شد المشهد العراقي انتباه العالم خلال سنة 2016 بفعل ما يجري بالموصل مركز محافظة نينوي حيث تجري معركة يتوقع أن تكون الحاسمة في مواجهة ارهاب تنظيم ما يسمى ب "الدولة الإسلامية" (داعش)، و ذلك موازاة مع جهود الحكومة من أجل البناء الاقتصادي و مبادراتها من أجل تسوية سياسية بين مختلف التيارات. فإن كان تطور الوضع في العراق صبغه الطابع السياسي و الاقتصادي فان الجانب الأمني أضفى بضلاله بقوة في هذا البلد الذي تشن قواته هجوما غير مسبوق بمساندة من أطراف داخلية وخارجية ضد إرهاب "داعش" الذي فرض نفسه على الواقع في وقت من الأوقات ووضع يده على ثلث أراضي العراق وازهق الأرواح كما دمر معالم تاريخ عريق عرفت به بلاد الرافدين. فمنذ انطلاقها منذ أكثر من شهرين تبدو العملية العسكرية واسعة النطاق لتحرير الموصل انها بلغت مرحلة الحسم النهائي وتطهير المحافظة من قبضة الشبكة المسلحة، مما سيفسح المجال لعشرات الآلاف من الذين فروا عن المدينة ومن نيرانها من العودة إلى ديارهم بشمال العراق، حسب الملاحظين. وقدرت المنظمة الدولية للهجرة عدد النازحين من الموصل منذ بدء العمليات العسكرية في أكتوبر الماضي بأكثر من 93 ألف شخص. وكانت قبلها محافظات أخرى تم انتشالها من مخالب تنظيم داعش الإرهابي، كمحافظات الرمادي والفلوجة. وفي الوقت ذاته لم تسلم العاصمة العراقية من عمليات التفجير بعبوات ناسفة وسيارات مفخخة وهجمات انتحارية بأحزمة ناسفة، لتكون بغداد، أكبر مدن العراق من حيث عدد السكان، الأعلى نسبة من حيث ضحايا العنف والإرهاب بين محافظاتالعراق. تأجيل التسوية السياسية الى ما بعد المصالحة وتحقيق الاستقرار الامني سياسيا، فإن الوضع الذي فرضه ارهاب "داعش" منذ سيطرته على مناطق عراقية منذ أزيد من العامين "غير المعادلة" وجعل من رفع التحدي الأمني أولا ثم المرور لتسوية الشأن السياسي، و هذا في ظل التأكيد على أن نجاح مفاوضات التسوية السياسية يقترن بانتهاء المعارك وإعادة النازحين إلى مناطقهم. فالحالة السياسية الراهنة بالعراق التي تشهد مدا وجزرا بين الكتل النيابية والساسة وغياب التوافق السياسي على القضايا الأساسية أبرز أهمية تحقيق التصالح والتوافق بين أبناء الشعب الواحد باختلاف طوائفهم و انتماءاتهم. ويجري الحديث مع نهاية العام عن مبادرات تسوية سياسية وأخرى مضادة أبرزها ما أعلن عنه التحالف الوطني الشيعي "أكبر كتلة برلمانية" والذي هو بصدد بلورة مبادرة ل"تسوية سياسية" يقودها رئيس التحالف عمار الحكيم الذي يقوم بالترويج لها داخل العراق وخارجه من خلال جولة في عدد من العواصم الإقليمية. وحسب تسريبات أولية، فان المبادرة تنبني على مواجهة مخططات لتقسيم العراق في مرحلة ما بعد طرد التنظيم الارهابي "داعش"، وخلق بيئة سياسية تمكن من النهوض بالبلاد في مختلف النواحي، وخاصة التنموية والاقتصادية. وتحسبا لهذه المرحلة، تشهد الأوساط السنية العراقية حراكا واتصالات بين قيادات حزبية ودينية بهدف إعداد تصور لتسوية سياسية للرد على التسوية المطروحة من قبل التحالف الوطني الشيعي و الهادفة الى "المساهمة في ضمان حقوق جميع المكونات في المجتمع العراقي". سنوات الاقتتال والعنف تجهد اقتصاد العراق فعلى الرغم من المكاسب الأمنية المحققة سيظل العراق يواجه تحديات جمة في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية جراء مخلفات الحرب التي شردت الآلاف ودمرت البنى التحتية. فالعراق اليوم بحاجة الى إعادة الإعمار والتنمية بشكل عاجل من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية، وإعادة بعث قطاع الخدمات، الا ان المعطيات الراهنة لا تمكن البلاد من الاستغناء عن الدعم و السند الخارجيين. ودائما في الشق الاقتصادي، وبعد سلسلة من المحادثات الحادة والمثيرة للجدل التي شهدت انسحاب بعض الكتل من قبة البرلمان بسبب خلافات حول "تقاسم العائدات المالية"، أقر مجلس النواب العراقي في نهاية المطاف الموازنة الاتحادية لعام 2017 في السابع من ديسمبر تضمن جانبا منه التركيز على إعادة إعمار البنى التحتية وخاصة في المناطق التي تم تحريرها من داعش . أي مستقبل للقوات الأجنبية بعد القضاء على تنظيم داعش وفي استقراء للمستقبل من طرف المتتبعين للشأن العراقي فان الانتصار في المعركة ضد "داعش" الارهابي ما هو الا "مسألة وقت لا أكثر"، مما سيفرض على الإدارة الأمريكية الجديدة وضعا جديدا يبقى يطرح فيه التساؤل عن نوع قرار الرئيس المنتخب دونالد ترامب بشان العراق خاصة فيما يتعلق بمسألة الوجود العسكري الأمريكي بهذا البلد. فدونالد ترامب انتقد لسنوات خلت الحرب الأمريكية في العراق كما وأدان قرار "غزو العراق" في عام 2003 خلال حملته الانتخابية وأبقى على موقفه الذي لازمه طويلا والذي يعتبر فيه هذا الغزو " أسوأ قرار" في تاريخ الولاياتالمتحدة، باعتبار أن الحرب أدت الى "عدم استقرار الشرق الأوسط وإهدرت الملايير من أموال دافعي الضرائب، وازهقت الآلاف من أرواح الأمريكيين". غير أن المسؤول الجديد للبيت الأبيض يرى من جهة اخرى أن القوات الأمريكية استطاعت بحلول عام 2011 ان تقدم مساهمة مجدية في تحقيق استقرار العراق على المدى البعيد. ومن هذا المنطلق يفتح النقاش حول مستقبل القوات الغربية التي تقودها واشنطن، وسط تقارير أشارت إلى عزم التحالف الدولي نشر مزيد من القوات في العراق.