وجه رئيس الجمهورية, السيد عبد العزيز بوتفليقة, يوم الأربعاء رسالة بمناسبة إحياء الذكرى ال60 لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين والذكرى ال45 لتأميم المحروقات. فيما يلي نصها الكامل : "دولة رئيس المجلس الشعبي الوطني دولة الوزير الأول دولة رئيس المجلس الدستوري السيد الأمين العام للإتحاد العام للعمال الجزائريين السيدات و السادة ضيوف الجزائر السيدات و السادة الوزراء أصحاب السعادة السفراء أخواتي العاملات إخواني العمال حضرات السيدات و السادة نحيي اليوم الذكرى الستين لتأسيس الإتحاد العام للعمال الجزائريين والذكرى الخامسة والأربعين لتأميم المحروقات. قبل ستين عاما خلت تم تأسيس الإتحاد العام للعمال الجزائريين في حين كانت حرب التحرير على أشدها و الغاية المنشودة منه كانت تكريس مشاركة العمال و هيكلتها و إدراجها في قلب الكفاح التحرري. و لما كتب لنا استرجاع الاستقلال الذي حرر الأرض فإن العمال و العاملات ظلوا على تعبئتهم القوية و سعوا ما وسعهم السعي من أجل أن تنتعش الجزائر تدريجيا بعد تخليصها من المستعمر. و ما كان لهم أن يفعلوا غير ذلك و هم الذين حملوا أمانة غالية استلمها و صانها من عيسات إيدير إلى عبد الحق بن حمودة رحمهما الله نساء و رجال حلموا و كافحوا وضحوا من أجل أن تسترجع الجزائر يوما ما سيادتها وتتحكم في مصيرها و خيراتها. أما يوم تأميم المحروقات فقد كان أهم محطة في ذلكم النضال الذي خاضته الجزائر المستقلة طيلة عقد كامل أو يكاد من الزمن للتوصل إلى بناء علاقات منصفة مع شركائنا في مجال المحروقات قبل ما يؤدي بنا الإنسداد الذي إعترض هذا المسعى إلى استرجاع سيادتنا كاملة غير منقوصة على هذه الموارد الحيوية. وفي هذا المضمار بالذات جاء تأسيس شركة سوناطراك معلما جوهريا في مسار إدخال المحروقات الجزائرية تحت راية الجزائر المستقلة. فلقد أتاحت هذه المؤسسة الحيوية إقامة الأسيسة لقدراتنا في مجال الغاز و البترول بل مكنت كذلك و على الخصوص من تكوين الرعيل الأول من إطارات الجزائر المتخصصين في هذا المجال. بالفعل لقد شكل أولئك الإطارات النواة الأولى من قدراتنا البشرية في مجال المحروقات التي تعززت بإطارات آخرين تخرجوا من الجامعات الجزائرية فكانت ذلكم السلاح السلمي الذي فاجأت به الجزائر العالم عندما قررت سنة 1971 تأميم المحروقات و تمكنت أيضا من تسيير حقولها و تسويق بترولها الأحمر بحمرة دماء شهدائنا الأبرار الأمجاد. و اليوم و في هذه اللحظة التذكارية و إذ أحيي أبناء الجزائر البررة أولئك الذين مكنوا لتأميم المحروقات أناشد خلفهم من إطارات قطاع المحروقات و عماله إلى التأسي بذلكم السلف الخير و التجند اليوم لتعزيز و تطوير قدرات بلادنا في جميع أنواع الطاقات. نعم أيتها السيدات أيها السادة لقد كانت المرحلة الأولى من الاستقلال مرحلة بذل الجهد و حشد الطاقات و التجند في سبيل بناء الجزائر المستقلة مرحلة ساهم فيها عمال المحروقات وغيرهم من عمال مختلف القطاعات الأخرى و عاملاتها. حضرات السيدات و السادة لقد تم منذ سنة 1971 اكتشاف ما يربو عن 450 بئر للنفط والغاز و ارتفع الإنتاج الوطني من المحروقات بأكثر من ثلاث مرات مما سمح بتعزيز قدرات بلادنا في تسويق الغاز و النفط و بضمان موارد مالية للتكفل ببناء الإقتصاد الوطني وبتكريس التنمية الإجتماعية. و بلغ مد الشبكة الكهربائية عبر الوطن و الوصل بشبكة توزيع الغاز الطبيعي نسبة تعد من أعلى النسب في العالم. والأولوية التي توليها السلطات العمومية لتزويد السوق الوطنية قصد الاستجابة لمتطلبات المواطنين و الصناعة على حد سواء تدل على حرصها الشديد على تلبية حاجات مواطنينا من الطاقة و تحقيق التنمية الاقتصادية و الصناعية في سائر أنحاء الوطن. بالفعل لقد سمحت إيرادات المحروقات لبلادنا بقطع أشواط معتبرة في مجال تعزيز البنى التحتية عبر بلادنا وبناء نسيج اقتصادي له بال بما فيه من شركات عمومية و استثمارات القطاع الخاص في كافة المجالات. و هو كله ما يجعل طموحنا إلى تعزيز اقتصاد جزائري متنوع أمرا ليس أمرا مشروعا فحسب بل أمرا في متناولنا حقا شريطة تجنيد العزائم مرة أخرى و شريطة الإستمرار كذلك في مسار الإصلاحات الضرورية. لقد سمح توجيه الموارد الوطنية الناتجة عن تسويق المحروقات لبلادنا من جهة أخرى بالإلتحاق بطليعة دول العالم في العديد من مجالات التنمية الإجتماعية سواء أتعلق الأمر بنسبة التدريس والتعليم أم بشبكة الهياكل الصحية العمومية والخاصة أو في ما يخص القفزة النوعية في تغطية الحاجيات من السكن و كذا في مستوى الحماية الإجتماعية الموفرة في الجزائر. و ما كان لنا أن نحقق مثل هذه النتائج لولا تعبئة كافة العاملات و العمال تحت لواء منظمتهم العتيدة الاتحاد العام للعمال الجزائريين ولو لا السيادة التامة التي باتت الآن مبسوطة و لله الحمد على مواردنا من المحروقات. حضرات السيدات و السادة لما كنا على وعي بالتذبذب الدوري لسوق المحروقات الدولية فإننا حرصنا إضافة الى إضفاء دينامية قوية على التنمية الإقتصادية و الإجتماعية في إطار وثبة وطنية حقيقية حرصنا كذلك وبالتزامن على تعجيل تسديد المديونية الخارجية وإيقاف الإستدانة من الخارج و كذا على إقامة جهاز احترازي من خلال صندوق ضبط ايرادات جباية المحروقات و هو الأمر الذي سمح لنا في الظرف الراهن بمواجهة انهيار سعر النفط الفادح الذي قارب 70 بالمائة في غضون سنتين أو أقل. كما أنها تمكننا على الخصوص من التعجيل نسبيا بالإصلاحات الضرورية الرامية إلى تحسين الحوكمة و قدرة اقتصادنا الوطني على التنافسية. في هذا الباب وفقنا خلال السنوات الأخيرة في الحفاظ على دينامية إنشاء مناصب الشغل و الإبقاء على نسب البطالة في مستوى مقبول و مواصلة إنجاز برامج الاستثمار و مباشرة تقليص فاتورة الواردات. وهذا و تم في الآونة الأخيرة إصدار العديد من النصوص التشريعية قصد توفير المناخ المواتي للاستثمار المنتج الذي يخلق مناصب الشغل و كذا قصد تعزيز قدراتنا الاقتصادية من غير الاعتماد على المحروقات. و في هذا المضمار يرجى من الجميع و خاصة من أخواتنا العاملات و إخواننا العمال استغلال جميع قدراتنا الاقتصادية و في كل القطاعات عن طريق مؤسساتنا العمومية و مستثمرينا الخواص و مساعدة شركائنا الأجانب الذين نحن بحاجة إلى خبرتهم. حضرات السيدات و السادة إننا لا ننوي التخلي عن إلتزام الصرامة المطلوبة والضرورية في تسيير الموارد العمومية و ترشيد خياراتنا المالية و في هذا المقام أحرص على تأكيد أننا ننوي التصدي لتداعيات انخفاض أسعار النفط بسياسة نمو اقتصادي حكيمة و حازمة في نفس الوقت. فبالرغم من شدة الأزمة إن الجزائر لا تنوي لا التخلي عن الاستثمار في عوامل نجاح النمو الاقتصادي ولا التراجع عن خياراتها الأساسية من حيث التضامن الوطني الحقيقي و العدالة الاجتماعية الفعالة. إن تأكيد ضرورة التنويع الاقتصادي و تثمين كافة القدرات الطبيعية و البشرية والعلمية للبلاد بمناسبة التعديل الأخير للدستور يعكس عزم الدولة الثابت على المضي قدما و بسرعة في التغييرات الهيكلية لاقتصادنا حتى نمكنه من قطع مراحل جديدة في مجال التنافسية و نتيح له الدخول بحظوظ أقوى إلى فضاء السوق العالمية. ذلك أن تنويع الاقتصاد وتنافسيته مطلبان ملحان في الظروف الراهنة والمبتغى هو على الخصوص أن تكون كل المؤسسات من دون تمييز في طليعة قوتنا الضاربة في معركة الاقتصاد الوطني. و بما أنها ستنشط مستقبلا في فضاء متفتح على العالم فهي مطالبة بتطوير قدراتها على الابداع و الابتكار و ترقية الجودة و النجاعة. و في هذا الصدد جاء التعديل الدستوري بأحكام جوهرية أكدت خياراتنا الوطنية في المجال الاقتصادي المتمثلة في الحفاظ على الملكية العمومية على الخصوص في مجال المناجم و المحروقات و جوانب حيوية أخرى. كما أكد التعديل الدستوري مسؤولية الدولة على الحفاظ على الأراضي الفلاحية و الموارد المائية. وهناك تعديلات دستورية أخرى كرست حرية الاستثمار و تشجيع الدولة لجميع المؤسسات من دون تمييز و كذا ضبط السوق و محاربة الاحتكار. ومن جهة أخرى شمل التعديل الدستوري كذلك تأكيد كل مراجع بلادنا في مجال سياستها الاجتماعية و التضامن الوطني لا سيما في مجالات الصحة والسكن و التعليم و حقوق العمال و التضامن الوطني مع المعوزين و ذوي الاحتياجات الخاصة. أملي أن تكون هذه التشجيعات و تلك التطمينات مصدر تحفيز للجميع أي لأرباب العمل و العمال والفلاحين و كل الشركاء العاملين في مضمار الاقتصاد لعقد العزم على بذل جهد خاص و غير مسبوق لتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية و الاجتماعية. و في نفس السياق و في الوقت الذي نص فيه الدستور المعدل على إعطاء مكانة خاصة لإشراك الشباب أدعو أبناء وطني إلى الاقتداء بالسلف من شهدائنا الأمجاد ومجاهدينا الأشاوس الذين انتزعوا بتضحياتهم الجسام استقلال الجزائر غلابا كما أدعوهم إلى الاقتداء بالسلف الذين صمموا وحرصوا على بناء الجزائر طيلة عقود عديدة بجهود مثالية و حتى بتضحيات جسام في ظروف اقتصادية و أمنية صعبة. أدعو أبناء بلدي قلت إلى حشد عزائمهم و تشمير سواعدهم لاكتساب العلم والمعرفة في مدرجات الجامعات ولدفع ضريبة العرق في تثمير أراضينا الفلاحية وفي تحريك معاملنا الصناعية لكي تجتاز الجزائر هذا الظرف العصيب الذي نحن فيه من جراء تذبذب سوق النفط العالمية و لكي لا تدفع الجزائر مرة أخرى بتنميتها و رفاهية شعبها ضريبة مجحفة للصراع الجاري بين أقطاب الرأسمالية العالمية وما فيه من تلاعباتها بأسعار المواد الأولية. و في هذا اليوم المشهود الحافل بالذكريات والاحتفالات دعوني أجدد التحية والإشادة لعمال الجزائر وعاملاتها و أخص بالتنويه المتميز الاتحاد العام للعمال الجزائريين على ما بذله وما زال يبذله من جهود و تضحيات في قيادة عالم الشغل و المساهمة البناءة في الحوار الوطني الاقتصادي و الاجتماعي. إن دور الاتحاد العام للعمال الجزائريين و مكانته مشهود بهما في عالم الشغل و الدليل على ذلك حضور إخوة و أخوات لنا من منظمة الوحدة النقابية الإفريقية معنا ممثلة بوفد يتصدره رئيسها السيد فرانسيس أطولي وأمينها العام السيد أرزقي مزهود و كذا السيدة الحاجة رابياتو سراح ديالو رئيسة المجلس الإقتصادي و الإجتماعي لجمهورية غينيا و السيد أمادو ديالو الأمين العام لكنفدرالية عمال غينيا فأخصهم هم و من رافقهم بالتحية و أحيي من خلالهم الجماهير الكادحة الإفريقية و الشعوب الإفريقية الشقيقة التي لا ننسى وقفتها التضامنية مع كفاحنا التحرري الشعوب الإفريقية التي نتقاسم معها أيضا نضالات و تطلعات من أجل حقنا في التنمية العالمية و في رفاهية الإنسانية. المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار! عاش الاتحاد العام للعمال الجزائريين! عاشت منظمة الوحدة النقابية الإفريقية! تحيا الجزائر! والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته".