يحتفل العالم يوم 29 نوفمبر من كل سنة باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يمثل فرصة لتركيز المجتمع الدولي اهتمامه الجدي بالقضية الفلسطينية التي مازالت تراوح مكانها رغم المكاسب الدبلوماسية التي حققها الشعب الفلسطيني. و قد اختير يوم 29 نوفمبر لما ينطوي عليه من معان و دلالات بالنسبة للشعب الفلسطيني. ففي ذلك اليوم من عام 1947 اتخذت الجمعية العامة القرار 181 (د-2) الذي أصبح يعرف باسم قرار التقسيم (دولتين). وعادة ما يوفر اليوم الدولي للتضامن فرصة لأن يركز المجتمع الدولي اهتمامه على حقيقة أن قضية فلسطين لم تحل بعد، وأن الشعب الفلسطيني لم يحصل بعد على حقوقه غير القابلة للتصرف على الوجه الذي حددته الجمعية العامة وهي الحق في تقرير المصير دون تدخل خارجي والحق في الاستقلال الوطني والسيادة، وحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أبعدوا عنها. ياتي الاحتفال بهذه الذكرى بارتفاع وتيرة المواجهات واستمرار حدة العنف الذي يمارسه الإسرائيليون ضد الفلسطينيين العزل في الضفة الغربية وغزة ومناطق أخرى من الأراضي الفلسطينية، يمكن أن يمثل انتفاضة ثالثة. و ما تشهده مختلف مدن وقرى الوطن المحتل، خاصة مدينة القدس، والتعرض بوحشية ودموية للمواطنين الفلسطينيين من قبل جنود الاحتلال، فضلا عن إطلاق العنان للمستوطنين للتنكيل بالمدنيين وإحراق ممتلكاتهم ومزروعاتهم دون استثناء الأطفال من البطش والاستهداف حيث استشهد اكثر من 100 فلسطيني و أصيب المئات ،وهذا ما يعزز الحاجة لضرورة الإسراع في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. مكاسب و انتصارات دبلوماسية حققت دولة فلسطين مكاسب كثيرة على المستوى العالمي خاصة ما تعلق بالاعتراف المتزايد بها (135 دولة) إضافة إلى الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها فلسطين على مستوى هيئة الأممالمتحدة، الأمر الذي يبعث على التفاؤل بشأن مستقبل فلسطين. فقد صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 138 صوتا مقابل تسعة أصوات وامتناع 41 دولة عن التصويت لتغيير وضع فلسطين إلى وضع "دولة غير عضو" في الأممالمتحدة مما يعني اعترافا ضمنيا بفلسطين كدولة. و تزامن التصويت على رفع مكانة فلسطين في الأممالمتحدة مع "اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني" الذي يصادف يوم 29 نوفمبر من كل عام. كما منحت منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" فلسطين عضويتها الكاملة، و جاء ذلك في جلسة خاصة للمؤتمر العام لليونيسكو عقدت في باريس وتطلب التصويت بهذا الشأن الحصول على أغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين، وفي العام 2011 تم قبول فلسطين كدولة عضو تتمتع بكامل حقوقها في منظمة اليونسكو. كما اعترفت الأممالمتحدة بحق الشعب العربي في فلسطين بتقرير مصيره في قرارات عدة، و اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا له. و نالت دولة فلسطين وضع مراقب بوصفها كيانا لها الحق في التحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دون وسيط ولكن دون الحق في التصويت. مكسب اخر حققته فلسطين و هو انضمامها رسميا إلى المحكمة الجنائية الدولية بصفة عضو كامل الحقوق، و جاء قرار الأممالمتحدة بقبول فلسطين كعضو في المحكمة ،استجابة لطلب فلسطين الذي جاء في إطار حملة دبلوماسية أطلقتها السلطة الفلسطينية لنيل الاعتراف دوليا بعد فشل المفاوضات المباشرة مع سلطات الاحتلال. وبدأت مساعي عملية الانضمام إلى المحكمة أواخر السنة الماضية بعد فشل الجهود لتمرير مشروع قرار دولي عبر مجلس الأمن يضع جدولا زمنيا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. كما يمثل رفع العلم الفلسطيني مكسب اخر حققته فلسطين هذه السنة حيث رفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس العلم الفلسطيني لأول مرة في مقر الأممالمتحدة في نيويورك إلى جانب أعلام الدول ال 193 الأعضاء في الأممالمتحدة والفاتيكان الذي يتمتع مثل فلسطين بوضع دولة مراقب غير عضو. وجاء رفع العلم بعد موافقة الأممالمتحدة في تصويت في 10 سبتمبر على رفع العلم الفلسطيني على مقر ومكاتب المنظمة وعارضت ثمان دول القرار وعلى رأسهم الولاياتالمتحدة بينما أيدته فرنسا وروسيا والصين وامتنعت 45 دولة عن التصويت من بينهم بريطانيا وألمانيا. و شاركت دولة فلسطين شهر ماي الماضي في مؤتمر المراجعة للدول الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بمقر الأممالمتحدة،و تأتي هذه المشاركة للمرة الأولى بعد انضمام فلسطين إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لتصبح الدولة الطرف 191 في المعاهدة. صمود الشعب الفلسطيني و تشبثه بحقوقه لا يزال الشعب الفلسطيني الذي يبلغ تعداده ما يزيد على ثمانية ملايين يعيش أساسا في الأرض الفلسطينية التي تحتلها سلطات الاحتلال منذ عام 1967 من العدوان المستمر للاحتلال وسط صمود لا مثيل له ازاء معاناة اقتصادية و سياسية و اجتماعية. و حسب تقرير صدر حديثا عن الحملة الدولية للتضامن مع الأسرى في سجون الاحتلال "تضامن"،فقد اعتقل الاحتلال الإسرائيلي 3400 فلسطينيا خلال سنة 2015، وبلغ عدد المعتقلات من النساء 189 مواطنة فلسطينية، في حين وصل عدد المعتقلين في صفوف المرضى 194 معتقلا ومعتقلة من بينهم كبار السن تجاوزت أعمارهم 55 عاما. و رصد التقرير تصاعدا في عمليات الاعتقال التي استهدفت المقدسيين، حيث بلغ عدد المعتقلين 1300 مواطنا، كما تتعمد سلطات الاحتلال توقيف واعتقال الأطفال، حيث بلغ عدد المعتقلين 609 طفلا. و رغم كل الانتهاكات و العدوان يبقى الشعب الفلسطيني الأعزل بإرادته و تحديه وصموده وثباته متشبثا بقيمه الأساسية في إطاره كفاحه الدائم من اجل استقلاله و حريته في ظل السيادة.