بدأت بوادر انفراج الازمة السياسية في تونس تلوح في الافق بعد تكليف مهدي جمعة رسميا بتشكيل الحكومة التكنوقراطية الجديدة بغية تنظيم الانتخابات غداة تخلي حزب النهضة (اسلامي) عن الحكم. لكن مع بداية نهاية الانسداد السياسي اندلعت اعمال عنف وتخريب ونهب بمختلف المناطق للمطالبة بتجسيد البرامج التنموية تارة والدعوة إلى الغاء بعض الضرائب تارى أخرى وهو ما جعل السطات الامنية تدعو الاحزاب والمنظمات والمواطنين إلى "الوقوف صفا واحدا ضد الاطراف التي تريد العبث بالامن الوطني" . ووصف رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي الأطراف التي تسعى إلى تخريب ونهب الممتلكات العامة والخاصة بتونس ب"المجرمين الذين لديهم في إرباك النظام العام بالبلاد ما يخدم مصالحهم". ويرى رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل ناصر بن سلطانة ان أعمال العنف التي تستهدف المؤسسات الأمنية تعتبر "غطاء للمجموعات الإرهابية". وبالمقابل يسعى رئيس الحكومة المكلف مهدي جمعة إلى تجسيد التوافقات المتفق عليها بين الفرقاء السياسيين في الحوار الوطني حيث افاد بانه سيطبق الخارطة التي طرحها الرباعي الراعي للحوار من أجل قيادة البلاد نحو الاستحقاقات الانتخابية خلال العام الحالي 2014 وتجاوز الازمة التي القت بظلالها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وابرز المتحدث - الذي شرع في إجراء اتصالات مع المرشحين لعضوية حكومته- بان تشكيلته الوزارية "ستكون حكومة كفاءات وطنية من المستقلين والمحايدين التي ستخدم كل التونسيين وتقف على نفس المسافة من كل الاحزاب وتتوفر فى أعضائها مقومات الحياد والنزاهة" وفق تعبيره . كما تعهد بتنظيم انتخابات عامة في كنف الشفافية والنزاهة مؤكدا عزمه على التواصل والتشاور مع كل الاحزاب السياسية من أجل رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والامنية التي تواجه تونس. وسبق للجهاز التنفيذي بقيادة حزب النهضة الاسلامي ان وافق في نهاية العام الماضي على تسليم السلطة لحكومة مستقلة وذلك تحت ضغوطات الاحزاب العلمانية المعارضة التي اعتبرت ان حكومة حزب النهضة الاسلامي "انتخبت لفترة انتقالية لا تتعدى السنة الواحدة وانها تعمدت الاطالة في صياغة الدستور بغية تمديد فترة حكمها". ولم تتردد قوى المعارضة في توجيه انتقادات حادة للحزب الاسلامي الحاكم "بسوء تسيير شؤون البلاد والتسامح مع التيارات الاسلامية المتشددة" المتهمة بالوقوف وراء اعمال العنف . وسعيا منها إلى تجاوز هذا الانسداد اتفقت الاحزاب السياسية في تونس على تكليف وزير الصناعة السابق مهدي جمعة بتشكيل حكومة تكنوقراطية مؤقتة تشرف على إجراء انتخابات جديدة وتستكمل المسار الانتقالي. ويرى المتتبعون للشان التونسي ان حكومة مهدي جمعة يتعين عليها التعامل مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومواجهة مخاطر التهديدات الامنية المتمثلة في اعتداءات جماعة تنظيم "انصار الشريعة" الجهادية التكفيرية. وفي غضون ذلك يواصل أعضاء المجلس التأسيسي التونسي التصويت على فصول دستور البلاد الجديد الذي من شانه فسح المجال لاستكمال المسار الانتقالي تزامنا مع تشكيل الحكومة المستقلة الجديدة . وتجرم بنود دستور تونس الجديد "التكفير والتحريض على العنف" كما تنص على أن "الدولة حامية للمقدسات وضامنة لحياد المساجد عن التوظيف الحزبي". ورفض النواب مقترحات بتضمين الدستور نصا يعتبر الإسلام "المصدر الأساسي للتشريع" وتبنوا فصلا يؤكد أن "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها". وتتمثل أهم النقاط الخلافية بين نواب البرلمان في الفصول الخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتركيبة السلطة القضائية. وتوصلت اللجنة البرلمانية المختصة إلى إحداث فصول جديدة لتوسيع صلاحيات رئيس الدولة وذلك لمحاولة "تحقيق المعادلة "بين صلاحيات رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء). ويعد الدستور المرتقب ثاني دستور للجمهورية التونسية بعد الدستور الأول الذي صدر في جوان 1959 والذي تم التخلي عن العمل به عقب "ثورة الياسمين" وبعد انتخاب المجلس تأسيسي. وحول المسار الانتخابي استكمل نواب المجلس التاسيسي التونسي تشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهي العملية التي من شانها تسهيل تمرير السلطة والتقليص من المدة الزمنية الفاصلة بين تخلي الحزب الاسلامي عن الحكم والاعلان عن تشكيل الحكومة المستقلة المقبلة. ويرى المتتبعون للشان التونسي ان الهيئة الجديدة تتحمل على عاتقها "مسؤولية جسيمة تتمثل في تنظيم الانتخابات العامة المقبلة وسط اجواء من الحذر خاصة بين قوى المعارضة العلمانية وحركة النهضة الاسلامية غداة اصعب ازمة سياسية عرفتها البلاد منذ الاطاحة بالنظام السابق.