلال إطلاعه على بقايا آثار هذه الزاوية الدينية العريقة لمغرار التحتاني التي تعكس نمط حياة السكان القدامى بقصور جبال الأطلس الصحراوي و ما يميزها من هندسة معمارية قديمة وطريقة بناء بالنمط البربري والتي استخدمت فيها مواد بناء محلية بسيطة. وظائف متكاملة للزاوية من أبرزها التحضير للمقاومة الشعبية وتشير الدراسات التاريخية أن زاوية مغرار التحتاني لعبت دورا في غاية الأهمية في المقاومة الشعبية المسلحة ضد الإستعمار الفرنسي بعد أن تمكنت من توحيد و تجنيد قبائل الجنوب الغربي الجزائري التي كانت تمر بمرحلة تفكك قبلي على غرار قبائل حميان و العمور والطرافي وأولاد زياد والقصور. واتخذت زاوية مغرار التحتاني من الطريقة العمامية أو كما سماها الشيخ بوعمامة بالطريقة الإيمانية أسلوبا في تلقين التصوف والزهد وتعليم أصول الدين و الفقه والحديث الشريف كما اعتمدت الإلتزام بالقواعد والقيم الإسلامية و نمط الوعي الجمعي و الترابط سبيلا لضمان الإنسجام الإجتماعي بين قبائل المنطقة كما ذكر الباحث و الأستاذ الجامعي عبد المالك براهيمي. و ذكرت المخطوطات التاريخية التي عثر عليها بخزانة قصر مغرار التحتاني بأن هذه الزاوية تحملت مهمة القيام بعدة وظائف متكاملة فقد كانت كتابا لتحفيظ القرآن الكريم ومدرسة لتعليم الطريقة الإيمانية وناديا لترديد الأذكار والأوراد وملجأ لأبناء السبيل والمحتاجين والفقراء والمساكين ومستوصفا لعلاج المرضى لتتحول بعد ذلك إلى خلية إعداد المقاومة الشعبية في الجنوب الغربي. صرخة السكان المحليين و الجمعيات لإنقاذ تراث زاوية و قصر مغرار التحتاني وعلى الرغم من أهمية هذا الإرث الحضاري والتاريخي لزاوية الشيخ بوعمامة فإن كثيرا من أسوارها ظلت معرضة للتلف ولم تستفد سوى من عمليات "شكلية" لم تتجاوز طلاء واجهاتها، وهي تتطلب حاليا أشغال صيانة وتأهيل بعد أن أصبحت معرضة للإنهيار في أي لحظة. و يرى المهتمون بالتراث المحلي ضرورة بعث مبادرات لثمين المعالم التراثية للولاية مقترحين إعداد ملف كامل لتصنيف القصر العتيق و زاوية مغرار التحتاني يتضمن كافة النواحي الإجتماعية والثقافية والجغرافية والتراثية والأثرية للزاوية بمشاركة السكان المحليين ومختصين في علم الإجتماع والهندسة المعمارية ومؤرخين وممثلي جمعيات حماية التراث بالولاية. وفي الوقت ذاته يقول مسؤول مكتب الآثار وحفظ التراث بمديرية الثقافة لولاية النعامة أن قلعة الشيخ بوعمامة المصنفة كتراث وطني محمي تتشكل من آثار ثمينة تم صيانة البعض منها ومنها الزاوية الدينية واسترجاع بعض ملامحها بعد أشغال التهيئة والترميم التي مرت بعدة فترات منذ سنة 1998 إلى غاية سنة 2007 . و يبقى تسجيل مشاريع للمحافظة على زاوية مغرار التحتاني، أهم انشغال يطرحه المهتمون بالتراث التاريخي للولاية مؤكدين أن التراث الثقافي للمنطقة لا زال في حاجة إلى خطوات جادة وفي مقدمتها إعداد مخططات تصنيف وبأشغال إستعجالية لحمايتها و دراسات لتثمينها والمحافظة عليها. وفي هذا الصدد أوضح مسؤولو قطاع الثقافة أن دراسات لمخطط تصنيف للتراث المادي للقصور القديمة هو في طور الدراسة من أجل الحفاظ عليها وتثمينها حيث تم تخصيص غلاف مالي ضمن برنامج المخطط الخماسي للتنمية (2010-2014) . ويحتاج مثل هذا الرصيد التاريخي من التراث المادي إلى استعادة معالمه الحقيقية من خلال إطلاق أشغال للترميم نظرا لدرجة الضرر الذي تعرض له قصر مغرار التحتاني بسبب عوامل الطبيعة وهجرة سكانه المحليين، إضافة إلى المساجد الأثرية و الكتاتيب القديمة التي تتواجد قببها و فضاءاتها في حالة "جد متدهورة"، مما يقتضي تدخلا فوريا لحمايتها.