تظهر المؤشرات الاقتصادية العالمية "البوادر الأولى للخروج من الأزمة" بالنظر إلى تباطؤ التوجه السلبي الذي سبق تحسين مناخ العمال و تخفيض المديونية العمومية و تسوية أهم المسائل المالية. منذ بضعة أشهر بدأت الأرقام الجيدة تتراكم و بدت المؤشرات الهامة تسير في الاتجاه الصحيح. كما أن الثقة بدأت تعود و سجلت معظم الساحات المالية ارتفاعا و لكن مع ذلك يبقى الحذر مطلوبا نظرا لنشاط عالمي ما يزال هش. و قد أكد هذا التوجه رئيس المفوضية الأوروبية خوسي مانويل باروزو الذي يرى أن "خطر تفكك منطقة الأورو قد ولى". تصريحات أكدتها المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد التي أكدت انه "الآن و العالم يتعافى من الركود الكبير ندخل في فترة انتقالية كبيرة". ففي هذا الجو التفاؤلي هل باتت الأزمة الاقتصادية ذكرى أليمة أم هي شبح ما يزال يخيم على الاقتصاد العالمي. هل علينا أن نؤمن ببداية الفرج و دون التحدث بعد عن عودة نمو قوي و دائم إلى أي حد يمكن التفاؤل في المجال الاقتصادي سنة 2013 توجيه أحسن للنشاط بالنسبة لسنة 2013 يبدو أن الوضعية الاقتصادية لأهم الاقتصادات العالمية تتحسن في الولاياتالمتحدة حيث أن الاقتصاد الذي تزعزع منذ أشهر بتعاقب حلقات المسلسل المالي (سقف الديون و الجدار المالي و شوتدوين...) تجلى إلى حد الآن قادرا على امتصاص تداعياتها. و قد حقق النشاط الأمريكي انتعاشا كبيرا حيث قد يسجل النمو الذي قدر سنة 2013 ب 6ر1 بالمائة تحسنا بانتقاله سنة 2014 إلى 6ر2 بالمائة. كما شهدت الاقتصادات المتطورة (خارج منطقة الأورو) انتعاشا في نشاطها سنة 2013 على غرار المملكة المتحدة (7ر0+ بالمائة) و اليابان (9ر0 بالمائة). و في المقابل يبقى نشاط الاقتصادات الناشئة معتدلا أو متراجعا مقارنة بوضعية ما قبل الأزمة: فإذا كان النشاط قد سجل انتعاشا في الهند و البرازيل بفضل إجراءات دعم الاقتصاد فان هذين البلدين يشهدان تدهورا في ميزانهما التجاري. في الصين بدأ مناخ الأعمال يتدهور و مع ذلك فان تمويل الدولة الصينية لعدة منشآت عمومية قد يساهم في دعم النشاط الاقتصادي لهذا البلد و القضاء على تباطؤ الإنتاج الصناعي. كما أن أوروبا الشرقية و روسيا لم تجدا بعد وتيرتهما للنمو لما قبل الأزمة. و عليه يبدو أن زمن النمو المتسارع للاقتصادات الناشئة قد ولى : يرتقب أن تشهد نشاطهما ارتفاعا ب 6ر7 بالمائة سنة 2013 و 3ر7 بالمائة سنة 2014 مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة التي قاربت 10 بالمائة. و قد خرجت منطقة الأورو في نهاية سنة 2013 من ستة سداسيات من الركود. وأكد صندوق النقد الدولي الخروج التدريجي من الركود و تتوقع نموا بنسبة 1 بالمائة. أربعة بلدان تتخلص من الأزمة تعتبر ايرلندا أول بلد في منطقة الأورو تحت المساعدة يستعيد استقلاله الاقتصادي و المالي حيث أصبح في منتصف شهر ديسمبر أول بلد من منطقة الأورو يتخلص من مساعدة صندوق النقد الدولي و الاتحاد الأوروبي بفضل سياسات تقشف صارمة. و على غرار العديد من البلدان الأوروبية بدا البرتغال يتعافى بفضل تضحيات ضخمة بذلها ممولوه الدوليون و سجل عودة للنمو و انخفاض في نسبة البطالة مؤكدا خروجه من الركود مع توقع في ارتفاع في النمو بنسبة 8ر0 بالمائة سنة 2014. أما الاقتصاد الرابع لمنطقة الأورو الذي تضرر سنة 2008 جراء تفكك عقاره و بداية الأزمة المالية الدولية اسبانيا فقد خرج خلال الثلاثي الثالث من ركود دام سنتين بتسجيل نمو قدر ب1 0 بالمائة و تحسن طفيف على جبهة سوق العمل. نفس السيناريو بالنسبة لايطاليا البلد المريض الآخر لأوروبا الذي يتعين عليه التخلص من مخططات المساعدة في ديسمبر و الخروج بسرعة من فترة التراجع الطويلة لما بعد الحرب بنمو سلبي خلال الثلاثي الثالث. و على مدى سنة تراجع الناتج الإجمالي الخام لهذا البلد بنسبة 8ر1 بالمائة مقابل 9ر1 كانت متوقعة. و ما يزال الطريق طويل للعودة إلى اقتصاد متين في منطقة الأورو بما أن هذه المؤشرات ليست دلالات على الخروج الفعلي من الأزمة حسب الخبراء الذين يعتبرون انه ينبغي المزيد من المؤشرات و البوادر الايجابية للتحدث عن الانتعاش. أما اقتصاديات بلدان مثل اليونان و قبرص اللذين يقفان بفضل دعم الشركاء الاوربيين و مساعدات صندوق النقد الدولي منذ ربيع 2010 فما تزال تشهد اوضاعا هشة. بالرغم من هذه المساعدات ما تزال ديون اليونان في مستويات لا تحتمل (175 بالمائة من الناتج الداخلي الخام) و يتعرض البلد لعجز مالي ابتداء من منتصف سنة 2014. أما بالنسبة لقبرص يتواصل الركوض الاقتصادي من خلال تراجع الناتج الداخلي الخام ب7ر5 بالمائة سنة 2013 . عموما ظل مصير الاقتصاد العالمي مرتبطا طوال السنة بتسوية الأوضاع المالية لأول اقتصاد على السمتوى العالمي و سياسته النقدية. فلقد انتج التخفيض التدريجي لدعم النشاط في الولاياتالمتحدة ارتفاعا شاملا لمستوى الفوائد مما أضر باقتصاديات البلدان الناشئة التي من شأنها ان تشكل محركا للنمو العالمي. بالنسبة لسنة 2014 من المتوقع أن يبقى النمو في البلدان الناشئة مضطردا بفضل الطلب الداخلي على الطاقة و زيادة الصادرات و السياسات النقدية و المالية الملائمة. كما ان اسعار المواد الأساسية ستستمر في تشجيع النمو في العديد من البلدان ذات الدخل الضعيف بما فيها إفريقيا جنوب الصحراء. لكن بلدان منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا و أفغانستان و باكستان ستستمر في مواجهة مراحل انتقالية اقتصادية و سياسية صعبة. الجزائر التي يتوقع صندوق النقد الدولي استقرار الناتج الداخلي الخام بها في حدود 7ر2 بالمائة سنة 2013 ستحقق نموا اقتصاديا بنسبة 5ر4 بالمائة سنة 2014.